10 مارس 2025

أسوان.. زهرة الجنوب ودرّة المشاتي في مصر

محرر متعاون - مكتب القاهرة

مجلة كل الأسرة

تفتح مدينة أسوان، جنوب مصر، ذراعيها للوافدين خلال هذه الفترة من كل عام، للاستمتاع بأجوائها الساحرة خلال فصل الشتاء، حيث تُعد المدينة الواقعة على أطراف مصر الجنوبية، واحدة من أجمل المدن السياحية خلال فصل الشتاء، على مرّ التاريخ.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تتدفق مئات الوفود السياحية على أسوان طوال موسم الشتاء، في رحلات موسمية لم تنقطع منذ عقود بعيدة، وتزدهر خلال ذروة الموسم السياحي الذي يبدأ في شهر نوفمبر، ويستمر حتى أواخر مارس من كل عام، للتمتع بشمس الشتاء الدافئة في المدينة التي تصنف ضمن أجمل المشاتي، ليس في مصر وحدها، وإنما في العديد من بلدان العالم.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

حيث تتميّز أسوان بشمسها الساطعة، ومناخها الجاف المعتدل، وهوائها النقي العليل، فضلاً عمّا توفره للزائر من هدوء وسكينة، يظلان طوال الوقت يمثلان السمة المميّزة لتلك المدينة الساحرة، التي كان الرئيس الفرنسي السابق، فرانسوا ميتران، يحرص على زيارتها خلال إجازته السنوية كل عام، إلى جانب عدد كبير من مشاهير السياسة والفن في العالم.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تتمدّد محافظة أسوان على شاطئ النيل، على مساحة تقدر بنحو 480 كيلومتراً، من الجنوب إلى الشمال، وهي مساحة تبدو مناسبة للغاية لعدد سكانها الذي لا يتجاوز 900 ألف نسمة، وتنحدر أصولهم من القبائل العربية التي دخلت مصر مع الفتح الإسلامي، واتخذوا من أسوان سكناً لهم. لكنهم على ذلك يمثلون نحو 50% من جملة سكان المحافظة التي تضم عدداً كبيراً من القبائل النوبية، التي تمثل السكان الأصليين للمنطقة، حيث تضم إلى جانب النوبيين أكثر من عشر قبائل عربية، وتتميّز هذه القبائل باحتفاظها بتراثها القديم، حيث تتحدث قبيلة الفاديجكا، حتى اليوم، بالنوبية القديمة، وهي لهجة منطوقة لكنها لا تكتب، بينما تتحدث قبائل الكنوز، التي تسكن المنطقة الشمالية من النوبة القديمة، باللهجة الكنزية، أو ما يعرف باللغة الماتوكية، وهي مثل سابقتها تُنطق، ولا تكتب.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تتميز مدينة أسوان بتنوع أشكال السياحة فيها، التي تراوح ما بين سياحة الآثار متمثلة في العشرات من المواقع الأثرية الفريدة، والسياحة الثقافية والبيئية، متمثلة في العديد من البيوت النوبية القديمة المنتشرة على شاطئ النهر، ومن أبرزها قرية غرب سهيل، حيث يمكن للزائر الإقامة فيها، ومعايشة سكانها في مختلف ألوان أنشطة الحياة، ما وضع أسوان على رأس قائمة المدن المبدعة المسجلة في قائمة «اليونيسكو» في مجال الحِرف والفنون، منذ أكثر من عقدين من الزمان، فضلاً عن فوزها بجائزة مدينة السلام، في المسابقة التي نظمتها منظمة «اليونيسكو» العالمية، قبل أكثر من عشر سنوات.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

تصافح مقبرة الأمير محمد شاه أغاخان عيون الزائر عند وصوله إلى مدينة أسوان، في مشهد بديع، إذ تطلّ المقبرة على النيل من فوق هضبة عالية، تتوسط مجري النهر، من الجهة الغربية للمدينة، في مواجهة قصر الملك فاروق، الذي أصبح اليوم واحداً من أشهر الفنادق العالمية. بينما تطلّ من الجهة الأخرى على مقبرة رومانية إغريقية، ومعبد ساتت الذي شيّدته الملكة حتشبسوت، وتُعد المقبرة بموقعها الفريد واحدة من أبرز المناطق التي يحرص السائحون على زيارتها، حيث بنيت من الرخام المرمري الخالص، على طراز المقابر الفاطمية في مصر القديمة، وقد بناها الأغاخان لتظل شاهدة على قصة الحب الأسطورية التي جمعت بينه وبين بائعة الورد الفرنسية ايفيت لا بدوس، التي توّجت ملكة للجمال في فرنسا نهاية الثلاثينيات، وقد التقى الأغاخان الثالث «السلطان محمد شاه»، بايفيت لابدوس مصادفة في مصر، بعد دعوتهما منفردين لحضور إحدى الاحتفالات الملكية، قبل أن يجمع الحب بينهما، فيتزوجها زعيم الطائفة الإسماعيلية، ويطلق عليها اسم «البيجوم أم حبيبة».

