لا يزال الأطباء يتداولون هذه الحالة الغريبة التي سُجلت من بين أغرب الألغاز في تاريخ الطب الحديث، حيث شعر 23 شخصاً من الكادر الطبي في المستشفى بالتشنج، وصعوبات جمّة في التنفس بعد علاج غلوريا راميريز التي أطلق عليها لقب «السيدة السامة».
في فبراير من عام 1994، تم تسجيل دخول غلوريا راميريز، في مستشفى ريفرسايد في جنوب كاليفورنيا، بأمريكا. كانت تعاني سرطان عنق الرحم، وخفقاناً في القلب، وصعوبة في التنفس.
وكالمعتاد في مثل هذه الحالات، أخذت الممرضات عيّنة من دم غلوريا، ولكنهنّ لاحظن وجود رائحة كيميائية غريبة، وجزيئات تشبه البلورات. كما لاحظت الممرضات وجود لمعان دهني في جميع أنحاء جسم غلوريا، ورائحة غريبة «الثوم الفاكهي» قادمة من فمها. وبعد فترة وجيزة بدأت واحدة من الممرضات تشعر كأن وجهها يحترق، ثم أغمي عليه، وهنا دبّ الذعر والخوف في بقية الممرضات.
بعدها، شعر العديد من الموظفين الآخرين في المستشفى، القريبين من غرفة غلوريا، بالمرض والدوار، وأفاد آخرون بأنهم يشعرون بارتجاف، وتشنجات، وضيق في التنفس، وفترات قصيرة من توقف التنفس تماماً.
مشهد من مسلسل اقتبس الواقعة في إحدى حلقاته
إعلان حالة طوارئ في المستشفى
أعلنت إدارة المستشفى، بسرعة، حالة طوارئ داخلية، وأجْلت جميع المرضى الآخرين، ونقلتهم إلى موقف السيارات. أما غلوريا، 31 عاماً، فقد توفيت بعد وقت قصير.
أبلغت إحدى الممرضات التي عملت على تحريك جسد غلوريا، أنها تشعر بالإحساس نفسه، كأن جلدها يحترق، وهذا ما قاله أيضاً زميل لها قبل أن يتقيأ. وهناك ممرض آخر انتهى به الأمر مريضاً في العناية المركزة، وهو يعاني مشاكل في أنسجة العظام، ثم اضطر إلى استخدام العكازات لعدة أشهر.
في المجموع، شعر 23 من 37 شخصاً من الكادر التمريضي بالمرض، ممن كانوا على اتصال مع غلوريا، وتطلب أن يمكث خمسة منهم في المستشفى لعدة أيام.
بعد 3 عقود.. لا أحد يعرف السبب
بعد ثلاثة عقود تقريباً، من تلك الواقعة المثيرة للغاية والغريبة، لا أحد يعرف بعد كيف أثّرت غلوريا، وحالتها، في كل هؤلاء الأشخاص، ليظل الأمر لغزاً محيّراً حتى يومنا الحاضر.
تم تفتيش المستشفى بحثاً عن مواد كيميائية، ولكن لم يتم العثور على أي منها.
تم تحليل جثة غلوريا أيضاً، لكن التحقيقات كانت غير حاسمة.
كُتب عن سبب وفاتها عدم انتظام ضربات القلب (نبضات قلب غير طبيعية أو غير منتظمة)، بسبب سرطان عنق الرحم في مرحلة متأخرة.
وتم طرح العديد من النظريات حول ما حدث، بما في ذلك الهستيريا الجماعية (حالة نفسية تؤثر في مجموعات من الأشخاص الذين يتواجدون في بيئة مشتركة)، وحتى «اختطاف من كائنات فضائية».
الصحف انشغلت بشكل واسع بهذه الحادثة
المشتبه به.. ثنائي ميثيل السلفوكسيد
ولكن بشكل عام، فإن السببين الأكثر معقولية، والأكثر منطقية، هما أن الظروف في المستشفى كانت خطرة، أو على ما يبدو، أن لها علاقة بكميات «غير طبيعية» من ثنائي ميثيل السلفوكسيد في جسم غلوريا.
من جهتها، تعتقد أسرتها أن اللوم يقع على أجنحة المستشفى، مع الإشارة إلى ظاهرة تسرّب غاز سام. لكن يعتقد آخرون أن غلوريا كانت تستخدم هلاماً مضاداً للالتهابات للتعامل مع الألم من سرطانها، وتفاعل مع الأوكسجين الذي يديره الأطباء لخلق ثنائي ميثيل السلفوكسيد، الذي يمكن أن يتبلور في درجة حرارة الغرفة.
كما يقولون إن الصدمات الكهربائية من مزيل الرجفان، الذي استخدم بعد أن دخلت غلوريا في السكتة القلبية، يمكن أن تحوّلها إلى كبريتات ثنائي ميثيل السلفوكسيد، وهو غاز شديد السمية عندما يدخل الجسم، يمكن أن يسبب الهذيان، والتشنجات، وفشل القلب.
ويقول باتريك إم جرانت، من مركز ليفرمور للعلوم الجنائية، إن هذه هي النظرية المحتملة، مضيفاً «قد يكون هناك الكثير من الغموض المحيط بالظروف الموجودة في المستشفى، إذا ما حدثت هذه الحالة الأيضية المفترض في الوقت الذي وقع فيه الحادث في غرفة الطوارئ. وعلى الرغم من أنه لم يتم اكتشاف كبريتات ثنائي ميثيل السلفوكسيد في أي تحليلات ذات صلة بهذا الحدث، إلا أن هناك تفسيرات علمية معقولة لحساب هذه الحقيقة، إذ تظهر أوصاف أعراض الضحايا من موظفي المستشفى متسقة تماماً، مع التعرّض لكبريتات ثنائي ميثيل السلفوكسيد».
وبغضّ النظر عمّا حدث، تظل هذه الأحداث موصوفة على أنها «الأكثر حدة» في التاريخ المحلي، وألهمت لاحقاً حلقة من مسلسل اقتبس هذه الحادثة بالتفصيل.