03 فبراير 2025

واحة أبو غصون المصرية.. عناق البحر والصحراء والتراث

محرر متعاون - مكتب القاهرة

مجلة كل الأسرة

جاء اختيار قرية أبو غصون المصرية، من قِبل منظمة الأمم المتحدة للسياحة، ضمن قائمة أفضل خمسين قرية حول العالم في ملف السياحة الريفية، ليعيد الاعتبار للسياحة البيئية في مصر، بعد عقود اعتمدت خلالها على السياحة الشاطئية في مواسم الاصطياف.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وتُعد قرية أبو غصون واحدة من بين خمس قرى صغيرة تتناثر حول محمية وادي الجمال على تخوم محافظة البحر الأحمر، وتسكنها قبائل العبابدة التي تنتشر في تلك المنطقة، حتى الحدود السودانية. وتجذب القرية الصغيرة، بطبيعتها الخلابة التي تجمع بين سحر الصحراء وجمال شواطئها البكر، وتقاليدها التراثية، آلافاً من عشاق الطبيعة، وهواة التخييم من مختلف دول العالم، بما تقدمه من تجربة شديدة الثراء والمتعة في آن.

مجلة كل الأسرة

تصنف قرية أبو غصون بأنها ثاني أكبر قرية داخل محمية وادي الجمال، رغم أن تاريخ إنشاء هذه القرية يُعد حديثاً نسبياً، إذ تأسست قبل نحو نصف قرن حول المنطقة التي كانت تعمل فيها إحدى كبريات شركات التعدين في مصر، لتتناثر بيوت سكانها، وهم خليط من العاملين في هذه الشركة، وأبناء قبيلة العبابدة الذين يستوطنون تلك المنطقة منذ زمن بعيد، بعرض الطريق السريع الساحلي للبحر الأحمر. وربما يفسر ذلك تعداد القرية الصغير الذي لا يتجاوز الـ150 أسرة، تشكل العدد التقريبي للسكان البالغ نحو 750 نسمة فقط، وتمثل المجتمع الصغير الذي ينتمى لقبيلة العبابدة، التي تعد أكبر وأقدم القبائل في المنطقة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يعمل أغلب سكان قرية أبو غصون في الرعي، إلى جانب صيد الأسماك، فضلاً عن جزء صغير من الأهالي فضّل العمل في قطاع المناجم، قبل أن يغيّروا سريعاً من نشاطهم، ليحترفوا العمل في السياحة، بعدما تفتحت أعينهم على ما تتمتع به المنطقة المحيطة بالقرية من وسائل جذب سياحي كبير، يتنوّع بين السياحة الشاطئية، والأخرى الصحراوية والبيئية.

مجلة كل الأسرة

تُعد قرية أبو غصون، كما يقول مبارك جميعة، سكرتير الوحدة المحلية للقرية، جزءاً من مدينة مرسى علم القريبة، لكنها تتميز بهدوئها، وطبيعتها الخلابة التي تجمع بين جمال البحر وسحر الصحراء. كما تتميز القرية بحفاظها على التقاليد العتيقة لقبيلة العبابدة، التي تستوطن المنطقة منذ قرون، وتحترف الرعي بين الوديان والجبال الممتدة في المنطقة، إضافة إلى العمل في صيد الأسماك، ما يجعلها قِبلة لعشاق الطبيعة، والتخييم في الصحراء، نظراً لما تتميز به من موقع جغرافي فريد، حيث تقع على مقربة بضع كيلومترات من محمية وادي الجمال، المحمية الطبيعية الأشهر في البحر الأحمر، فضلاً عن أنها تُعد البوابة الرئيسية للوصول إلى منطقتي رأس حنكوراب، والقلعان، على ما تحظيان به من شهرة سياحية دولية.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تشرق الشمس كل صباح على عشرات من الخيام المتناثرة على شاطئ البحر، والأكواخ البسيطة التي تعكس طبيعة الحياة في القرية، فتحولها إلى ما يشبه لوحة رسمتها أنامل فنان مبدع، ويستقبل الزائر للمنطقة يومه كل صباح بوجبة الإفطار التقليدية التي يحرص عليها أبناء قبيلة العبابدة، والتي تتمثل في قهوة الجبنة، التي يتم طهيها بالطريقة التقليدية لأبناء تلك المنطقة، وهي خليط من البن المحمّص والزنجبيل، يتم طهيه في أوان خاصة على الفحم، وهي عادة صباحية تحرص عليها بيوت القرية المتناثرة بمحاذاة الشاطئ، قبل أن يشرع الجميع، بعد تناول الإفطار، في التوجه إلى الشواطئ القريبة، لممارسة رياضة الغوص، أو الخروج إلى الصحراء في رحلات استكشافية لا تخلو من إثارة، ومغامرة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تتميّز بيوت قرية أبوغصون، حتى التي خصصت لاستقبال وفود السائحين، بملامح تراثية لا تخطئها عين، وهي تُعد السمة المميزة للبيت العبادي، الذي يحرص على الحفاظ على تراثه القبلي، سواء في ما يتعلق بالمأكل، أو الملبس، إلى جانب الالتزام بالأدوات المنزلية البسيطة التي تراوح ما بين الأواني الفخارية التي تستخدم في الطهي منذ مئات السنين، وعدّة قهوة الجبنة، التي تمثل المشروب الرئيسي في المنطقة. وقلما  يوجد بيت في أبو غصون يخلو من وجود الحربة، أو السيف، كأداة للدفاع عن النفس، وهما الأداتان اللتان كان يحملهما البدوي من أبناء العبابدة خلال جولاته للرعي في الصحراء.

