على أرض دبي، حيث يتحول المستحيل إلى واقع، ولدت مبادرة «حلول دبي للمستقبل - ابتكارات للبشرية»، التي حملت على عاتقها مسؤولية رسم ملامح المستقبل، فلم تكن مجرد حلم، بل كانت ثمرة جهود متواصلة امتدت على مدار عقد من الزمن. فمنذ انطلاقتها الأولى، وهي تبذل قصارى جهدها لتسخير العقول المبدعة والابتكارات الرائدة في خدمة الإنسانية.
أكثر من 800 جامعة عالمية، آلاف العقول المبدعة، ومئات المشاريع المبتكرة، حصيلة عشر سنوات من العطاء المتواصل لمبادرة «حلول دبي للمستقبل - ابتكارات للبشرية»، الأمر الذي يعكس مدى التأثير الذي حققته هذه المبادرة في عالمٍ يعج بالتحديات. فمن خلال ربط العلم بالعمل، والابتكار بالواقع، تمكنت المبادرة من تحقيق إنجازاتٍ غير مسبوقة، تم استعراضها في أبراج الإمارات بدبي، مؤخراً، حيث التقينا أصحاب الابتكارات التي تهدف لإنقاذ البشرية.
إعادة تدوير الأغلفة المعقمة
فمن جهته قدم الطالب فواز شفيق محمد، والبروفيسور ياسين حاجيات، من جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية، مشروع تحدي إعادة تدوير الأغلفة المعقمة التي تشكل 20% من النفايات الطبية العالمية، وأوضحا أن عملية إعادة تدويرها صعبة ومعقدة. يقوم المشروع باستخدام الإنزيمات المستخلصة من الفطريات لتفكيك أغلفة البولي بروبلين المعقمة إلى مونومراتها الأصلية. هذه العملية الفريدة تتيح إعادة استخدام المواد في إنتاج أغلفة جديدة مع الحفاظ الكامل على السلامة والفاعلية، ويقول فواز إن «هذه العملية المبتكرة تعمل على تقليل النفايات البلاستيكية وتقليل انبعاثات الكربون، ما يدعم أهداف الاستدامة العالمية من خلال إنشاء نظام إعادة تدوير مغلق الحلقة للقطاع الطبي».
تقليل الهدر في قطاع البناء
أشار الطالب جاد بواب، والبرفيسور هلال الحسن، من جامعة الإمارات العربية المتحدة، إلى أن قطاع المعمار من أسوأ القطاعات في هدر الموارد الطبيعية، وإنتاج ثاني أكسيد الكربون، وأشار جاد: «حاولنا تقليل السلبيات التي تواجه قطاع البناء، فقمنا بإنشاء مشروع خرسانة ممتصة لثاني أكسيد الكربون يمثل ابتكاراً في مجال البناء المستدام؛ حيث يتم تصنيع كتل خرسانية منخفضة الكربون باستخدام مواد معاد تدويرها مثل بقايا كربيد الكالسيوم والحصى المستخلصة من الخرسانة المعاد تدويرها، وهي نفايات متوفرة بكثرة في الإمارات. تعتمد هذه الخرسانة على تقنية المعالجة بالكربون المتسارع لعزل ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم، ما يسهم في تقليص البصمة الكربونية بنسبة تصل إلى 40% ويعزز تخزين 500 جرام من ثاني أكسيد الكربون في حجر الطابوق. إضافة إلى ذلك، توفر هذه العملية 83% من الموارد الطبيعية وتخفض كلف الإنتاج بنسبة 20%، ما يجعلها حلاً اقتصادياً وبيئياً فعالاً».
تحويل النفايات الزراعية إلى مواد خام
من جهتهما، قدم الطالب محمد عبد الظاهر، والبرفيسور أحمد فايز، من مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا والابتكار بمصر، حلاً يسهم في التخفيف من التأثير البيئي للنفايات، ويوفر بدائل اقتصادية وصديقة للبيئة للمواد الخام التقليدية، من خلال مشروع «بي فيتا»، «المشروع حل مبتكر للتحديات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث يواجه ارتفاع كلف المواد الخام والنفايات البيئية. ويركز المشروع على إنتاج مكونات طبيعية لصناعات مستحضرات التجميل والأغذية، مستفيداً من أحدث التقنيات مثل التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. يقوم «بي فيتا» بإعادة تدوير النفايات الزراعية، بما في ذلك المنتجات الثانوية للنخيل، وتحويلها إلى مواد خام عالية القيمة، مثل بيتا كاروتين والجلسرين وحمض الستريك».
تحويل النفايات لمستحضرات عناية بالبشرة
كما شرحت البروفيسورة جويل نادر مشروعها، مع الطالبة كريستينا صليبا من الجامعة اللبنانية الأمريكية، والذي يقلل النفايات الناجمة عن عملية التخمير، وقالت: «نفايات الخميرة تحتوي على مركبات قيمة، ومن أبرز التحديات التي تواجهنا قلة وعي الناس وعدم اقتناعهم باستخدام مستحضرات عناية بالبشرة مصنوعة من النفايات، أو من بقايا عملية التخمير التي تتم باستخدام فاكهة العنب. ومن خلال المشروع نستخدم تقنية مبتكرة تُعرف بـ«التخلص الفوري من النفايات»، والتي تستفيد من تقنية قطرات الضغط المتحكم فيها لمعالجة هذه النفايات بفاعلية وكفاءة، وتسهم تقنية «التخلص الفوري من النفايات» في تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 20% مقارنة بالأساليب التقليدية، مع تعزيز استخراج المركبات النشطة بيولوجياً. من خلال دمج هذه التقنية مع ممارسات التصنيع المبسطة، يسعى المشروع إلى تحويل المنتجات الثانوية لعملية التخمير إلى مكونات صيدلانية عالية الجودة، ما يسهم في معالجة التحديات البيئية والاقتصادية بشكل فعال».
تعزيز التكنولوجيا في قطاع الصحة
الطالبة ندى النجار، والبروفيسورة إيمان ساويرس، من جامعة حلوان في مصر، قدمتا مشروعاً بحثياً يستعرض أهمية تعزيز استخدام الإنترنت في عملية تشخيص الأمراض. فمن جهتها شرحت ندى فكرة مشروع «جلوموفايندر» أو GlomoFinder باعتباره «ثورة في تحليل خزعات الكلى، من خلال استخدام أداة متقدمة عبر الإنترنت تعتمد على تقنية الرؤية الحاسوبية، ما يُسرع من عملية التشخيص ويحسن دقتها بشكل ملحوظ. تقوم هذه الأداة بتحليل العينات الرقمية للخزعات وتوليد تقارير شاملة لحالات الكبيبات، تتضمن التحديد الكمي والتصنيف، وذلك في وقت قياسي يُراوح بين 0.5 ودقيقة واحدة فقط. وأكدت ندى أن المشروع مطبق في الغرب، ولكن في المنطقة العربية ما زالت الثقة معدومة بالكمبيوتر كوسيلة آمنة في عملية تشخيص الأمراض، على الرغم من ثبوت قدرته على تقليل وقت المعالجة، وزيادة من دقة النتائج مقارنة بالأساليب التقليدية. كما يدعم النظام معالجة كميات كبيرة من بيانات الصور، ما يجعله مثالياً للتحليل عالي الإنتاجية».