من المواد المغشوشة إلى الخدمات المنزلية.. نصائح لتجنب الغش في عمليات التجميل
اضطرت إحدى السيدات إلى الخضوع لعدّة عمليات جراحية بعد أن تعرّضت لتشوّهات في شفتيها جرّاء حقن «فيلر دائم» غير معتمد، ما أدّى إلى تشكّل تكتّلات وصديد، على مدى سنوات. وفي حادثة أخرى، تعرّضت امرأة لتشوّهات في وجهها وصدرها، بعد تلقّيها حُقناً تجميلية في غرفة بفندق، حيث تم استخدام مواد مجهولة، وبأسعار زهيدة.
هذان النموذجان ليسا حالتين فرديّتين، بل هما جزء من ظاهرة نتيجة عمليات التجميل غير الآمنة، وتستهدف بعضها فئة الشابات دون الـ18 عاماً، كما سُجلت حالات مَرضية لأشخاص اضطر الأطباء إلى التدخل الجراحي لعلاج تشوّهات ناجمة عن هذه المواد، وأبرزها استخدام مادة «الفيلر الدائم». ويلفت بعض الأطباء إلى تجمعات نسائية في منزل إحدى الصديقات، أو في غرفة فندقية، للحصول على خدمات تجميلية كمجموعات، وغالباً بأسعار زهيدة، ما يضعنا أمام مضاعفات خطرة.
فماذا يقول القيّمون في هذا المجال، وما هي نصائحهم لتفادي الغش، وما الموقف القانوني من «تجّار الشنطة»؟
ممارسة الطب من دون ترخيص جريمة
فما هو الموقف القانوني لـ«تجارة التجميل»، كحقن البوتكس، أو الفيلر، وغيرها، من قبل أفراد غير مرخصين، وهل تشمل العقوبة الشخص الذي وقع عليه الضرر؟
تجيب المحامية شوق الكثيري عن هذه التساؤلات انطلاقاً مما هو مقرر في المادتين «4 و5» من القانون رقم 5/2019 في شأن مزاولة مهنة الطب البشري، إذ «لا يجوز لأي شخص مزاولة المهنة ما لم يكن مرخصاً له بذلك من الجهة المختصة، ويشترط في طالب الترخيص أن يكون حاصلاً على شهادة البكالوريوس، أو ما يعادلها، في الطب البشري، وأن تكون الشهادة معترفاً بها في الدولة، وأن يكون قد أمضى فترة الامتياز، وأن يكون حسن السير والسلوك، ولائقاً طبياً».
تضيف «ومن المقرر وفقاً لنص المادتين 25« و26» من القانون نفسه، أنه يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل عن مئتي ألف درهم، ولا تزيد على مليونَي درهم، أو إحدى هاتين العقوبتين، كل من زاول المهنة من دون الحصول على ترخيص، ولا تتوافر فيه شروط الحصول عليه، فإن كان تتوافر فيه شروط الحصول على الترخيص إلا إنه مارس المهنة من دون الحصول عليه، كانت العقوبة الغرامة التي لا تقل عن مئة ألف، ولا تزيد على مليون درهم».
إذا أدى الفعل إلى إحداث عاهة مستديمة أصبح الفاعل مرتكباً لجريمة الاعتداء على سلامة جسم الغير
وتوضح المحامية الكثيري «من ناحية أخرى، فإن ممارسة مثل هؤلاء للمهنة فعلياً من دون الحصول على الترخيص من الجهة المختصة يشكّل جريمة اعتداء على سلامة جسم الغير. فإذا أدى فعل مثل هؤلاء إلى وفاة المجني عليه، أصبح الفاعل مرتكباً لجريمة الاعتداء على سلامة جسم الغير ما أفضى إلى موته، المعاقب عليها بالسجن المؤقت الذي لا تزيد مدته على عشر سنوات، وفقاً للمادة 387 من قانون الجرائم والعقوبات، وإذا أدى الفعل إلى إحداث عاهة مستديمة أصبح الفاعل مرتكباً لجريمة الاعتداء على سلامة جسم الغير، ما أفضى إلى إحداث عاهة المعاقب عليها بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على خمس سنوات وفقاً للمادة 389، وإذا أدى فعله إلى مرض، أو عجز المجنى عليه عن ممارسة أعماله لمدة تزيد على عشرين يوماً، كانت العقوبة الحبس والغرامة وفقاً للمادة 390، وإذا كانت مدة العجز أو المرض تقل عن عشرين يوماً، فإن العقوبة هي الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة، والغرامة التي لا تزيد على 10000 درهم، وفي تلك الصور جميعاً لا يمكن مساءلة المجني عليه، لا بصفته فاعلاً أصلياً، ولا بصفته شريكاً».
