13 مارس 2025

«مزرعة الورود».. عالم ملوّن بين الجبال الغافية في رأس الخيمة

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تقف أمام المشهد متسمراً من جماله. ففي مزرعة الورود في إعسمه، جنوب شرق رأس الخيمة، تغمرك مشاعر التصالح مع الطبيعة، ومع الذات، وتتنسم من ألوان الورود بهجة الحياة، وألوانها البهية، وتجد في المشاهد المحيطة بك «جغرافيا» مشاعر تتهادى بين الهدوء، والطمأنينة.

في تلك البقعة في إعسمه، تخوض رحلة ساحرة مع لوحة طبيعية تنبض بالحياة، وواحة مزهرة بين الجبال الشامخة، حيث بداية الحكاية ترسم تحدّياً لمواطن إماراتي عرف كيف يطوّع التضاريس الجبلية لمصلحته، ويصنع واحة من العطور تزاوج بين الابتكار، والجمال.

مجلة كل الأسرة

يعتبر هذا المشروع نموذجاً حياً على أن الإرادة والابتكار قادران على تحويل المستحيل إلى حقيقة، حتى لو كان ذلك في قلب الصحراء. فقد نجح محمد عبيد المزروعي في تحقيق حلمه بإنشاء «مزرعة الورود»، لتصبح واحة غنّاء وسط الجبال، ووجهة ومقصداً للزوار، والسياح، حيث تتناغم الأزهار كأنها بساط من الألوان يكسو الأرض، معانقة الجبال الغافية والسماء، وسط مجسم خشبي لطاحونة الهواء، ما يجسد بهاء الحضور في بقعة تجمع بين الطبيعة البهية، وجماليات ألوان الورود، والنبض الحي للمشهد الذي يتكامل ضمن تجربة متكاملة، من ركوب الخيل، ومشاهدة المها العربي، والطواويس، وبعض أنواع الطيور، إلى الاسترخاء في «كوفي شوب» الورود.

ويؤكد المزروعي، نجاح مشروعه، قائلاً «كل زوارنا يقولون إن المزرعة عالم آخر، فهي ليست مجرّد حقل زهور، بل مساحة تنبض بالجمال، وتمنح زوارها تجربة فريدة بين عبق الورود، والطبيعة الساحرة».

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

يروي هذا المواطن المتقاعد قصة تحدٍّ وإصرار على زراعة الجمال وسط الطبيعة القاسية، ورؤيته لمستقبل الزراعة العطرية في الإمارات، حيث لم يثنه التقاعد عن العمل، بل قاده إلى استثمار شغفه وقدراته في مجال مبتكر.

فعشقه للزراعة بدأ منذ الطفولة، حيث علّمه والده أسس الزراعة. يتحدث المزروعي، مؤسس المزرعة، عن رحلته التي بدأت بمشتل وزراعة بعض الخضراوات «بدأت بمشتل صغير داخل المزرعة، حيث كنت أنتج الشتلات، وأسوّقها للمشاتل الأخرى، كما زرعت الخضراوات لسنوات. ولكن مع مرور الوقت، قررت التركيز بالكامل على زراعة الورود، بحيث إن هذا المشروع لا يقتصر على الجانب الاستثماري، بقدر ما يولد مساحة بصرية باهرة».

وهذا صحيح، لأن كل ما يحيط بك ألوان استثنائية تتماهى مع جماليات الطبيعة في إعسمه، تلك المنطقة الجبلية في رأس الخيمة التي تتميز ببيئة هادئة، حيث يُعد وادي إعسمه من المعالم الطبيعية في المنطقة، ويمتد كمجرى مائي موسمي في جبال الحجر، وتمتد فيه المساحات الخضراء، وواحات النخيل، وغيرها من جماليات تزاوج بين الجبال الشاهقة، والطبيعة الخلابة، والتاريخ الممتد إلى مئات السنين.

