لطالما ارتبط العقل والجسد بعلاقة وثيقة، فما يحدث في أحدهما يؤثر حتماً في الآخر، فقد يبدو غريباً أن نربط بين صحتنا النفسية وشفائنا الجسدي، إلا أن الأبحاث الحديثة تكشف عن صلة قوية بينهما. فالصحة النفسية الإيجابية تسهم بشكل كبير في تعزيز قدرة الجسم على مكافحة الأمراض والتعافي منها، بينما تؤثر الصحة النفسية السلبية سلباً في الجهاز المناعي وتبطئ عملية الشفاء
وقد التقينا عدداً من أبطال القصص الملهمة، ممن تمكنوا من التعافي بفضل الطب الوقائي، وجلسات الاستشفاء، وذلك خلال قمة فوربس الشرق الأوسط للسياحة العلاجية والرفاهية الصحية في دبي، والتي ركزت على أحدث الاتجاهات التي تعيد تشكيل مستقبل الطب الوقائي، والصحة النفسية، والسياحة العلاجية، والصحة طويلة الأمد، حيث كشفت القمة عن تجارب استثنائية استشفائية، مثل جلسة التأمل بالشاي وجلسات الرنين الحيوي، إضافة إلى الأنشطة الإبداعية، مثل الرسم على الفخار وفن اللاتيه.
وقد أكدت العديد من الأبحاث أن للرسم تأثيرات إيجابية في الصحة النفسية، ويقلل من مستويات هرمونات التوتر بالجسم، كما لفتت موسيقى الهاند بان الهادئة التي كانت تعزف في المكان، إلى أن الموسيقى تساعد على سرعة التعافي والاستشفاء للمرضى بعد خضوعهم لعمليات جراحية؛ لأنها تؤدي إلى انخفاض معدل ضربات القلب بنحو 4.5 نبضة أقل في الدقيقة، وبالتالي تخفيف الشعور بالألم.
دور الصحة النفسية في عملية الشفاء من السرطان
وحول تجارب التعافي من الأمراض من خلال التحكم في العقل، وتوجيهه نحو الشعور بالتعافي، تقول المؤثرة وصانعة المحتوى ميرا أبو جودة: «لقد خضت تجربة قاسية مع مرض السرطان، وعلمت حينها أننا عندما نمرض لا نخوض معركة جسدية فحسب، بل نفسية أيضاً. فالتوتر والقلق المصاحبان للمرض يمكن أن يعوقا عملية الشفاء ويضعفا الجهاز المناعي. وهنا يأتي دور الصحة النفسية، فهي تلعب دوراً حيوياً في تعزيز قدرة الجسم على مقاومة المرض والتعافي منه بشكل أسرع. فمن خلال تقنيات الاسترخاء والتأمل، وسماع الموسيقى، الرسم والتلوين، يمكننا تهدئة العقل وتقليل التوتر، ما يساعد الجسم على توجيه طاقته نحو الشفاء، فلم أشك للحظة في أنني سأخسر المعركة، وبدأت رحلة العلاج النفسي جنباً إلى جنب مع العلاج الطبي. تعلمت كيف أتحكم في أفكاري، فبدلاً من التركيز على المرض، كنت أركز على الشفاء. كنت أدعو الله كثيراً، وأمارس تقنيات التنفس العميق والتأمل. شعرت بهدوء داخلي لم أكن أتخيله من قبل. مع مرور الوقت، بدأت أشعر بتحسن ملحوظ، ونتائج الفحوص الطبية بدأت تتحسن أيضاً. اليوم، أنا هنا لأخبر الناس عن تجربة واقعية تؤكد قوة العقل وقدرته على الشفاء. إن التحكم في أفكارنا ومشاعرنا سلاح قوي في مواجهة أي مرض».
التخلص من السمنة
وحول تجربته في التعافي من السمنة، يقول سلطان حبادي: «لم أكن أدرك مدى تأثير وزني الزائد على صحتي النفسية حتى قررت أن أتغير. كنت أسير في الشارع وأشعر بأن كل العيون عليّ، وأتجنب الأماكن العامة خوفاً من التعليقات. كانت صورتي في المرآة تسبب لي الكثير من الحزن والإحباط. لكن، بمجرد أن بدأت رحلة فقدان الوزن، شعرت وكأنني أخرج من قوقعة. مع كل كيلوغرام أفقده، كانت ثقتي بنفسي تزداد، وبدأت أرى العالم من منظور مختلف تماماً. الآن، أشعر بسعادة ورضا لم أعهدهما من قبل، وأنا ممتن لكل ما مررت به، فهو جعلني أقدر قيمة الصحة الجسدية والنفسية أكثر من أي وقت مضى، خصوصاً النفسية، فقد كنت أبث الثقة بنفسي طوال الوقت، أمارس عادات صحية خصوصاً الرياضة والنوم المبكر، إضافة إلى الكلمات المحفزة التي كنت أحرص على سماعها».
تحويل المِحن إلى منح
أما لوجين صلاح فقد حولت إصابتها بالبهاق إلى رسالة تدعم غيرها من الأشخاص المصابين بهذا المرض: «البهاق من أكثر الأمراض التي يتعرّض المصابون به للتنمر، وبعد نجاحي في التشافي من الآلام النفسية التي أصبت بها بسبب هذا المرض، قررت مشاركة تجربتي على كافة الصُّعد، فالصحة النفسية هي العلاج الفعال لكل الأمراض، ولكنها تحتاج إلى فهم النفس وتعزيز صلتها بالوقت الذي يجب تقسيمه بين الرياضة والتأمل والتواصل مع الآخرين، وهذا لن يحدث إلا من خلال التركيز التام في التعافي والتخلص من الأعراض السلبية التي يسببها المرض، خصوصاً إذا كان مرئياً للناس، وألا ننغلق على أنفسنا، بل ندعم بعضنا بعضاً بأننا لسنا بمفردنا في هذا الشعور الذي يسيطر علينا، وأن هناك العديد من الأنشطة والقصص التي من الممكن أن نتشاركها سوياً».
التركيز على أهمية الصحة النفسية في الوقاية من الأمراض
من جهته يقول استشاري الطب النفسي الدكتور مصطفى النحاس: «التعافي هو أن يعرف المريض مشكلته الصحية، ويقوم بالتالي بعدد من التدريبات النفسية والبدنية ليتجاوز مرحلة الصدمة إلى مرحلة الاستشفاء. الصحة النفسية الإيجابية لا تساعدنا فقط على الشفاء من الأمراض، بل تسهم أيضاً في الوقاية منها. فالأشخاص الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة يميلون إلى اتباع عادات صحية مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على قسط كافٍ من النوم، ما يقلل من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة، وهذه النصائح نقولها مراراً وتكراراً، لكنهم لا يؤمنون بها إلا بعد استشعار الفرق بأنفسهم».