06 فبراير 2025

محميّة وادي الوريعة... «الواحة السريّة» بين جبال الحجر في الفجيرة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

واحة سريّة، وأول منطقة جبلية محميّة في دولة الإمارات، تكتشف فيها نبض الطبيعة، وتعانق آفاقاً من السكينة والهدوء، وتعيدك إلى جذورك الأولى، وتتسلّل معها إلى أعماق الروح.

في قلب إمارة الفجيرة، تقع محميّة وادي الوريعة الوطنية، تلك الواحة المخفية، كما يطلق عليها، حيث تشكّل مساحة فاصلة للإنسان عن صخب الحياة المدنية.

إلا أنّ تلك الواحة الواقعة عند سلسلة جبال الحجر، غير مفتوحة للجمهور، لتشكّل زيارتها فرصة استثنائية نظّمتها جمعية الإمارات للطبيعة، بالتعاون مع هيئة الفجيرة للبيئة، كجزء من برنامجها «قادة التغيير»، لإشراك المجتمع المدني في جهود الحفاظ على الطبيعة، وإحداث الفرق.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

محمية وادي الوريعة.. تنوع بيئي مذهل

من باحثين، وعلماء، وخبراء، إلى عشاق الطبيعة، ومهتمّين بالشأن البيئي، كلهم خاضوا مساراً موحّداً نحو محميّة وادي الوريعة بتنوّعها البيولوجي المذهل، والفريد، وجغرافيتها الآسرة بمنحدراتها الصخرية، وشلال مياهها الذي لم يجف على مدار آلاف السنين، كما أن هذه المياه تغذي نطاقاً مائياً يمتد لستة كيلومترات، ما يوفر مصدر حياة للنباتات والحيوانات البرية التي تزدهر في الوادي.

تمتد المحميّة على مساحة 220 كيلومتراً مربعاً، وتُعد موطناً لنحو1050 نوعاً مسجلاً من الحيوانات والنباتات، بما في ذلك 216 نوعاً من النباتات، كما أنّها المكان الوحيد في الإمارات الذي يمكن العثور فيه على الأوركيد المحلي، كما تشير الدراسات الأخيرة للحياة البرية إلى أن 24، من أصل 25 نوعاً معروفاً من اليعاسيب البرية في الإمارات، تعيش في المحميّة.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ولا تقتصر الجماليات على التنوّع البيئي، بل تتعداه إلى ما تشكّله تلك الواحة من تماسٍّ مباشر مع الطبيعة، حتى لتجد أن تلك الرحلة الاستكشافية لم تكن رحلة عابرة للوقت، بقدر ما أرست منظومة تواصل لعشاق الطبيعة والمغامرات مع بيئة فريدة، وطبيعة بِكر، إلى ممارسة رياضة المشي على طريق ترابي وصخري لنحو ساعة ونصف الساعة، (ذهاباً وإياباً) في الهواء الطلق، وملاحظة أنواع نادرة من النباتات والحيوانات، إلى العديد من الزواحف والطيور التي تجعل من المحمية مكاناً مثالياً لمحبي الحياة البرية.

مجموعة من«قادة التغيير»
مجموعة من«قادة التغيير»
مجلة كل الأسرة

الطهر العربي..حماية وتكاثر في محميّة الوريعة

شكلّت الرحلة تجربة اجتماعية لمجموعة من عشاق الطبيعة والبيئة، وباحثين، وأكاديميين، انصب همهم الأول على خوض التجربة، وتوثيق الجماليات حولهم، من دون المساس بنظافة المحمية، وتعزيز التواصل مع البيئة بعمق، وإلهام.

في رحلتنا، نتوقف عند المحطة الأولى التي تبرز جهود الحفاظ على حيوان الطهر العربي الذي يمثل رمزاً للتنوع البيئي، وحمايته وتكاثره في محميّة الوريعة، حيث بدأ المشوار مع 11 طهراً، عام 2016، ليصل العدد اليوم إلى 100 طهر، مع سنوات من العمل الجاد، واستمرار الجهود لتوفير بيئة مثالية له للتكاثر، وضمان استمراره.

المهندس عبدالناصر عبيدات
المهندس عبدالناصر عبيدات
مجلة كل الأسرة

يُعتبر وادي الوريعة موطناً لعدد من الكائنات النادرة، مع مشاريع تعزز الاستدامة البيئية. يرحّب بنا المهندس عبد الناصر تيسير عبيدات، باحث رئيسي في التنوّع البيولوجي بهيئة الفجيرة للبيئة، في المحميّة التي تُعد «أول وأكبر محمية جبلية في دولة الإمارات»، كما يؤكد، لافتاً إلى أن «المحمية أُنشئت عام 2009 بموجب القانون الأميري رقم 2، الصادر عن صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، لتغطي ما يقارب 14% من المساحة الإجمالية لإمارة الفجيرة، بمساحة تبلغ نحو 220 كيلومتراً مربعاً».

