28 سبتمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: لا تقاوم الكسل ولا تستسلم له

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: لا تقاوم الكسل ولا تستسلم له

أليست الدعوة لعدم مقاومة الكسل حين يزحف على نفوسنا وأجسادنا هي نقيض الدعوة لعدم الاستسلام له؟ أليست الأخيرة هي، ضمناً، دعوة لمقاومة الكسل وعدم الركون إليه، كي لا يستوطن هذه النفوس والأجساد؟ ظاهراً يبدو الأمر كذلك، ولكن إزاء الكسل، بالذات، علينا إقامة التوازن الضروري بين حاجتنا لأن نستمتع به، وعدم السماح له بأن يستمرئ المكوث في دواخلنا، وأن تتحول استراحة الكسل المنشودة والضرورية دائماً إلى إقامة دائمة، فتتوقف المشاريع التي عقدنا العزم على إنجازها، أو نتوقف عن التفكير في مشاريع جديدة في حال شعرنا أننا أنجزنا المعلق منها. يذكر أن الكاتب الألماني الشهير، هيرمان هسه، الحائز جائزة نوبل للآداب، وبعد أن تقدم به العمر، سخر من نفسه لأنه لم يتقن «هواية الكسل» كما قال، بألا يفعل أي شيء ويركن إلى فترات راحة، حيث كان ينفق كل يوم في الإنتاج والكتابة، حتى بلغ المعدل اليومي لعدد الصفحات التي يكتبها خمسين صفحة يومياً في العشرين سنة الأخيرة من حياته. 

لم يكن هسه حين قال ذلك نادماً على ما أنتجه من كتب، وإنما لأنه ظلم نفسه كثيراً، حين لم يستمتع بشيء من فواصل الكسل بين عمل وآخر، بين فترة وأخرى، كأنه، بذلك، يقدم للناس جميعاً نصيحة بألا ينظروا إلى الكسل كما لو كان شراً، طالما هم مطمئنون إلى أن فواصل الكسل هذه لن تصرفهم عن متابعة العمل الذي بين أيديهم، بل إن بعض هذه الفواصل، بما تتيحه من صفاء لأذهاننا وراحة لأجسادنا، قد تيسر لنا، هي الأخرى، التفكير بسلاسة في مشاريع قادمة تأتي إلى أذهاننا من تلقاء نفسها، دونما حاجة لأن نبذل، في سبيل ذلك، جهداً وتفكيراً مبالغ فيهما. 

من الكتب الجميلة التي قرأتها؛ كتاب «أفكار تافهة لرجل كسول» لمؤلفه جيروم. ك. جيروم، ورغم أن الكاتب نصح القارئ في مقدمة الكتاب أن يتناوله ليقرأ فيه نصف ساعة بعد أن ترهقه القراءة الجادة، فإنه ليس فقط كتاباً طريفاً وممتعاً ومسلياً، وإنما يتناول، بعمق وجمال، تفاصيل مهمة في الحياة العادية للبشر بينها الكسل نفسه. يرى جيروم أنه من المستحيل أن تتمتع بالكسل كما يجب دون أن يكون لديك عمل كثير. فلا متعة في ألا تفعل شيئاً إذا لم يكن لديك أصلاً ما تفعله. إن تبديد الوقت عندئذ سيكون مرهقاً ومجرد تأدية واجب، فيما الكسل حسب وصفه «كالقبلة لا يستحب إلا إذا خطف» .