20 سبتمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: في الثمانين من العمر

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: في الثمانين من العمر

قبل شهور فقط أعدت قراءة نوفيلا «امرأة»، للكاتبة الفرنسية آني إرنو، التي تحكي علاقة امرأة بأمها، متتبعة مراحل هذه العلاقة منذ أن ولدتها، حتى بلغت الأم مرحلة الشيخوخة وفقدان الذاكرة، فوجدت نفسها ولو لبعض الوقت في دار المسنين.

الصفحات التي تناولت شيخوخة الأم هي الأكثر وجعاً في الرواية المذكورة، مع أن محطاتها العمرية السابقة تشدّنا، كما تشدّنا العلاقة المربكة بينها وابنتها. لكن في الشيخوخة نجد أنفسنا إزاء تجربة الإنسان حين يفقد ذاكرته في مراحل عمره المتقدمة، حيث لم تعد الأم تعرف كيف تضع الأطباق والأكواب على المائدة، ولا كيف تطفئ نور الغرفة، وضاعت الأسماء من ذاكرتها، وتفاصيل أخرى كثيرة مؤلمة.
لكن خبرين مختلفين عن سيدتين ألمانيتين مسنتين، في الثمانينات من عمريهما، يريانا أن في الكثير من الحالات تظل للشيخوخة حياة جديرة بالحب، لا تخلو من الطرائف والحكايات الآسرة.

الخبر الأول عن سيدة ثمانينية قصدت موقف السيارات التابع للسوبر ماركت الذي ذهبت إليه للتسوق، كي تركب سيارتها لتعود إلى البيت. لكنها عوضاً عن أن تستقل سيارتها، ركبت سيارة أخرى تشبه سيارتها، فلها نفس العلامة التجارية ونفس اللون، نسي صاحبها مفتاحها في المقعد الأمامي، وبعد انتهائه من التسوق خرج صاحب السيارة، البالغ من العمر 20 عاماً، ليجد سيارته قد اختفت.
وفيما كان البحث جارياً عن السيارة اكتشف ابن السيدة العجوز السيارة الخطأ في مرآب بيت أمه ليخبر بدوره الشرطة التي أشرفت على تبادل السيارتين، حيث استعاد الشاب سيارته، بينما أعيدت سيارة السيدة العجوز إلى مكانها في المرآب.

لكن المغزى الأهم والأجمل نجده في حكاية المرأة الثمانينية الثانية التي اختفت، فجأة، من دار المسنين التي تأويها، وبعد أن انتبه العاملون لغيابها أبلغوا رجال الشرطة، لتبدأ عملية البحث عنها، فلعلّها ضلت الطريق أثناء قيامها بنزهتها التي اعتادت عليها في محيط الدار.
المفاجأة كانت أن السيدة التي اعتبرت لساعات مختفية، ظهرت من جديد في الدار متأخرة بعض الشيء، لتؤكد للعاملين أنها لم تضل الطريق ولم يصبها أي مكروه، بل انتبهت لوجود حفل زفاف قرب دار رعاية المسنين حيث تقيم، فقررت التوجه إلى مكان الحفل دون أن تكون من المدعوين إليه.
وجدت المرأة في «الفرح» الذي تناهت إلى سمعها أصواته، مناسبة لأن تفرح هي الأخرى. الشرطة علقت على ما جرى بالقول: «أرادت المرأة الاحتفال بدل الذهاب إلى النوم».