جولة في ربوع تونس الخضراء.. شواطئ خلابة وآثار رومانية ومدن قديمة ملونة
لماذا تشتهر تونس بجذبها السياح من كل مكان في العالم؟
من يزرها سيعرف حتماً الإجابة، فالمنتجعات السياحية هناك تخلق لكل زائر تجربة فريدة من نوعها، والتجول في مدنها وشوارعها متعة حقيقية وثقافة تنهل معلوماتها من عمق التاريخ.
وأقرب مثال على ذلك «الحمامات» التي تطل على مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة وتتميز بشواطئها الرملية الناعمة، أما الفنادق فتوفر للعائلة الكثير من الترفيه داخل وخارج المياه، بحيث يتمنى المرء ألا يخرج منها أبداً.. ولكنه بالطبع لا يريد أن يفوت سحر مدن تونس العريقة.
تتمتع تونس بأراضيها الخصبة وكثبانها الرملية الصحراوية، بتاريخ طويل يمتد لنحو 3000 عام، وخلال ذلك الوقت، شهدت البلاد صعود وسقوط إمبراطوريات تاركة وراءها مزيجًا لا يُصدق من الحضارات والثقافات؛ لذلك سيشاهد السائح دراما الآثار البيزنطية والرومانية في دقة، وفي مدينة كركوان البونيقية، والتصميمات المعمارية الأندلسية الرائعة في زغوان ومدينة سيدي بوسعيد، التي عند زيارتها ستتخيل أنك في سانتوريني.
تونس العاصمة
الشارع الرئيسي في العاصمة تونس هو شارع فرنسا الذي يبدو رائعًا بأروقته المصممة على غرار تلك الموجودة في شارع ريفولي في باريس.
يلتقي الشارع بشارع الحبيب بورقيبة، الذي سمي على اسم بورقيبة، الذي يمتد لمسافة طويلة ويتميز بكثرة بائعي الزهور، في حين أن الممشى المركزي، مع موسيقييه وبائعيه في الشوارع، يحمل لمحات وسمات كثيرة من شارع الشانزليزيه الباريسي.
هذا هو المكان الذي يقف فيه المسرح الوطني التاريخي في المدينة مرتديًا بفخر الهندسة المعمارية الحديثة، وفي النهاية يوجد قوس يعلن بداية المدينة القديمة، وهي متاهة مترامية الأطراف من الشوارع الصغيرة والأزقة المليئة بتجارة حيوية لكل شيء..
حيث ستستمتع بالجلوس في المقاهي لشرب الشاي بالنعناع أو القهوة المعطرة والمغمسة بالبرتقال، وحيث تتوجه النساء نحو صالون أنيق لتجديد حيويتها وإطلالتها.
أحد الأشياء التي خلّفها الرومان في تونس هي الفسيفساء، ويمكنك رؤيتها في أماكن مختلفة، ولكن للحصول على أفضل مجموعة في العالم منها، عليك بالتوجه إلى متحف باردو.
كان هذا المجمع الضخم القصر السابق للبايات (حكام الإمبراطورية العثمانية) ويحتوي على أمثلة لا حصر لها من أعمال أشهر فناني الفسيفساء في ذلك الوقت، والتي تعرض مشاهد يومية وأسطورية لتلك الحقب..
بإمكانك هناك إلقاء نظرة مطولة ورائعة على النسخة الوحيدة من فسيفساء الشاعر فيرجيل، وواحدة من يوليسيس يواجه حوريات البحر، والألواح الحجرية والخزف اللامع والقسم المخصص لتحف ما قبل التاريخ (40000 قبل الميلاد)، وغيرها الكثير.
قرطاج
على بعد عشرين دقيقة بالسيارة من تونس، تقع قرطاج، التي كانت ذات يوم إمبراطورية فينيقية قوية على البحر الأبيض المتوسط، حتى وصل الرومان خلال الحرب البونيقية الثالثة في عام 146 قبل الميلاد وسووها بالأرض، إنه موقع تراث عالمي لليونسكو يقدم ميناءً بونيقيًا ومتحف قرطاج المصمم على الطراز البيزنطي.
