03 سبتمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: الحقيقة بالمؤنث

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: الحقيقة بالمؤنث

ثمة من يرى أنه حتى لو اختلفت الثقافات فإن النساء لا يختلفن. النساء هن النساء، حلقة الاتصال بينهن، طبقاً لهذا القول، هي اشتراكهن في كونهن نساء، حتى لو تعددت ثقافاتهن والقارات التي تقع فيها بلدانهن.

رغم ذلك، سيكون ضرباً من التعسف الزعم بأن ذلك «التشابه» بين النساء يمحو الحدود الثقافية والجغرافية ليصبحن مجرد مجموعة من النساء تتبادل أطراف الحديث، ذلك أن خصائص التطور الخاصة بكل مجتمع، وطبيعة الثقافة السائدة فيه تنعكس على أوضاع النساء فيه، وبالنتيجة فإن النساء بمقدار ما يتشابهن فإنهن يختلفن.

الاختلاف آت من اختلاف الظروف الاجتماعية الاقتصادية بين مجتمع وآخر، ومن تأثير البيئة والثقافة والمكان على وعي النساء واهتماماتهن وأدوارهن. جيد أن نقف عند أوجه التشابه، دون أن نغفل أوجه الاختلاف.

ولعل هذا ما عني به كتاب ضم شهادات لخمسة عشر امرأة، من مختلف بلدان العالم وقاراته، ومع أن عنوان الكتاب الذي نقلته إلى العربية نهلة بيضون، هو «عالم النساء»، أي أنه يشير إلى عالم واحد، لكنه في حقيقته يقدم مجموعة عوالم، من خلال تنوع جنسيات وبلدان وثقافات وأعمار المشاركات فيه، وبعضهن من بلدان عربية كفلسطين والسودان، حيث روين قصص جداتهن وأمهاتهن وبناتهن.
بين أمور كثيرة تستوقف القارئ لهذا الكتاب، هو ذلك التناول، في نهايته، لموضوعة «المكان من منظور المرأة»، وعبره نتعرف ليس فقط إلى كيف يقولب المكان المرأة، وإنما أيضاً إلى كيف تغير هي المكان، وهذا التناول مهم في عالم اليوم الذي يعرف هجرات كبيرة للناس، هرباً من الحروب والانقسامات في بلدانهم، أو بحثاً عن فرص عمل أفضل في أماكن أخرى.
يحدث أن تجد ابنة، نشأت في أحضان أمها، وربما جدتها أيضاً، في بلدهن الأم، نفسها، بفعل الهجرة، في مجتمع آخر مختلف جذرياً في ثقافته وعاداته ونظمه، وما يفرضه ذلك من ضرورة التكيف مع المكان الجديد، حيث تتشكل لديها، مع الوقت، «هوية» جديدة هي مزيج من مؤثرات بلد النشأة وبلد الهجرة.
عنونت معدة الكتاب، واسمها إديث سيزو، مقدمته القصيرة بعبارة: «الحقيقة بالمؤنث». وهو عنوان فاتن بالفعل، ليس لأن هناك حقيقة بالمؤنث وأخرى بالمذكر، فالحقيقة، في النهاية واحدة، لكن النساء بطبعهن حكاءات، متدفقات في الحديث، وشغوفات بالتفاصيل، التي يغفلها الرجال عادة، وهذا ما نلمسه في شهادات المشاركات، والذي قد نجد أبلغ تعبير عنه في عبارة: «نقوش على حبة أرز» التي اختارتها مشاركة هندية عنواناً لشهادتها.