24 مارس 2021

د. باسمة يونس تكتب: سر المقعد والسمكة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: سر المقعد والسمكة

لم يكن سوى مقعد خشبي صغير موجود في وسط ساحة ثكنة عسكرية. ولكن كان يقف بجوار هذا المقعد يومياً جندي يحرسه، ولم يكن أي من الجنود الذين قاموا بحراسته على مر عقود طويلة يعرف لماذا كان عليه الوقوف على مدار الساعة لحراسة ذلك المقعد ومنع أي كان من الجلوس عليه.

لم يكن هناك ما يشير إلى أن هذا المقعد الخشبي البسيط يمكن أن يخفي وراءه حكاية من أي نوع أو أنه يقف ربما على ربوة تخفي كنزاً في تلك الثكنة، ولكن ولأن الأمر كان يصدُر من الضباط الأعلى رتبة وعلى الجنود تنفيذه، لم يتملك هؤلاء الجنود أي شكوك أو ينبري أحدهم ليسأل عن السبب أو يحاول ولو لمرة أن يسأل نفسه لماذا كان عليه وعلى بقية الجنود الذين سبقوه حراسة هذا المقعد الصغير وما هو سره!

وهكذا استمر الأمر على ما هو عليه لسنوات طويلة تجاوزت الثلاثين، إلى أن صدر يوماً الأمر نفسه وكان مطلوباً من أحد الجنود الشباب حراسة المقعد، وللصدفة، كان هذا الجندي فضولياً جداً ومفكراً بكل ما حوله إلى درجة أنه سأل نفسه كثيراً عن السبب الذي يجعله مضطراً للوقوف لساعات طويلة ليحرس مقعداً فارغاً لا يعني له شيئاً ولا يعرف لماذا عليه القيام بذلك بالأصل، وعندما حمل تساؤله وطرحه على من حوله، لم يلق إجابة مفيدة من أي منهم، بل طلبوا منه جميعاً تنفيذ الأمر كما صدر له بدون تساؤل أو تفكير!

لكن الجندي لم يكن مثل من سبقوه، فهو لم يتقبل فكرة التنفيذ بدون معرفة السبب، وهو ما دعاه للذهاب إلى الأرشيف يومياً في فترات فراغه ليقلب في الملفات ويفتش بين الأوامر القديمة الصادرة قبل سنوات، بحثاً عن سبب يجعل من حراسة هذا المقعد تستحق منه كل هذا الجهد والعناء، وبعد وقت طويل وجهد استنزفه في البحث بين الأوراق عثر على الجواب الذي لم يتوقعه أبداً.

كان أحد الضباط قد أمر حارساً قبل واحد وثلاثين عاماً وشهرين وأربعة أيام بالوقوف قرب المقعد وحراسته لأنه كان قد تم دهنه للتو ويخشى أن يفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري قبل أن يجف!

وهذه القصة لم تكن الوحيدة، بل مثلها قصة الفتاة التي أرادت أن تطهو سمكة بعد زواجها واستقلالها في بيت الزوجية، واستعدت للأمر بقطع ذيل السمكة كما كانت ترى والدتها تفعل، لكنها توقفت فجأة أمام ما تفعله متسائلة عن السبب الذي كان يدفع جدتها ووالدتها للقيام بذلك وسارعت لمخابرة والدتها هاتفيا تسألها عن السبب وراء قطع ذيل السمكة قبل قليها في المقلاة، وكانت إجابة الأم بأنها لا تعرف السبب لكنها كانت ترى أمها تفعل ذلك، وعند العودة إلى الجدة بالسؤال نفسه، كان الرد المذهل بأنها لم تكن تملك مقلاة كبيرة تكفي لقلي السمكة بالكامل، فكانت تعمد إلى قطع ذيلها لتتمكن من غمرها بالزيت بالكامل.

ومغزى القصة أن هناك الكثير من البشر الذين لا يتساءلون عن سبب ما يفعلونه، لكنهم يقومون بذلك لأنهم وجدوا أهاليهم يفعلونه من قبل!