على الواجهة البحرية توجد أنقاض موقع حمامات أنطونيوس الحرارية المذهلة، والتي تحتوي على ما يذهل السائح ويجعله يتصور مدى روعة هذا المجمع، وقد أعيد بناء بعض الأعمدة لإظهار مدى ارتفاع الأسقف بشكل لا يصدق.
هناك كالداريوم مثمن الشكل (غرفة ساخنة) فيها ساونا أصغر على كلا الجانبين، تؤدي إلى غرفة دافئة صغيرة، وتسمح بالوصول إلى غرفة باردة ضخمة بحجم (22×42) مترًا، في المركز مع أعمدتها الثمانية الضخمة، وسيزداد العجب عندما تعرف أن نظامًا مشابهًا يظهر في المنتجعات الصحية الراقية اليوم.
نابل
نابل هي مدينة ساحلية جميلة في شمال شرق تونس على الساحل الجنوبي لشبه جزيرة كيب بون، تظهر جهود العناية بالمدينة جيدًا، مع الدوارات التي تعرض الفخار محلي الصنع، وهو ما تشتهر به المدينة. ستجد الكثير من ذلك في المدينة القديمة إلى جانب المتاجر والأكشاك التي تبيع الحُلي، والنساجين الذين يبيعون سلالهم وحقائبهم.
كما تضم المدينة متحفًا رائعًا للآثار يضم قطعًا أثرية من العصرين البونيقي والروماني في شبه جزيرة الرأس الطيب.
الآثار الرومانية في دقة
توجد آثار حول تونس، مثل قرطاج، ولكن إذا أردت رؤية الأفضل، فما عليك فعله هو التوجه إلى دقة الرومانية الواقعة على قمة تلة محفوظة بشكل جيد لدرجة أن اليونسكو وصفتها بأنها «أفضل مدينة رومانية صغيرة محفوظة في شمال إفريقيا»، تمتد الآثار هناك على مساحة 65 هكتارًا (160 فدانًا) وتحيط بها أرض خصبة وأشجار زيتون.
كانت هناك حياة قبل أن يضم الرومان المملكة النوميدية إلى روما، كانت تسمى ثوغا آنذاك، ويمكنك أن تلاحظ النقوش اللوبية والبونية التي تشير إلى مدينة يحكمها كبار الشخصيات.
في عام 46 قبل الميلاد أصبحت المقاطعة الرومانية الثانية في إفريقيا، قام الرومان الماكرون بتعيين سكان من الذكور فقط لتشجيع الزيجات المختلطة لدمج المجتمعين.
المسرح الضخم الذي يتسع لـ3500 مقعد، ومعبد بعل حنون، والمسارات التي تمر عبر السوق، والحمامات، والمعابد والمنازل، كلها مثيرة للإعجاب، ستحتاج إلى ساعات كي تثري خيالك وتمتع ناظريك بما تشاهده هناك.
لحسن الحظ، في أسفل التل يوجد دار الجدود في شارع ياقوت الحموي، وهي مزرعة ومكان إقامة يقدم مطعمها غداءً تونسيًا نموذجيًا، إذا كان الجو مشمسًا يمكنك تناول الطعام في الهواء الطلق في حديقتهم والاستمتاع بالمناظر المطلة على الأطلال المرتفعة أثناء تناول خبز الطابون ومجموعة من السلطات أو حساء لحم الضأن المطبوخ في الفخار أو الاسكالوب أو لحم الضأن مع الكسكس.
زغوان
تمتد مدينة زغوان القديمة على سفح سلسلة جبال وخاصة على المنحدر الشمالي لجبل زغوان، أطلق عليها الرومان اسم زغوان واستغلوا مياهها المعدنية الطبيعية بشكل كامل، كما أن الأرض خصبة وينمو فيها العنب وأشجار الزيتون والخضروات جيدًا.
تم بناء «معبد المياه» على بعد كيلومترين جنوب غرب مدينة زغوان القديمة، من قبل الإمبراطور الروماني هادريان في القرن الثاني الميلادي..
وقد استغرق بناؤه 30 عامًا، حيث كان من الممكن جمع المياه وتخزينها لتزويد مدينة قرطاج، ويمتد البناء الروماني المهيب فوق وتحت الأرض ليكشف كيف استخرج الرومان المياه ونقلوها إلى قرطاج عبر 139 كيلومترًا من القنوات المائية.
