أحد علماء النفس يرى أن الرجال في المجتمع المعاصر أكثر عرضة للاضطهاد من النساء، لكن على خلاف النساء، فلا أحد يضطهدهم، بل إنهم من يضطهدون أنفسهم، وباعث هذا العالِم هو نقد الثقافة المجتمعية، الشائعة في مختلف المجتمعات بصرف النظر عن مدى تقدمها، وفحواها أن على الرجال ألا يعبروا عما يحزنهم أو يثير ضيقهم وقلقهم، وأن يظهروا التماسك والقوة والصلابة في مظهرهم وسلوكهم، رغم أن الحياة تظهر أنهم ليسوا بأقل عاطفة أومشاعر أو حنان من المرأة، ولكنهم يفشلون في الإفصاح عنها، على خلاف النساء.
ومؤخراً أفادت دراسة علمية مجردة، لا تبحث في العواطف، وإنما في هبوط الدموع من العينين، صادرة عن الجمعية الألمانية لطب العيون، تفيد بأن الرجال البالغون يبكون في المتوسط العام من 6 إلى 17 مرة في السنة، في حين أن النساء يبكين في المتوسط العام من 30 إلى 64 مرة في السنة، كما تختلف مدة البكاء بين الجنسين، فبينما يترك الرجال الدموع تتدحرج لمدة دقيقتين إلى أربع دقائق، تتركها النساء تتدحرج لمدة ست دقائق.
خارج نطاق هذه الدراسة تشير سجلات المعالجين النفسيين إلى أن غالبية المترددين على عياداتهم هم من النساء اللواتي يظهرن ميلاً أكبر للتعبير عن مشاكلهن ومعاناتهن وما يشعرن به من اضطراب أو قلق. وطبيعي أن معاناة النساء، كقاعدة، هي أكبر، لكن للرجال أيضاً معاناتهم الناجمة عن مسؤولياتهم في الحياة تجاه أسرهم وعملهم وأنفسهم، التي يجدون حرجاً في الإفصاح عنها، حتى للمعالجين النفسيين، رغم الصورة الشائعة عن جرأة الرجل وعن صوته العالي في الحديث أو صرامته في توجيه الأوامر، لكن عند الاقتراب من الأحاسيس الداخلية تكاد تصحّ المقولة المتداولة عن كون الرجال «صناديق مغلقة» لا سبيل لمعرفة ما بداخلها.
ليست كل الدموع صادقة. من هنا أتى التعبير عن «دموع التماسيح» التي رغم غزارتها فإنها لا تنم عن أية مشاعر. وحسب باحثين فإن البشر يستخدمون البكاء أحياناً كنوع من «التلاعب»، ويبدو هذا شيئاً فطرياً نلمسه عند الأطفال الذين يلجأون إلى ما يصفه هؤلاء الباحثون بـ «البكاء التكتيكي» لإثارة انتباه والديهم.
حديثنا هنا عن «البكاء الصادق» الذي يرافق الناس في مرحلة البلوغ وحتى الشيخوخة، وفي نفس التقرير الذي أشار إلى الدراسة الألمانية نجد قولاً لباحث هولندي يرجع فيه أسباب البكاء «إلى الخسارة والصراع والوحدة والهزيمة والعجز والألم»، مع أنه يمكن أن تكون للدموع «محفزات إيجابية» تجعل الشخص البالغ يبكي أيضاً.