إقبال الرجال على عمليات التجميل.. تغيير للواقع يعزز الثقة بالنفس
لم يعُد الاهتمام بالمظهر عند بعض الرجال، كما كان في السابق، يرتبط بارتداء الملابس الأنيقة التي تحمل علامات تجارية مشهورة، أو امتلاك الساعات الثمينة، بل تطوّر الأمر ليصل إلى الرغبة في التجميل، ويتواجد في المراكز والعيادات التجميلية من يبحث عن شدّ الوجه، وتصغير الأنف، ونحت الجسم، وشفط الدهون، وغيرها من العمليات التي لم تعُد حكراً على النساء.
«كل الأسرة» تستعرض مع المختصين من جراحي التجميل وعلماء الاجتماع، أسباب إقبال بعض الرجال على عيادات التجميل، وتأثير ذلك في المجتمع، كما تناقش الأمر من زاوية دينية للتعرف إلى المواضع التي تكون فيها عمليات التجميل مقبولة شرعاً.
الدكتورة نهلة المنصوري، استشاري جراحة التجميل، تقول «يخضع الرجال لجراحة التجميل لأسباب متنوّعة، وغالباً ما تكون مرتبطة بدوافع شخصية، أو اجتماعية، أو مهنية، إما لتعزيز الثقة بالنفس، وإما تحسين جودة الحياة بشكل عام، ومن هذه الأسباب التقدم في العمر، وظهور التجاعيد، وترهّل الجلد، أو تراكم الدهون. وتعتبر عمليات شدّ الوجه، وجراحة الجفون، وحقن البوتوكس، شائعة للحفاظ على مظهر شبابي، إلى جانب نحت الجسم، وشفط الدهون، وشدّ البطن، بخاصة لأولئك الذين يسعون لتحقيق مظهر رياضي، ولا نستثني الضغوط المهنية والاجتماعية في بيئات العمل التنافسية، والتي يشعر بعض الرجال بأن الحفاظ على مظهر شاب وحيوي يساعدهم على البقاء لمدة أطول في عملهم».
نصائح لمن يعاني هوس التجميل
ثمة نصائح تقدمها الدكتورة نهلة المنصوري، للأشخاص الذين يعانون هوس جراحة التجميل:
- الإدراك الذاتي: خصّص وقتاً لتقييم دوافعك وراء الرغبة في الجراحة، وهل تسعى للحصول على قبول، أو تحاول التكيّف مع معايير المجتمع، أم أنك تعالج قضايا أعمق في المشاعر.. فهمُ دوافعك يمكن أن يساعد على توضيح احتياجاتك.
- التثقيف الذاتي: ابحث عن الإجراءات التي تفكر فيها بشكل شامل، وافهم المخاطر، وأوقات التعافي، والتكاليف، والنتائج المحتملة.
- فكّر في البدائل غير الجراحية: هناك العديد من الخيارات الأخرى، مثل الفيلر، والبوتوكس، أو علاجات العناية بالبشرة، لتجنّب مخاطر الجراحة.
- تحديد التوقعات: الجراحة يمكن أن تعزز المظهر، لكنها قد لا تحلّ القضية الأساسية المتعلقة بتقدير الذات، أو صورة الجسم.
- تجنّب المقارنات: قاوم الرغبة في مقارنة نفسك بالآخرين، بخاصة أولئك الذين تُظهرهم وسائل الإعلام، أو منصات التواصل الاجتماعي.
- ركّز على العناية الذاتية: الانخراط في أنشطة مثل ممارسة الرياضة، والهوايات، وقضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة الداعمين.
