25 أبريل 2022

د. حسن مدن يكتب: الناس والعطور

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: الناس والعطور

للمدن كما للأشخاص روائح مختلفة، وما إن تطأ رجلاك مطار مدينة سبق لك معرفتها حتى تستعيد رائحة تلك المدينة التي يبدو أن للمناخ دخلاً في تشكيلها، وغالباً ما يكون للمطبخ الوطني في كل بلد علاقة بالرائحة التي تميز المدينة.

ما أكثر ما توقظ رائحة ما في إحساسنا ذكريات بعيدة أو قريبة، كأن ما تفعله ليس سوى استفزاز أمرٍ ما كامن في نفوسنا، اكتسبناه أو كوّناه من خلال حدث سعيد أو حتى حزين عشناه يوماً. هذا الأمر لا يغيب وإنما يتوارى، وما إن يأتينا الباعث الموقظ له حتى ينهض نشطاً.

رائحة الحديقة أو حتى مجرد الرائحة المنبعثة من شجرةٍ ما، كشجرة الياسمين مثلاً، يمكن أن توقظ في النفس ذكريات عن مدينة عشنا فيها يوماً، كان الياسمين يتدلى من بين شرفات بيوتها، أو أن عطراً نافذ الرائحة نشمّه من أحدهم أو إحداهن يمكن أن يعيدنا إلى ذكرى جميلة بعيدة، فيمر شريط لذكريات عذبة عشناها أياماً وليالٍ.

روائح الحياة تبدو كأنها بصمات الأماكن التي نحب، وحتى تلك التي لا نحب، ولكن في الغالب فإن ذاكرة الرائحة إنما تشير تحديداً إلى تلك الجوانب الأكثر حميمية ودفئاً وألفة في حياة كل واحد منا.

الرائحة وثيقة الصلة بذاكرة المكان، وهي بهذا المعنى وثيقة الصلة بذلك الجانب الذي يطال الحنين الذي ما أكثر ما يطوحنا إلى أحبة وإلى أماكن أو أزمنة فرت أو تفر من بين اليدين في غفلات الزمن التي ولسرعتها لا نكاد نلحظها، شأنها في ذلك شأن كل الأوقات الحلوة التي تركض ركضاً.

ما من شيء يرتبط بالرائحة كرائحة العطور، والانطباع العام هو أن للناس ذائقات مختلفة في اختيار العطر الذي يحبونه، أو يجدونه مناسباً لهم، لكن دراسات حديثة تذهب إلى أن «أنواع الروائح التي يحبها الناس أو يكرهونها تميل إلى أن تكون شائعة بين الأفراد من خلفيات ثقافية مختلفة، ما قد يشير إلى أساس تطوري لما يبدو أنه تفضيلات عالمية للرائحة».

فريق البحث في إحدى هذه الدراسات طلب شم عشرة عطور فريدة وتصنيفها حسب الترتيب، من أفراد من عشر مجموعات ثقافية متميزة، تمثل أنماطاً متنوعة للعيش عبر تايلاند والمكسيك والإكوادور والولايات المتحدة، وتشمل الصحارى والغابات الاستوائية المطيرة ومناخات المرتفعات والمناطق الساحلية وغيرها، فوجد الفريق أن تأثير التقاليد الثقافية يلعب فقط دوراً صغيراً في تفضيل الناس للرائحة، مع تصنيفات تكافؤ الروائح التي ترتبط بقوة وإيجابية عبر جميع الثقافات التي تم قياسها، مما أوصله إلى استنتاج بأن إدراك الروائح يبدو عالميا إلى حدٍ ما.