ذات لقاء مع صديق، هو كاتب وأديب، تعود معرفتي به إلى عهد بعيد، لكننا لم نلتق منذ سنوات عدها هو فقال إنها بلغت سبعة وثلاثين عاماً. وفي اللقاء أهداني مجموعة من كتبه المنشورة، وبينها روايات ومجموعات قصصية وأصناف أخرى من الكتابة.
وأنا ألقي نظرة على أغلفة الكتب لاحظت أن هناك اختلافات، ولو طفيفة، في اسم الكاتب بين كتاب وآخر، وبشيء من الدهشة سألته عن السبب، فقال مبتسماً إن مذيعاً أجرى معه حواراً على إحدى القنوات التلفزيونية سأله: ما هو اسمك بالضبط؟ منطلقاً من الملاحظة إياها التي استوقفتني.
حكى لي الصديق أن الاسم الذي اختاره له والداه عند ولادته هو غير ذاك المسجل في وثائقه الثبوتية، ثم إنه نشر بعض أعماله في الصحف باسم يختلف، ولو بشيء من التحوير، عن ذاك المسجل في هويته أو جواز سفره، وبالتالي فإنه حمل أسماء مختلفة في مراحل عمره، وهو نفسه السبب الذي جعل اسمه على غلاف كتبه يختلف بين كتاب وآخر.
لا أدري أين قرأت، ربما في إحدى روايات أحلام مستغانمي، أن للناس في اليابان اسمين. أحدهما يختاره الوالدان لمولودهما الجديد، ذكراً كان أو أنثى، واسم آخر يختاره هو نفسه عندما يبلغ سن الرشد، ليكون ملائماً لذوقه وفهمه لشخصيته.
عندنا الأمر يختلف. الشاعر جوزيف حرب أشفق في كلمات أغنية السيدة فيروز، على ذوينا الذين اختاروا لنا أسماءنا بعد ولادتنا: «اسامينا شو تعبو أهالينا تلاقوها/ وشو افتكرو فينا»، مع أن الأسماء ليست سوى مجرد كلام: «الأسامي كلام.. شو خص الكلام»، فأسماؤنا هي في لون أعيننا.
روائية من اليابان اسمها يوكو اوغاوا، وفي رواية لها عنوانها: «غرفة مثالية لرجلٍ مريض»، تحدثت عن علاقتنا بأسمائنا. فالرواية تحكي يوميات موظفة في مستشفى عمومية تراقب كل شيء حولها، بما في ذلك المناداة التي كانت تتم للمرضى من خلال مكبرات الصوت.
تفاوتت الأسماء، كما لاحظت الموظفة، بين الجمال والرقة والقسوة والتواضع. أسماء من كل صنف، فخطر على بالها محاولة الاهتداء إلى المرض الذي يوحي به كل منها؛ حيث راحت تمنح كل اسم مرضاً يليق به أو يناسبه، منطلقة مما قد يشي به الاسم الذي يحمله.
يبقى أن جمال الاسم أو رقته، قسوته أو تواضعه أمور خادعة. معيار الرقة أو القسوة شيء آخر، إنه يكمن عميقاً في ثنايا الروح.