5 أغسطس 2020

د. حسن مدن يكتب: ثقل الوقت وخفته

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: ثقل الوقت وخفته

هل بتنا، مع ما فرضته جائحة «كورونا» من قواعد، نملك فائضاً من الوقت، بعد أن كنا دائمي الشكوى من ضيقه، معتقدين أنه لا يكفي لإنجاز الكثير مما نرغب في إنجازه؟
واقع الحال يشير إلى أن من أصبح لديهم هذا الفائض من الوقت، أصبحوا يشعرون بثقله، لا بمتعته، ليس لأنه ليس لديهم ما يقومون به من أعمال أو تسالٍ بالضرورة، وإنما لأنهم يفقدون الحافز لأن يقوموا بأي شيء، عدا المهام التي لا فكاك لهم منها، بما فيها أعمال أولئك الذين انتقلوا للعمل من منازلهم بسبب ظروف الجائحة.

قول لمارك ويتمان، الأخصائي النفسي في أحد معاهد النفس والصحة النفسية في ألمانيا، ورد في تقرير نشرته جريدة «الخليج» قبل أسابيع يشير إلى أنه من الصعب «أن نفقد الوعي الفطري بالوقت، لأنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بإحساسنا بذواتنا، وأن إحساسنا بمرور الوقت يؤثر في مشاعرنا وأحاسيسنا، فإذا كنت تستمتع بوقتك ستفقد إحساسك بالوقت وبذاتك، في حين أنك لو كنت في اجتماع ممل ستشعر أن الوقت يمضي متثاقلاً».
كلنا خبرنا في حياتنا، قبل الجائحة وبعدها، هذا التفاوت في الإحساس بالوقت. فهو يمكن أن يمر سريعاً، فلا نكاد نحس به، ونتمنى لو كان بمستطاعنا أن نمسك به، بما يذكرنا بقول السيدة أم كلثوم في إحدى أغانيها الجميلة: «ونقول للشمس تعالي، تعالي بعد سنة»، رغبة في أن يمتد الليل الآسر، فلا يأتي الصباح.

ويمكن للوقت أن يكون ثقيلاً، بطيئاً، خانقاً، فنتمنى لو أنه باستطاعتنا دحرجته بقوة، كما ندحرج صخرة من أعلى جبل نحو الوادي في أسفله، لأن هذا الوقت الثقيل يضغط علينا كما لو كان صخرة ثقيلة على صدورنا ننشد إزاحتها.
ما من حال يقترن فيها بطء مرور الوقت كحال الانتظار. الانتظار الذي يحبس الأنفاس، حين تكون على موعد ينشد إليه الفؤاد انشداد الوتر على القوس، أو حين نكون في حال ترقب شغوف بقدوم عزيز غاب عنا، أو في انتظار رسالة أو اتصال هاتفي يهمنا.
لطبيعة علاقتنا مع الوقت صلة ليس بصحتنا النفسية فقط، وإنما حتى الجسدية. وفهم هذه الصلة ضروري في ظرفنا الراهن الذي فرض قيوداً كثيرة على حرية حركتنا بسبب «كورونا»، فلا نصبح أسرى قواعد الوقت الصارمة التي اعتدناها، أو التقسيم الرتيب الذي كان له قبلها، وأن نجترح أفكاراً تخفف من ضغط ثقل هذا الوقت.

 

مقالات ذات صلة