المزروعي وسط مزرعته
المزروعي وسط مزرعته
مجلة كل الأسرة

تتنوع الورود المزروعة في احتياجاتها البيئية، والظروف المناسبة للزراعة، بيد أن معظم أنواع الورود يمكن زراعتها في المناطق الجبلية، إذا توفرت الظروف المناسبة، من حيث التربة، والصرف الجيد، والمناخ الملائم. وفي الإطلالة على أنواع الورود، نجد:

  • سناب دراجون: يمكن زراعتها في الربيع، أو الخريف، وتحتاج إلى سقاية منتظمة من دون إغراق التربة.
  • سالفيا: مناسبة للمرتفعات الجافة والمشمسة، وتتحمل تقلّبات الطقس بشكل جيد.
  • المنثور: ينمو بشكل جيد في المرتفعات إذا زرع في تربة جيدة التصريف وسُقي باعتدال.
  • دوار الشمس المكسيكي: يحب الشمس الكاملة ويتحمّل الجفاف.
  • ديزي: يحتاج إلى بعض الظل خلال الفترات الحارة.
  • جلاديولس: يحتاج إلى شمس كاملة وتربة جيدة التصريف.
  • غاليريا: مناسب جداً للمرتفعات الجافة، ويتطلب تربة جيدة التصريف.

إضافة إلى زهور ستاتس، عرف الديك، وكوزموس، وأزهار الرانكلس، والجلاديولا، والزينيا.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

في بداية المشروع، واجه فريق المزرعة تحدّياً رئيسياً في توقيت زراعة الورود، حيث تختلف فترة الإزهار لكل نوع، فبعضها يحتاج إلى شهرين، والبعض الآخر شهر ونصف الشهر، أو شهر واحد فقط، وكان لا بد من تنسيق عمليات الزراعة بدقة، لضمان تفتّح الورود في وقت واحد، ما تطلب سنوات من التجربة والخبرة، كما يخبرنا المزروعي، لتتحول المزرعة بعدها «إلى وجهة سياحية بارزة يتوافد إليها المواطنون، والمقيمون، والسياح من دول الخليج، وحتى الأجانب، الذين يُبدون دهشتهم من وجود مزرعة ورود بهذا الجمال في قلب الإمارات. فالكثير من الزوار يعودون للمزرعة مرتين، أو ثلاث مرات، سنوياً، لأنهم يجدون فيها راحة نفسية».

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وخلال فصل الصيف، يتم منح الأرض فترة راحة حتى شهر سبتمبر، حيث تبدأ الاستعدادات للموسم الجديد عبر تحضير التربة، والتسميد، والحرث، والري، على أن تنطلق عمليات الزراعة في بداية أكتوبر.

نحن بصدد إنشاء مزرعة تعبر القارات وتحمل اسم الإمارات في البوسنة وتجهز بـ10 آلاف شتلة لافندر

لم تقتصر طموحات المزروعي على الإمارات فقط، بل امتدت إلى البوسنة، حيث أنشأ هناك مزرعة جديدة يتم تجهيزها حالياً لزراعة 10 آلاف شتلة من اللافندر، مؤكداً «إن شاء الله، ستكون هذه المزرعة باسم بلادي الإمارات في أوروبا، ونأمل أن تكون خطوة لتعزيز مكانتنا في عالم الزراعة العطرية».

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ولخوض رحلة مختلفة، وعلى تماس مع الطبيعة، فإن «مزرعة الورود» تفتح أبوابها يوميا منذ السابعة والنصف صباحاً، لاستقبال الزوار، باستثناء يوم الجمعة، حيث تبدأ الزيارة بعد صلاة الجمعة مباشرة، ويُسمح بالدخول مجاناً للأطفال دون الثلاث سنوات، وأصحاب الهمم، وطلاب المدارس، في خطوة تعكس حرص القائمين على المزرعة على تعزيز الوعي البيئي والزراعي لدى الجيل الجديد.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

وإلى جانب الورود، تقدم المزرعة تجربة متكاملة للزوار، حيث توفر ركوب الخيل للأطفال، ومشاهدة أنواع مختلفة من الطيور والطاووس، كما سبق وأسلفنا، وسط أجواء عطرية ملوّنة تبعث على الاسترخاء، والهدوء.

* تصوير: صلاح عمر