17 نوفمبر 2020

د. حسن مدن يكتب: هل نتحرر من الوقت؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: هل نتحرر من الوقت؟

أذكر أني أتيت في أحد كتبي على ذكر حكاية مواطن أمريكي حكم بالسجن، لأنه أطلق النار على ساعة مثبتة في ساحة عمومية في مدينته، فأتلفها، وحينها قال القاضي الذي أصدر عليه الحكم، ربما من باب السخرية: إن الرجل كان يريد إيقاف الوقت.

خطرت في بالي هذه الحكاية عند مطالعتي لتقرير يتناول موضوع علاقتنا بالوقت، وفي ثناياه وردت إشارة إلى أن جزيرة تابعة للنرويج اسمها سوماروي، لفتت أنظار وسائل الإعلام حين أعلنت أنها ستصبح أول منطقة لا تلتزم بالوقت في العالم، لكن ما من أحد أخذ الأمر على محمل الجد، حيث جرى النظر إليه على أنه «مجرد حيلة ذكية للترويج للسياحة».

أذكر أني زرت ذات صيف مدينة سانت بطرسبورج الروسية في الفترة التي يطلق عليها هناك «الليالي البيضاء»، وهي ظاهرة تعرفها مدن أوروبية أخرى في شمالي أوروبا، حيث يطول النهار ويزيح الليل تدريجياً، حتى تصل إلى ليالٍ لا تغيب عنها الشمس أبداً، وإن غابت فلهنيهات قليلة لا يكاد الناس يلحظوها، فسرعان ما يبدأ النهار التالي.

يمكن القول إن لا ليل في تلك الأيام، وينتابك الشعور بأن حدود الوقت قد زالت، فلم يعد لمرور الساعات المعنى المألوف الذي اعتدناه، فالليل لا يختلف عن النهار، وبالتالي فإن التوالي المعتاد للوقت يتلاشى، أو يكاد، ويترك هذا أثره في الناس، الذين لا يريدون التفريط بـ«شمس الليل»، فيخرجون عن بكرة أبيهم، كما يقال، إلى الشوارع، مبتهجين بما يرون ويعيشون.

لكن علينا ألا نفرط في تصديق ما نرى، فالأمر لا يعدو زمنه ليال معدودة، تعود فيها الأمور إلى قواعدها سالمة، فظلمة الليل لن تستسلم طويلاً لضوء الشمس، وستعيدها إلى حيزها الزمني المعتاد، كأن لسان حالها يقول وهي تخاطب الشمس: ليعد كل منا إلى مجاله، لك النهار ولي الليل.
المسألة على كل حال ليست مسألة ليل ونهار، ولا شمس ولا عتمة.

إحساسنا بالوقت يتفاوت تبعاً للحال النفسية التي نحن عليها، وعلى الصحبة المحيطة بنا. هناك أوقات تمتد وتمتد، وعليها ينطبق قول أم كلثوم: «وفاتت زي الثواني»، لجمال ما ننعم به خلالها من سعادة وحبور، وهناك، على العكس تماماً، أوقات بغيضة نشعر بثقلها يكتم أنفاسنا، ليس لأنها ثقيلة بحد ذاتها، وإنما لأننا مثقلون بأسى أو خيبة، أو محاطون بمن لا يجلب في نفوسنا السعادة التي نتوخاها، فننتظر بفارغ الصبر متى تتبدد تلك الأوقات.