13 سبتمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: بماذا نكافئ أنفسنا؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: بماذا نكافئ أنفسنا؟

«كافأت نفسي بهذه الهدية الطفولية»- قالت المرأة وهي تريني تحفة جميلة عبارة عن دائرة زجاجية تدور تلقائياً حول نفسها، مثبتة على منصة أنيقة يمكن القول إنها عاجية اللون، فيما بدا مجسم لبجعتين متقابلتين داخلها، تدوران مع دورانها، فوق سائل يشبه الماء، ومع دورانها يصدر صوت موسيقى جميلة. 

علقت المرأة، وهي تظهر بهجة بما كافأت به نفسها قائلة: «بعض الأشياء تشبهنا بشكلٍ ما». راق لي هذا القول. نعم، نحن في الغالب نختار لأنفسنا من الهدايا ما نحسب أنه يشبهنا، أو يلبي حاجة في أنفسنا، أو يفصح عن ذائقتنا في اقتناء الأشياء. 

بوسعنا التعرف إلى طبيعة الشخص، أو على الأقل على جوانب منها، حين نلاحظ ما يختاره لنفسه من هدايا، بما في ذلك التحف الصغيرة، ومن ناقل القول أيضاً مما يختاره من هدايا لأحبة أو أصدقاء له. في الهدية رسالة ما نود إيصالها لمن نهديها إليه، لا تنحصر في إظهار ما نكنه له من محبة، وإنما أيضاً بما يظهر معرفتنا بشخصه واهتماماته. لم تكتف المرأة بما قالت. 

سألتني: «إذا أردت أن تهدي نفسك شيئاً ما، ماذا تختار؟». آثرت أن أنقل السؤال إليكم، عله يحرض ذواتكم لا على الإجابة عنه فقط، وإنما للتأمل في البواعث التي تحملكم على اختيار ما تهدون أنفسكم به، فنحن نقوم بأمور كثيرة، لكننا لا ننتبه كفاية إلى ما يكمن خلفها من تفاصيل ورغبات، قد لا نعيها مع أنها تحكم سلوكنا. 

قرأت تقريراً لمختصة اسمها أريانا هافنغتون تناقش فيه أموراً تتصل بالسؤال: بماذا، أو كيف نكافئ أنفسنا، لكنها لا تتناول فيه الهدايا بمعناها المباشر، إن كانت تحفاً أو عطوراً أو ملابس، وإنما تتناول «هدايا» من نوع آخر يجب أن نمنحها لأنفسنا كي تكون حياتنا أقل توتراً. 
تنطلق هذه المختصة من سؤال للكاتب ألكسندر سولجينتسين يقول: «إذا كنت ترغب في تغيير العالم، بمن تبدأ، هل تبدأ بنفسك أم بالآخرين؟»، لتبدو ميالة إلى أنه علينا البدء بتغيير أنفسنا، بتحريرها، ما أمكن، مما يثقل عليها. من وجهة نظرها ليس الأمر مستحيلاً، وتضرب مثلاً بامرأة تعرفها مواظبة على القيام بتمرينات للجسم وتنسيقات التنفس، ومع أنها لا تنجو من «جنون التسوق»، لكنها، مع ذلك، تجد متعة في الجلوس بمقهى، لا تلتفت فيه إلى هاتفها، ولكن تقوم بالتقاط أنفاسها واستعادة نشاطها. وبحلول نهاية اليوم، تكون قد قامت بعدة أمور منحتها الكثير من الطاقة الإيجابية.