«الواحة المخفيّة».. جنة خضراء وسط الجبال

يلفت عبيدات إلى أن البعض يطلق على محميّة وادي الوريعة «الواحة السريّة»، أو«الواحة المخفيّة»، وهي «تسميات اكتسبتها المحمية بسبب موقعها الفريد بين جبال الحجر في قلب الطبيعة الجبلية. وتُعد المحميّة موطناً للشلال الوحيد الدائم في دولة الإمارات العربية المتحدة، بحيث تُعدّ جنة خضراء وسط الجبال القاحلة، وتزخر بتنوّع بيولوجي، مذهل واستثنائي، من الحياة البرية، حيث تضم أكثر من 1050 نوعاً مسجلاً، من النباتات والحيوانات، ما يعكس غناها البيئي، وأهميتها كموقع طبيعي فريد يستحق الحفاظ عليه».

ويوضح أن «محميّة وادي الوريعة تضم أنواعاً فريدة ومهدّدة بالانقراض من الحيوانات البرية، من أبرزها الطهر العربي، الذي يعتبر اليوم منقرضاً في جبال إمارة الفجيرة، ولكنه موجود ضمن مشروع الإكثار، وإعادة التوطين في الإمارة، بدعم من مكتب سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، إضافة إلى الثعلب الأفغاني «بلانفورد» الذي يُعدّ أحد أندر الحيوانات البريّة، وأكثر الحيوانات خجلاً، وقد تم تسجيل وجوده عبر برنامج الكاميرات في محميّة وادي الوريعة».

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وتحتضن المحمية أنواعاً أخرى من الحيوانات البريّة، منها الوشق، الثعلب الأحمر، القنفذ، النيص الهندي، أو ما يسمى القنفذ الهندي المتوّج، الثعابين، العناكب، اليعاسيب، العقارب.. وغيرها، ما يجعلها بيئة غنيّة بالتنوّع البيولوجي، وموقعاً هامّاً لحماية الحياة البرية النادرة.

ويشير المهندس عبيدات إلى أن محميّة وادي الوريعة الوطنية مغلقة حالياً أمام الأنشطة السياحية، والعامة، حيث يُسمح للمتطوّعين المتخصصين، والمهتمين بحماية البيئة فقط، بدخولها، ويضيف «محميّة وادي الوريعة تُستخدم كوجهة رئيسية لإجراء الدراسات البيئية والبحثية، بالتعاون مع شركاء معنيين بحماية الطبيعة، وهذه الدراسات تهدف إلى مراقبة النظام البيئي، ومن أبرزها دراسات الضفادع، التي تُعد مؤشراً على صحة البيئة المائية، والنظام البيئي في المحمية». وتسهم هذه الدراسات في فهم ديناميكيات الحياة البرية في المحمية، وتعزز الجهود المستمرة للحفاظ على التنوع البيولوجي.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وشهدت الرحلة محطة «ما قبل العودة» من المحمية من خلال تجربة تفاعلية في إطار مبادرة «قادة التغيير» التي أطلقتها جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة. وخلال التجربة، قام المشاركون في الرحلة بصيد الضفادع مؤقتاً، باستخدام أساليب آمنة ليتم قياس أحجام تلك الضفادع وجمع البيانات المتعلقة بصحتها، كدلالة على المسار الإيجابي للنظام البيئي في المحمية. وبعد الانتهاء من القياس، كانت الضفادع تعاد إلى موئلها الطبيعي.

يوجه المهندس عبيدات رسالة مهمة إلى كل من يهتم بالحفاظ على البيئة، مشدّداً على أهمية احترام الطبيعة عند زيارتها «عندما تخرجون في رحلات إلى البر أو الطبيعة مع عائلاتكم، احرصوا على ترك المكان نظيفا من دون إدخال أي شيء جديد، مثل النفايات أو الكائنات الحية الغريبة، ومن دون أخذ أي شيء من النظام البيئي إلى الخارج، واتركوا كل شيء على طبيعته، واتركوا الطبيعة تكمل مسارها»، ويخلص «استمتعوا بجمال الطبيعة، واتركوا المجال للأجيال القادمة للاستمتاع بالطبيعة أيضاً».