تتمتع المدينة بحي قديم ساحر وبشوارع ضيقة تتخللها العمارة الأندلسية التي جلبها المغاربة في القرن السابع عشر، إنه مكان جميل للتجول وزيارة المتاجر الصغيرة والمخابز التي تبيع كعكة الورقة - كعكة صغيرة مستديرة مصنوعة من عجينة اللوز وماء الورد.
عندما ستكون هناك ستسمع نصيحة شهيرة وهي: عليك أن تتذوق أشهى وألذ وجبة غداء في مزرعة دار زغوان، عند سفح جبل زغوان، التي تعتبر نموذجاً للسياحة البيئية ومكاناً للاحتفال والمرح وحتى المبيت..
حيث تحتوي المزرعة على 20 غرفة ضيوف وحماماً تقليدياً وبركتين من المياه المعدنية ومطعماً، يتم إنتاج الطعام في المزرعة من قطوف حديقتها النباتية وأشجار الزيتون، وما يجود به الدجاج والأبقار والماعز، ويصاحب تناول الغداء عزف كمان، وتتولى فرقة عزف موسيقى محلية.
الأراضي واسعة هناك، بحيث بإمكانك التخلص من السعرات الحرارية عن طريق زيارة متاجر الحرف اليدوية ومزارع النعام وركوب الخيول.. وغيرها.
سيدي بو سعيد
تقع سيدي بو سعيد على شبه جزيرة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، على بعد 20 كم من وسط تونس، تشتهر المدينة عالمياً باللونين الأزرق والأبيض اللذين يطغيان على جميع مبانيها تقريباً، والمباني ذات القباب، وهذا ما يجعلها تشبه سانتوريني، عندما تكون هناك ستشعر أنك في عالم آخر، وقد تكون أجمل مدينة في تونس.
روعة أخرى متجسدة في شوارعها المرصوفة بالحصى والأزقة التي تكشف عن أبواب زرقاء ساحرة وزوايا زهرية جميلة وإطلالات مذهلة على خليج تونس، هناك جداريات وأزقة زهرية ومشاهد مذهلة، تجعلها مكاناً مثالياً لالتقاط أجمل صور الذكريات واللقطات التي لا تنسى..
هناك الكثير من المطاعم ولكن توقف عند كشك لتجربة بمبلوني، وهو المفضل محليًا، يشبه الكعكة الكبيرة، أما عن الطعام، فلن تحارَ لأن هناك الكثير منها، وقوائم الخيارات متنوعة.
سوسة
سوسة مدينة نابضة بالحياة حيث يلتقي الماضي بالحاضر، يمكنك استكشاف قرون من التاريخ والاستمتاع بالحياة على الشاطئ وإنهاء يومك بعيش الحياة الليلية الصاخبة، حيث تتمتع المدينة بأجواء شبابية ومفعمة بالنشاط.
تأسست المدينة منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد، ويمكنك استكشاف تاريخ المدينة في متحف سوسة الأثري، بما في ذلك القطع الأثرية من روما القديمة إلى الوقت الحاضر، أو التجول عبر سراديب المقابر «دواميس سوسة» والتي استخدمت كمقبرة للاجئين المسيحيين في القرنين الرابع والخامس الميلادي.
ومع الرمال الناعمة والمياه الزرقاء الفيروزية للبحر الأبيض المتوسط، فإن تجربة الاستلقاء على الشاطئ في سوسة مثالية تقريبًا، بما في ذلك التنزه على طول الواجهة البحرية الجميلة وركوب القوارب والاستمتاع بالرياضات المائية.
تم تصنيف المدينة القديمة، أو مركز المدينة المسور التقليدي في سوسة، كموقع للتراث العالمي لليونسكو، ويعود تاريخها إلى حوالي 800 بعد الميلاد وهي مثال رائع للهندسة المعمارية الإسلامية المبكرة، مع القصبة والمسجد الأعظم والعديد من المعالم الأخرى على طول شوارعها المتعرجة.
وسواء اخترت السوق الرئيسي أو السوق التقليدي، أو مركز سولا خارجها مباشرةً، فستجد كنوزاً من البضائع والمنتجات التي يبحث عنها كل زائر وسائح، بما في ذلك السلع النسيجية المنتجة محليًا والأحذية الجلدية.