
أطلّ السفر بالإماراتية شمس المهيري على عوالم اكتشاف الذات. سافرت إلى وجهات متعدّدة، لتكتشف أنّ «تلك الرحلات كانت بمثابة بداية جديدة لي».
تقول شمس «سافرت ضمن مجموعة نسائية إلى عدّة وجهات خلال الأعوام الماضية مع، «العبرة للرحلات»، وكانت تجربة فريدة، ومميّزة. رحلتي الأولى إلى زنجبار تركَت أثراً إيجابياً عميقاً في نفسيتي. كان الهدف من هذه الرحلة هو استكشاف مكان جديد، والمساهمة في رسم البسمة على وجوه الأطفال، وعائلاتهم، في زنجبار، حيث استمتعت بأجواء زنجبار الساحرة، وتعرّفت إلى عاداتهم، وثقافتهم، وتاريخهم الغني، وقمت بتوزيع الهدايا على بعض النساء في القرى الزنجبارية، وتشاركنا لحظات لا تُنسى».

بعد زنجبار، خاضت شمس المهيري تجارب ثقافية غنية، وكانت الوجهات البرتغال، وتونس، ودول البلطيق «كل رحلة أسهمت في توسيع آفاقي، وفهم العالم من حولي، وعلّمتني تلك الأسفار أهمية الاهتمام بصحتي النفسية. لقد منحني السفر الفرصة للدهشة والاكتشاف، وجعلني أقدّر جمال التنوع الثقافي في العالم، وأؤمن بأن كل رحلة جديدة ستضيف لخبرتي وتجربتي الحياتية المزيد من الألوان، والذكريات الجميلة».
وتخلص شمس المهيري إلى أن «السفر ليس مجرّد تنقل بين الأماكن، بل هو رحلة داخل النفس، وتعلّمت من خلال هذه التجارب أن أحتفل بكل لحظة، وأن أستمتع بكل ما يقدمه لي العالم من مغامرات».

بدورها، تهرب نجوى الحاج حسين، من الضغوطات اليومية إلى السفر لأماكن تكون فيها على تماس مع الطبيعة، وتبيّن «السفر فرصة لي لإعادة شحن طاقتي على العمل، واستعادة بعض هدوئي، وعادة ما أختار البحر، وأشعر بأنه يحرّرني من الطاقة السلبية، كما أمارس رياضة الغوص وأنشطة عدّة».
سافرت نجوى إلى دول متعدّدة، منها تركيا ومصر «في العادة، لا يتركز السفر على استكشاف معالم سياحية، بقدر ما يحاكي استكشاف ذاتي، وتحقيق توازني الداخلي، عبر تجارب جديدة، والتواصل مع ثقافات جديدة. ورحلتي مؤخراً إلى شرم الشيخ فتحت أمامي آفاقاً من التحرر، ومن السلام النفسي، وشحنت طاقتي العقلية والعاطفية، لأعود إلى دوامة العمل من دون أن أحمل الضغوطات فوق كتفَي».

النساء أكثر إقبالاً على رحلات الاسترخاء
تؤكد المهندسة مريم الفلاسي، صاحبة ومؤسسة شركة العبرة للرحلات السياحية في الشارقة التي سافرت إلى نحو 70 دولة، أن «السفر أصبح وسيلة أساسية للهروب من ضغوط الحياة اليومية، وتجربة شخصية عميقة ذات تأثير نفسي إيجابي حيث يبحث الناس عن السفر لأسباب مختلفة؛ بعضهم يريد الاسترخاء والابتعاد عن الروتين، وآخرون يسافرون لاستكشاف ثقافات جديدة أو حتى للتسوق وخوض تجارب ممتعة مع العائلة والأصدقاء. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح السفر طريقة لمشاركة التجربة مع الآخرين، وإلهامهم لخوض تجارب مشابهة».
بيد أنّ النساء هن الأكثر إقبالاً على هذا النوع من الرحلات، باعتبارهنّ «يبحثن عن تجربة، غنية ومتنوّعة، أثناء السفر، سواء كان ذلك من خلال الأنشطة الثقافية، والاستجمام، أو حتى المغامرات الجديدة. إضافة إلى ذلك، توفر الرحلات الجماعية بيئة مريحة تمكن النساء من التواصل، وتكوين صداقات، وخوض تجارب جديدة بأمان وراحة».
وتماشيًا مع هذا التنوع في التفضيلات، تسعى شركة العبرة للرحلات السياحية إلى توفير برامج سياحية متنوعة ومبتكرة تتوافق مع اهتمامات المسافرين، وتلبي رغباتهم المختلفة، سواء في الاسترخاء، الاستكشاف الثقافي، المغامرات، أو التجارب الفريدة حيث «كل مدينة أو بلد يمكن أن يوفر تجربة فريدة، والسفر يعتمد على الطريقة التي نختبر بها الرحلة ونعيشها».

