31 مارس 2020

هل يؤدي الإبداع الزائد إلى المرض النفسي ؟

رئيس قسم المحتوى الإلكتروني في مجلة كل الأسرة

هل يؤدي الإبداع الزائد إلى المرض النفسي ؟

"أنا متيقنة بأنني سأجن مرة أخرى. لا أظن بأننا قادرون على خوض تلك الأوقات العصيبة ثانية، أشعر بأني لن أتعافى هذه المرة، لقد بدأت أسمع أصواتاً وفقدت قدرتي على التركيز".
بهذه الكلمات كانت فيرجينيا وولف، الكاتبة الإنجليزية، تعلن استسلامها لمرض لم تفهمه، حيث لم يكن مرض الهوس الاكتئابي شائعًا أو مفهومًا حينذاك، فتركت الأصوات تقرر مصيرها وتسدل الستار على حياة حافلة بالإبداع.
لكن الغريب أن مرضها لم يكن عائقًا بل و بحسب *دراسة أجريت عام 2005 في جامعة فالبارايسو في تشيلي، كانت فيرجينيا في أوج إبداعها في الفترة بين عام 1915 وحتى انتحارها عام 1941 وأجمل رواياتها كانت وليدة نوبات من الهوس أو"مانيا".
وهذا ما حصل مع أشهر رسامي العالم فينسنت فان غوخ، الذي بلغ قمة إبداعه الفني وهو نزيل مستشفى "سان بول دي موسول" النفسي في قرية سان ريمي في جنوب فرنسا.
بل حتى الذين أمتعوا العالم بالضحك والفكاهة وسقطوا ضحية للمرض النفسي والاكتئاب مثل نجم هوليوود الشهير «روبن ويليامز» والممثل الكوميدي الإنجليزي «طوني هانكوك» والشاعر المصري صلاح جاهين كانوا أكثر إنتاجًا وإبداعًا في خضم المعاناة والحزن ولم تكن الابتسامة إلا ساترًا لاضطرابات نفسية فاقت تحملهم.

فهل كان إبداعهم تحديًا للمرض أم ناتجًا عنه؟

رسالة انتحار فرجينيا وولف
رسالة انتحار فرجينيا وولف

في الواقع رغم ارتباط أسماء أغلب العظماء بالعلل النفسية إلا أن نتائج الدراسات جاءت متناقضة لصعوبة تحديد وقياس الإبداع و تركيز معظم الدراسات على حالات فردية. أهم الدراسات كانت تلك التي نشرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس عام 2016 و توصلت إلى أن أعراض الفصام مثل الهلوسة والأوهام و تصديق الخرافات كانت أكثر شيوعًا بين المبدعين ويرجع السبب لأن بعض أعراض الفصام ترتبط بالخلايا المحفزة للإبداع في المخ. وهذا ما أكدته *دراسة أخرى نشرتها جامعة كامبريدج الأمريكية عام 2018 أجريت على طلبة في جامعة سويدية تؤكد وجود علاقة بين دراسة المواد الفنية و ظهور الاضطرابات النفسية مشيرة إلى أن طلبة المواد الفنية هم أكثر عرضة للإصابة بالفصام و باضطراب ثنائي القطب وبالاكتئاب أحادي القطب لاحقًا في حياتهم. 

هل يؤدي الإبداع الزائد إلى المرض النفسي ؟

يرى خبراء نفسيون آخرون أن الإبداع وسيلة للهرب من الاضطرابات النفسية وليس مسببًا لها لأن النشاط الإبداعي يجلب سعادة مؤقتة تخفف أوجاع أصحاب الاضطرابات النفسية.
فالاندماج في نشاط إبداعي يؤدي إلى إفراز المادة الكيميائية "دوبامين" أو هرمون السعادة وهي مادة مضادة للاكتئاب وهذا يفسر *نتائج الدراسة التي أجريت في مدينة بازل بسويسرا و نشرتها المكتبة الإلكترونية للمعاهد الصحية الوطنية الأمريكية والتي أشارت إلى أن الانخراط في عمل إبداعي مثل الرسم والموسيقى يقلل من الاكتئاب والعزلة خاصة بين كبار السن المصابين بمرض الخرف.

 كذلك تلعب الكتابة الإبداعية دورًا أساسيًا في تحسين الحالة النفسية وفقًا لدراسة نشرت عام 2018 في مكتبة جامعة كامبريدج وآلت إلى أن الكتابة عن التجارب الأليمة أو العاطفية تؤدي إلى تحسن الصحة النفسية والبدنية. وقد أوصت الدراسة باستخدام الكتابة الإبداعية كعلاج لاضطرابات ما بعد الصدمة. لكن، من جانب آخر، تؤدي الحالة النفسية السيئة إلى إبداع أكبر كما أعلنت مودوبي أكينولا، أستاذ علم النفس في كلية كولومبيا للأعمال، في ورقة بحث بعنوان* "الجانب المظلم للإبداع: المشاعر السلبية تؤدي إلى إبداع فني أكبر".
للتوصل لهذه النتيجة قامت "مودوبي" باختيار عينة عشوائية من الطلبة وطلبت منهم إلقاء خطاب قصير عن وظيفة أحلامهم، جعلت البعض منهم يتعرض لتعليقات إيجابية تثني على الخطاب بينما تعرض الآخرون لتعليقات سلبية تنتقد الخطاب، ثم طلبت من الطلبة جميعهم صنع عمل فني باستخدام الورق الملون والغراء و الألوان فاكتشفت أن الطلبة الذين تعرضوا لتعليقات سلبية جارحة كانوا أكثر إبداعًا من الذين تعرضوا لتعليقات إيجابية.

بغض النظر عن من المذنب ومن الضحية، هناك صلة بين الإبداع والاضطرابات النفسية لا يمكن إنكارها حتى وإن لم تستطع الدراسات حتى الآن الاتفاق على تفسير واحد لهذه العلاقة.
وتبقى القاعدة كما رأى أرسطو "وراء كل عظيم "حبة" جنون"