مجلة كل الأسرة

يحرص أبناء قرية أبو غصون على ارتداء اللباس العبادي التقليدي، وهو عبارة عن الجلباب والصديري، وهو لباس لا يمكن التفريط فيه، وكذلك الحال مع أزياء النساء التي يطلق عليها القرقاب، وهي عبارة عن وشاح كبير تتلفع به المرأة، وينتشر بين نساء القبائل التي تقيم في تلك المنطقة الواقعة على الحدود المصرية السودانية. لكن ذلك لا يمنع نساء العبابدة من معاونة الرجال في استضافة النزلاء الذين يقبلون على القرية لقضاء بضعة أيام، وسط تلك الأجواء الخاصة، والاستمتاع بطبيعتها الساحرة، والقيام بالعديد من رحلات السفاري في امتداد الصحراء الرهيف الذي ينتهي إلى وادي سكيت، الذي يوصف باعتباره أحد أجمل الوديان الطبيعية التي تشكلت على مر العصور، في صحراء عيذاب الواقعة جنوب مصر، وتحديداً في ناحية الغرب من محمية وادى الجمال الشهيرة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تجمع الصحراء المتاخمة لقرية أبو غصون بين سحر الصحراء، وعراقة التاريخ، إذ كانت تلك الصحارى تضم في العصور السحيقة العديد من المناجم، التي كان الفراعنة القدماء يستخرجون منها الأحجار النفيسة، وعلى رأسها حجر الزمرّد الكريم، الذي يتمتع بتكوينه النادر، ويتجلى ذلك في العديد من الآثار التي لا تزال باقية في المنطقة، مثل أطلال «معبد الإله حورس»، وبعض الآثار الرومانية التي تشير إلى استخدام الرومان في ذلك الزمان السحيق للوادي في استخراج حجر الزمرّد، وهو ما يمكن أن يلاحظه الزائر في أطلال «معبد سكيت»، أو سيرابيس الروماني، الذي خصص لعبادة «الإله الروماني الجديد» الذي استحدث من الأسطورة المصرية القديمة إيزيس وأوزيس.

مجلة كل الأسرة

ينظر كثير من الخبراء في مجال السياحة إلى السياحة البيئية في مصر باعتبارها كنزاً مفقوداً، تحتاج إلى مزيد من الجهود لوضعها على خريطة السياحة العالمية. ويقول هؤلاء إن مصر تمتلك ثروة طبيعية هائلة، تتمثل في محمياتها الطبيعية المتنوعة، والتي تشكل فرصة كبيرة لتعزيز دور السياحة، وتنويع مصادر الدخل القومي، حيث تضم أكثر من 30 محمية طبيعية، تتميّز بتنوع بيئي فريد، يشمل الجبال، والصحارى، والشواطئ، والواحات. وقد لعب جمال الطبيعة في مصر دوراً كبيراً في ارتفاع عدد السائحين الذين يقبلون على هذا النوع من السياحة البيئية، إلى نحو 1.1 مليون سائح، قاموا بزيارة العديد من المحميات الطبيعية بين عامي 2018 و2021، وهو رقم، بحسب ما يقول الخبراء، أكبر بأكثر من خمسة أضعاف ما توقعته وزارة البيئة المصرية.

اقرأ أيضاً: اكتشفوا أكثر 7 قرى جمالاً على مستوى العالم

* تصوير- أحمد شاكر