حبّذا لو يأخذ البشرُ الشجرَ نموذجاً للسلوك في حياتهم.
قد يبدو هذا القول غريباً بعض الشيء، إذ كيف يمكن للإنسان أن يتماهى مع جنس من أجناس النبات؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في ثلاث سِمات تتمتع بها الأشجار. السمة الأولى، والتي يعرفها الجميع، هي أن الغابات رئة الأرض، وأهمّها الغابات الاستوائية، وأن الأشجار التي نزرعها في مدننا لا تفيد من باب الزينة، وحسب. فالأشجار تستوعب كميات كبيرة من ثاني أوكسيد الكربون، وهو من أهم الغازات التي تسبب الاحترار على الأرض، وينبعث منها الأوكسجين وهو الغاز الذي لا يمكننا التنفس من دونه.
السمة الثانية، والتي تتسم بها أساسا الأشجار المدارية، ومعها السنديان والصنوبر، هي «الخجل». فقد لوحظ أن هذا النوع من الأشجار يوقف أغصانه عن النمو الأفقي في أعلاه، حينما يقترب من أغصان شجر جيرانه، ليترك بينه وبينها فراغاً من ثلاثين إلى خمسين سنتيمتراً. ولا يعرف العلماء حتى الآن ما سبب هذه الظاهرة، وكل ما يمكن قوله هو إن «فتحات الخجل» قد تكون نتيجة تفاعلات كيميائية معقدة بين الشجرات تتصل ربما بهرمونات تنتقل على شكل غازات. بيد أن الأكيد هو أن ما يجري في الأعلى يجري كذلك في الأسفل، على مستوى جذور الشجر التي تقيم بينها وبين جذور الشجرات الأخرى المسافة ذاتها.
أما السمة الثالثة فهي قدرة الشجر على النمو بشكل مستقيم، حتى لو كان ينمو على سفوح منحدرة، فالشجر ينتصب واقفاً على الجبال، ولا ينحني مع منحنيات السفح. أما السبب فهو احتواء الشجر على خلايا متخصصة تتضمن كميات من حبوب النشا فائقة الصغر، قادرة على التقاط مكان هرمونة النمو التي يجب أن تظل في وضعية عمودية. وفي حال نما الجذع بشكل ملتوٍ، تعمل جزيئات النشا على تصويب مكان الهرمونة التي تزيد من إنتاج نوعية خشب يشدُّ عضد الشجرة، ويجعل جذعها يستقيم.
الأشجار إذاً، تتجرَّع السمَّ، ومع هذا، لا تلفظ سمّاً مقابله، بل تحرص على مبادلة الشر بالخير، والإساءة بالحسنة.
الأشجار أيضاً، بما يُسمَّى «خجلها»، تحترم خصوصية الآخرين، ومشاعرهم، بل تحتفظ بقربها منهم من دون أن تتعدى على مساحتهم.
الأشجار أخيراً، وليس آخراً، تحافظ على مبدأ الاستقامة مهما تبدّلت الأرض التي تقف عليها، وانحدرت إلى أسفل، فهي لا تجاري ولا تساير التيارات والأهواء، على حساب مبدئها في الحياة.
أرأيتم لماذا التمنّي بأن يتشبَّه البشرُ بالشجر؟