الرغبة في محو آثار الزمن
من جانبها، تعلّق الدكتورة ثناء ورد، استشارية الأمراض الجلدية والتجميل في مستشفى د. سليمان الحبيب، على الموضوع قائلة «بلا شك يُعد الجلد أكثر الأعضاء طلباً للتجميل، لكونه أول ما يعطي الانطباع لصاحبه، وأول ما تظهر عليه أيّ مشكلة داخلية من أعضاء الجسم، ولهذا السبب، تنطلق كثير من العمليات التجميلية من عيادات الجلدية. والحقيقة التي تتجلّى بوضوح هي انتشار العنصر الذكوري في تلك الأماكن، وهم أكثر طلباً لعمليات التجميل من ذي قبل، حيث أسهم الوجود في أماكن العمل، والرغبة في الحفاظ عليها، في تعزيز هذا الأمر، إلى جانب تأثير المحيطين الذين يدفعون البعض إلى عمليات التجميل، بحجة محو آثار الزمن. ومن أهم العمليات لدينا، والتي تجرى بأشعة الليزر هي تحديد شعر الذقن والرقبة، وحقن البوتكس والفيلر لتنعيم التجاعيد، والخطوط الدقيقة، في منطقة الجبهة، وحول العينين، وبين الحاجبين، إلى جانب زراعة الشعر، وشدّ البطن، وشدّ الوجه، وتجميل الأنف».
هناك أعمار يزيد فيها الإقبال على هذه العمليات، توضحها د. ثناء ورد «كان الإقبال في فترة زمنية سابقة يرجع إلى الرجال الأكبر سناً لمعالجة آثار التقدم في العمر وتجديد الشباب، إلا أنه مع انتشار الخدمات المقدمة، وسهولة الوصول إليها، بدا واضحاً إقبال الشباب، في العشرينات والثلاثينات، عليها، لكونهم أكثر طلباً لتحسين المظهر، ولتبدو أجسامهم في وضع ممشوق».
بماذا يفسر علم الاجتماع إقبال بعض الرجال على جراحات التجميل؟
تجيب الدكتورة خديجة البلوشي، أستاذ علم الاجتماع التطبيقي في جامعة الشارقة «انتشر في الآونة الأخيرة، إقبال متزايد من الرجال على الاهتمام بالمظهر، والمبالغة فيه. وقياساً على نتائج استطلاع رأي قمت به على عيّنة من الشباب بلغ عددهم 114 مفردة، جاءت نتائجه كالتالي: ترفض أغلبية العيّنة، بما نسبته 80%، عمليات التجميل للرجال جملة وتفصيلاً، بل وتُعده منقصة في حق الرجل، في حين رأى أقل من 10% أنها حرية شخصية، ولكلّ ما يريد، من جهة أخرى أجاب 10% منهم بأنه لا بأس بها، إذا لم تكن فيها مبالغة. وإذا قمنا بتفصيلها فمنها ما هو جائز، كعمليات علاج السّمنة، والتخلّص من الدهون، والجلد الزائد، أو كما هو الحال بمن يتعرّض لحادثة تؤدي إلى تشوّهه، أو كمن فيه عيب خلقي منذ الولادة، ويحتاج إلى تقويمه، وهذا يتوافق مع الفتاوى الشرعية التي نعتقدها».
من وجهة نظر شرعية، تحدثنا الدكتورة بشرى الجسمي، كبير مُفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، عن عمليات التجميل، فأجابت «أصل التجميل والعناية بالمظهر مشروع ومرغَّب فيه، لكن أحكامه تتفاوت بحسب اعتبارات كثيرة، ما فرض ضبطه بالضوابط الشرعية. والتغيير لخلق الله تعالى، المنهي عنه شرعاً «ولآمرنّهم فليغيّرن خلق الله»، وهو نوع من العبث، والأهواء، والشهوات التي تتلاعب بالناس، كما أن في بعض أنواع هذه العمليات تزويراً وغشاً وتدليساً».
وفي ما يتعلق بما أجازه الشرع في عمليات التجميل، تشير الدكتورة بشرى الجسمي «عمليات التجميل التي يكون الهدف منها علاج تداعيات حادث لإعادة شكل، أو وظيفة العضو السوية المعهودة، أو إزالة تشوّهات خلقية، أو عيوب، أو تقوّس، انحراف، جائزة شرعاً، كما يجوز إصلاح عيب، أو دمامة تسبب للشخص أذى عضوياً أو نفسياً، كما تضمّنت قرارات المجمع الفقهي الإسلامي الدولي. كما ذكر المجمع الفقهي أنه لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي، ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السويّة تبعاً للهوى، والرغبات في تقليد الآخرين».