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يتناقل أهالي أسوان بكل محبة تلك القصة الملهمة التي جمعت بين العاشقين على تراب مدينتهم، ويقولون إن زعيم الطائفة الإسماعيلية في الهند، كان يعاني أمراض الروماتيزم، وفشلت كل محاولات الأطباء لعلاجه، فنصحه أحد أصدقائه بزيارة أسوان، فجاء إليها بصحبة زوجته، وحاشيته، ومجموعة من الأطباء على مقعد متحرك، قبل أن يتولى شيخ نوبي خبير في الطب التقليدي مهمة علاجه، عن طريق دفن نصف جسمه السفلي في رمال أسوان لمدة ثلاث ساعات، يومياً، في الأسبوع، لينهي الأغاخان فترة علاجه بنجاح، ويعود في الأسبوع الثالث إلى الفندق الذي كان يقيم فيه ماشياً على قدميه، وسط فرحة عارمة من حاشيته، ويقرر بعد ذلك أن يبني قصراً على شاطئ النيل يقيم فيه كلما جاء إلى مصر، إلى جانب تلك المقبرة التي طلب أن تبنى في نفس المكان الذي تلقّى فيه العلاج على الطريقة التقليدية، ليدفن فيها بعد موته، وهي المقبرة التي ظلت زوجته تتردّد عليها لزيارته حتى وفاتها مطلع عام 2000 لتدفن إلى جواره.

مجلة كل الأسرة

تستقبل أسواق مدينة أسوان الزائرين في حنان بالغ، فتقدم لهم نزهة مشوّقة بما تعرضه من منتجات لا تخلو من رائحة البهار، ومختلف أنواع النباتات والأعشاب العطرية، إلى جانب العديد من المشغولات اليدوية المميّزة للمدينة، وهو أمر ليس غريباً عليها. فقد عرفت المدينة منذ فجر التاريخ باعتبارها سوقاً، إذ كانت تسمى في اللغة المصرية القديمة باسم «سونو»، التي تعني السوق، نظراً لكثرة أسواقها التي كانت تمثل حلقة وصل بين جنوب مصر والقارة الإفريقية في ذلك الزمان الغابر، وقد تطور الاسم على مر العصور حتى عرفت باسم «أسوان».

مجلة كل الأسرة

تمتد العشرات من المواقع الأثرية في مدينة أسوان، فتحوّلها إلى متحف مفتوح يروي العديد من القصص التاريخية الخالدة، وتتصدر جزيرة فيلة هذا المتحف المفتوح، باعتبارها واحدة من اشهر الجزر النيلية التي كانت في فجر التاريخ تمثل الموطن الرئيس «للإله إيزيس»، الذي يتصدر معبده واجهة الجزيرة، وإلى جواره عدد آخر من المعابد، من أشهرها المعبد الصغير الذي أقامه الإمبراطور تراجان، والمعروف حالياً باسمه. ولا ينافس آثار جزيرة فيلة سوى مقابر النبلاء الموجودة على تخوم المدينة، المقابر الصخرية التي بنيت لحكام أسوان، وهي عبارة عن مقابر منحوتة في الصخر الرملي على بعد كيلومترات معدودة من معبد كوم أمبو، الذي يعني باللغة الفرعونية القديمة تل الذهب، ويوجد هذا المعبد على الضفة الشرقية لنهر النيل في المدينة التي حملت اسمه، وقد شيّد على أنقاض معبد قديم يدعى برسوبك، أو منزل «الإله سوبك التمساح»، وتقول المراجع التاريخية إن بناء هذا المعبد استغرق قرابة أربعة قرون.

* تصوير: أحمد شاكر