يجب أن يكون النص المكتوب جيداً قادراً على «التقاط خيالك» ومساعدتك على تصور ما سيختبره الجمهور إن كانوا قراء أو ما سيشاهدونه على الشاشة. عبارة يسمعها كل من يرغب في تعلم كتابة الأعمال الأدبية والفنية القادرة على استدراج فضول القراء والاستحواذ على اهتمامهم من أول سطر فيها.
وهذا تماما ما فعلته «شهرزاد» مع المستمع الوحيد الذي كانت تشحذ لأجله خيالها، والقلب الوحيد الذي تريد استمالته ليتركها على قيد الحياة. ونجحت «شهرزاد» في تحقيق المعجزة التي لا تزال تستعديها قصصها الألف وواحد وأن تصبح محل اهتمام العالم ونقطة انطلاق عشرات القصص والروايات، ومفتاح سر فوز جميع من ألهمتهم حكاياتها ومهدت لهم سبيلاً لشهرة والوصول إلى العالمية.
من كان يصدق أن تحتل (ألف ليلة وليلة)، من القصص المسرودة على لسان امرأة خائفة تطمح للبقاء على قيد الحياة ولا تفكر بغير ذلك، مكانة عظيمة في تاريخ العالم، فلم يتفوق الكتاب بمحتواه المثير من القصص والمغامرات والشخصيات فقط، بل بكونه حبل الإنقاذ الذي تعلقت به «شهرزاد» ابنة الوزير وخلّصت به عنقها من الموت، وطبعت بكل قصة روتها طوال ما يزيد على الثلاث سنوات وبضعة أشهر اسمها فوق جدار تاريخ حافل بالألغاز والغموض.
كتاب ألف ليلة وليلة
ومن ألف ليلة وليلة، سهرتها «شهرزاد» حتى الصباح إلى جوار رجل غاضب وحاكتها بخيالها الواسع، نجت بنفسها من قدر محتوم أقحمها فيه أباها المكره، وتبين للعالم حسن إدراكها وحذاقتها بعد أن وافقت على إنقاذ أبيها لتتزوج من رجل مغدور ومطعون وهي تعلم بأنها ذاهبة لموت محتوم في صباح اليوم التالي من الزواج كغيرها من العذارى اللواتي أعدمهن «شهريار» انتقاماً لرجولته المهدورة تحت قدمي خيانة زوجة.
ولأن «شهريار» لم يعد يثق بالنساء واتخذ قراراً أنانياً بقتلهن جميعاً واعتبارهن خائنات ومستحقات للموت بلا رحمة أو شفقة، أرسل القدر إليه امرأة عادية، لم تخض بطولات ولا مغامرات، حاربت الشر المسيطر عليه بسلاح الكلمة وأعادت قلبه المخلوع إلى أرض الإنسانية وجردته من سيفه ليصبح أكثر تسامحاً وهدوءاً، بعد أن أجبرته على تعلم الصبر في انتظار معرفة تتمة الحكاية، وكانت تدرك بأنها لن تصل بقصصها إلى نهاية لتبقي فضوله متقداً وخياله متوهجاً بمحاولة تخمين ما سيحدث ولا أحد غيرها ليحقق له شغفه بمعرفة نهاية كل قصة لا تتوقف عند حد.
واختلف البعض حول هذا الكتاب، الذي ترجم إلى عدة لغات أو إلى أهم لغات العالم كافة، وطبع مئات المرات إن لم يكن آلاف المرات، وتجول طويلاً ولم تتوقف رحلته إلى الآن، ليس فقط في أرجاء العالم بل في العقول والقلوب، يستحث فضول القراء ويجتذب إلهام الأدباء، ويخوض بقصصه الفريدة نصوصهم ويقتحم مخيلاتهم، فهو ليس مجرد كتاب غير عادي، وقصصه ليست قصصاً غير مألوفة بل قد ذكرت فيها أسماء شخصيات حقيقية وملوك من التاريخ ومدن من أرض الواقع، كالخليفة العباسي هارون الرشيد ووزيره جعفر البرمكي والشاعر الشهير أبو نواس، واختلطت بالغرائب وعجائب المواقف والأهوال، حتى ليظن البعض بأنها لم تكن محض خيال، إنما نقلت أساطير كانت حية في ماض من الزمان.