السفر وصحتنا النفسية
تشرح الفلاسي أبعاد الأنشطة التي «تضيف لمسة خاصة لكل رحلة»:
- اكتشاف أماكن جديدة والتجول في الشوارع القديمة والأسواق التقليدية.
- التفاعل مع السكان المحليين والتعرف إلى ثقافات جديدة، ما يوسع الأفق، ويغيّر نظرتنا للأمور.
- تحدّي النفس بتجربة أشياء جديدة، سواء كان ذلك نشاطاً مغامراً، أو تذوّق أطعمة غير مألوفة.
- مشاركة اللحظات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجد الكثيرون متعة في توثيق الرحلة، ومشاركة تجاربهم مع الأهل والأصدقاء.
- السفر مع أشخاص إيجابيين يعزز الشعور بالسعادة والراحة.
- التسوّق واستكشاف المنتجات المحلية، حيث يعتبر البعض هذه التجربة جزءاً مهماً من الرحلة.
هذه الأنشطة تعزّز السلام النفسي للفرد، وتقود إلى اكتشاف الذات، وتشرح الفلاسي آثارها:
- شعور بالإنجاز والتحدّي: كثيرون يعتبرون السفر فرصة لاختبار أنفسهم، سواء من خلال تجربة أماكن جديدة، أو الخروج من منطقة الراحة.
- تحفيز العقل والانفتاح على ثقافات جديدة: السفر يغيّر منظور الشخص للحياة، ويجعله أكثر مرونة وقبولاً للاختلافات.
- استعادة الطاقة النفسية: البعض يعود من الرحلة بروح جديدة، وحماس للحياة، بعد أخذ استراحة من الضغوط اليومية.
- بناء ذكريات دائمة: كل رحلة تترك أثراً في حياة المسافر، سواء كانت لحظات ممتعة، صداقات جديدة، أو حتى دروساً حياتية.
- الرغبة في التغيير والتكيّف: السفر يعلّمنا كيف نتأقلم مع البيئات الجديدة، وكيف نكون أكثر مرونة في مواجهة التحدّيات.
وتوجز الفلاسي «كل شخص يعيش الرحلة بطريقة مختلفة بناءً على اهتماماته وأهدافه. لكن الأمر المشترك بين الجميع هو أن السفر يغيّرنا بطريقة أو بأخرى، ويجعلنا أكثر انفتاحًا على الحياة والتجارب الجديدة. فالسفر لم يعد مجرّد حجز تذكرة، بل أصبح تجربة متكاملة تبدأ حتى قبل الصعود إلى الطائرة».

قبل السفر وما بعد السفر... تغيّر المزاج
يرتكز عمل شيماء صالح الدخيل، منظمة رحلات جماعية خاصة بالنساء، على البعد النفسي،حيث تؤكد أنّ فوائد السفر لا تقتصر على التجربة الشخصية، بل أيضًا من خلال ملاحظة التغيرات التي تطرأ على المسافرين بعد خوضهم رحلات ذات طابع تحرري من الروتين.
تتوقف عند مؤشرات يمكن من خلالها قياس الأثر الإيجابي للسفر على الصحة النفسية، ومنها:
- التغير في الحالة المزاجية والسلوكية: نلاحظ أن الأشخاص الذين يبدأون رحلتهم وهم مثقلون بالضغوط يعودون بحالة نفسية أكثر استقرارًا وهدوءًا.
- تعابير الوجه، أسلوب الحديث، وحتى طاقة الشخص نفسه تصبح أكثر إشراقًا.

تقول الدخيل «أثناء السفر، يمر الفرد بلحظات عفوية من السعادة، مثل الضحك العميق، الشعور بالدهشة، أو حتى لحظات من التأمل التي تعكس استمتاعه الحقيقي بتجربته. يمكن ملاحظة كيف يتغير تفاعله مع محيطه، وكيف يصبح أكثر انفتاحًا على التجارب الجديدة . وبالتالي، نلاحظ أن الكثير ممن يسافرون بحثًا عن تجديد طاقتهم النفسية يعودون بتغييرات واضحة في نمط حياتهم. قد يكون ذلك من خلال اتخاذ قرارات مهمة كانوا مترددين بشأنها، أو حتى إعادة ترتيب أولوياتهم بعد اكتشافهم أن بعض الأمور التي كانت تُشكل عبئًا عليهم ليست بذات الأهمية التي كانوا يعتقدونها».
وتلفت إلى أن السفر يؤثر على طريقة التفكير «من أكثر الأمور التي نرصدها بعد السفر هو التحول في طريقة التفكير. عندما يزور الشخص أماكن جديدة ويلتقي بأناس يعيشون أنماط حياة مختلفة، يبدأ في إعادة تقييم مفهومه للسعادة والنجاح والراحة النفسية. على سبيل المثال، عند لقاء شعوب تعيش ببساطة لكنها تبدو أكثر راحة وسلامًا، يبدأ المسافر بمراجعة نظرته لضغوط الحياة العصرية وما إذا كانت تستحق كل هذا العناء».
وتتوقف الدخيل عند أهمية التوثيق الشخصي «بعض المسافرين يعبرون عن تأثير السفر عليهم من خلال الكتابة أو التصوير أو حتى الحديث العفوي عن تجاربهم. حين تقرأ أو تستمع لمشاعر شخص عاش تجربة سفر مؤثرة، تستطيع أن تلمس كيف ساعدته على التحرر من قيود الحياة اليومية.بالتالي، لا يقتصر الأمر على الإحساس اللحظي بالسعادة أثناء الرحلة، بل هو انعكاس طويل الأمد يظهر في تصرفات الشخص، طريقة تفكيره، وتعامله مع الحياة بعد عودته».

5 فوائد للسفر تعزّز المرونة الذهنية والنفسية
تؤكد الدخيل أن انعكاسات السفر تتجلى في الرفاهية النفسية بأشكال مختلفة عبر:
- تحفيز الحواس والمشاعر الإيجابية: فالتواجد في بيئة جديدة يوقظ في الإنسان إحساساً بالحيوية والانطلاق، والتغيير البصري والصوتي، وحتى اختلاف نكهات الطعام، ورائحة المكان تخلق تجربة حسية متكاملة تمنح شعوراً بالانتعاش.
- تعزيز المرونة الذهنية والنفسية: التعامل مع مواقف غير متوقعة أثناء الرحلة يساعد الشخص على تطوير مهاراته في التكيّف مع المتغيرات، وهو أمر ينعكس على ثقته بنفسه حتى بعد العودة.

- إعادة ترتيب الأولويات: عندما يزور المسافر أماكن يعيش فيها الناس ببساطة وسكينة، يبدأ بإعادة تقييم ضغوطه اليومية، ويتساءل: هل تستحق نفسيتي أن تتأثر بعجلة الحياة التي أعيشها، مقارنة بحالة الرضا التي أراها لدى من يعيشون بأبسط الإمكانات؟
- اكتشاف بعض الأفراد لجوانب جديدة في شخصياتهم أثناء السفر: سواء كان ذلك شغفاً غير متوقع برياضة معيّنة، أو ميلاً لخوض تجارب لم يجرؤوا عليها من قبل، مثل تسلق الجبال، أو التواصل العميق مع الثقافات الأخرى، ما يعزز الشعور بالرضا الذاتي، ويفتح آفاقاً جديدة للحياة.
- فرصة نادرة للفرد للنظر إلى الحياة من زاوية مختلفة: يترك السفر بصمته على النفس بطرق مختلفة، ما يجعل تأثيره ممتداً حتى بعد انتهاء الرحلة.

السفر الواعي.. وأبرز وجهات التواصل مع الذات
وإذ بات مفهوم السفر الواعي مرتكزاً للبعض لخوض المغامرة وتحسين صحته النفسية، تركّز شركة «ليب تو بيك»، التي تختص بالسياحة التحويلية على دعم هذا التوجه، من خلال تنظيم رحلات سفر واعية ترتكز على تقديم تجارب متنوعة، تشمل اليوغا، التأمل، والمغامرات الطبيعية، تساعد المشاركين على إعادة اكتشاف ذواتهم، وخوض تجارب تؤثر عميقاً في العقل والروح، ما يسهم في رحلة تحوّل حقيقية للمشاركين.

ويعرّف شادي خاروف، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «ليب تو بيك»، مفهوم السفر الواعي، أو السياحة التحويلية «هي الرحلات التي تتجاوز فكرة الترفيه، أو الاستجمام التقليدية، لتصبح تجربة تهدف إلى تحقيق التوازن الداخلي، والشفاء النفسي، والنمو الروحي».
ويوضح أن فوائد السفر الواعي تسهم في تحسين الصحة النفسية عبر:
- الابتعاد عن الضغوط اليومية.
- إعادة التواصل مع الذات.
- استعادة التوازن العقلي والروحي.
ولهذا ,تتركّز رحلات السفر الواعية على تقديم تجارب متنوعة تشمل اليوغا، التأمل، والمغامرات الطبيعية التي تساعد المشاركين على إعادة اكتشاف أنفسهم والتركيز على الصحة النفسية عبر توفير بيئة هادئة وصحية، تعزز من الشفاء الداخلي، إلى استخدام أساليب فريدة لخلق تجارب تؤثر عميقًا في العقل والروح، مما يساهم في رحلة تحول حقيقية للمشاركين.

معايير عدّة تحكم اختيارات المسافرين للوجهات التي تعزز رفاههم النفسي وتوازنهم الروحي، يوردها الخاروف:
- الطبيعة الخلّابة التي توفر بيئة هادئة، ومناسبة للتأمل والاسترخاء، وأنشطة تحفيزية، مثل اليوغا، والتأمل.
- الوجهات غير التقليدية البعيدة عن الزحام والحياة اليومية، مثل الأماكن الجبلية، أو الشواطئ النائية.
- ورش العمل الروحية والتطوير الشخصي التي تركز على التأمل الداخلي وتدعيم الوعي الذاتي.
- اختيار وجهات تتمتع بثقافة محورية تدعم المفاهيم الروحية، مثل تلك التي تشتهر بتقاليدها الروحيةّ والتأملية.
وفي هذا الصدد، يؤكد التوجه المتزايد لهذا النوع من الأسفار، بخاصة مع تزايد الوعي بالصحة النفسية، وأهمية الوعي الذاتي، ومن الفئات الأكثر إقبالاً على هذه الرحلات، الأفراد الذين يبحثون عن تغيير حقيقي في حياتهم وعن طرق للشفاء الداخلي و«الهدف الذي تركز عليه هذه الرحلات هو تحقيق التوازن الداخلي و التحول الشخصي عبر تجارب تعزز الصحة النفسية، والجسدية، وتدعم النمو الروحي».

ويستعرض خاروف أبرز وجهات شركة «ليب تو بيك» التي تدعم الصحة النفسية وتشجع على التحوّل الروحي :
- جبل فوجي في اليابان: تقدم تجربة فريدة للمشاركين الذين يرغبون في تحدي أنفسهم، جسدياً وروحياً، وتوفر الرحلة فرصة للتأمل وسط المناظر الطبيعية الساحرة، ما يساعد على تعزيز السلام الداخلي.
- جبل كليمنجارو في تنزانيا: إحدى الوجهات الرائدة في السياحة التحويلية تساعد المشاركين على اكتشاف قوتهم الداخلية، وتوسيع آفاقهم النفسية والروحية.
- جبل سانت كاثرين في مصر: يتيح فرصة للتواصل مع الطبيعة، والتأمل في بيئة هادئة تعزز الشفاء النفسي.
- جنوب إفريقيا: مجموعة من الأنشطة الطبيعية والمغامرات تسهم في تحقيق التوازن الداخلي، بما في ذلك المشي في الغابات، والأنشطة الجبلية.
- فيتنام: توفر بيئة مثالية للتأمل والتركيز على النمو الروحي.
- تايلاند: تقدم برامج خاصة باليوغا والتأمل في أجواء هادئة تسمح بالاسترخاء والتجديد النفسي.
- فنلندا: توفر بطبيعتها ومناظرها الثلجية وجهة مثالية للمسافرين الباحثين عن الهدوء والانعزال.