«حاملو الشنط» وحُقن غير مراقبة
تتوقف الدكتورة سميحة لطفي، جرّاحة تجميل وطبيبة أمراض جلدية، عند استغلال بعض الأطباء، وبعض مراكز التجميل «الفئات غير الواعية، ومنها فئة الشباب تحت سن الـ18، حيث يقوم البعض بإجراء عمليات تجميل بأسعار رخيصة، بمواد غير مرخّصة أو مغشوشة»، لافتة إلى «حالات تشوّهات متعدّدة، حيث يمكن أن تتكوّن كتل في الوجه بسبب حَقن مواد مغشوشة، أو غير آمنة».
تشرح «بعض المواد تأتي من مصادر غير موثوقة، مثل المنتجات الصينية أو الكورية، وغير المرخّصة في الدولة، إضافة إلى خطر التعامل مع من يسمّون «حاملي الشنط»، «الذين يقومون بإجراء الحقن في الفنادق، أو الصالونات، باستخدام مواد غير مراقبة من قبل الجهات الصحية. وفي هذه الحالة، من الضروري أن يتأكد المراجع من معرفة الطبيب، والمواد المستخدمة، ويطلب توثيقاً يضمن سلامة الإجراء، مثل الحصول على «ملصق» المادة، ووضعه في الملف الشخصي، ومن المهم أن يسأل المراجع عن النتائج المتوقعة، ويطّلع على صور «قبل وبعد» من حالات سابقة، لضمان حصوله على نتائج مُرضية».
المشكلة لا تتوقف عند المواد غير المرخصة فقط، بل تمتد إلى استخدام أدوات غير معقمة، مثل أمواس الحلاقة
وتلفت د. سميحة لطفي إلى انخفاض أسعار الخدمات التجميلية عند بعض المراكز، حيث «إن بعض العيادات تقدم حقن الفيلر، أو البوتكس، بأسعار تبدأ من 100 إلى 500 درهم، ما يؤدي إلى انتشار مشاكل، مثل التشوّهات في الوجه، أو الأنف، والتي نراها كثيراً عندما يأتينا المراجعون الذين تعرضوا لهذه العمليات في عيادات غير متخصصة، ومن بينهم مريضة قامت بإجراء حقن بمواد دائمة في إحدى مناطق الجسم، وبعد فترة ظهرت التهابات وفطريات حول المنطقة المحقونة، نتيجة الإبر الدائمة التي تلقتها. وثمة حالات أخرى لتشوهات كبيرة في منطقة الصدر، حيث تم حقن مواد دائمة في الثدي استدعت إجراء عمليات جراحية معقدة لإزالة المواد المتكتلة. وقد احتاجت إحداهن إلى فتح العضلة لإزالة المادة بالكامل، وتؤدي مستقبلاً إلى مضاعفات خطرة مثل السرطان».
وتلقي د.سميحة مسؤولية التحقق من سلامة المواد المستخدمة على عاتق وزارة الصحة، والجهات المعنية، إذ «يتم التركيز غالباً على العيادات المرموقة من دون متابعة دقيقة للعيادات الأخرى، أو للأفراد الذين يقومون بالإجراءات التجميلية في أماكن غير مرخصة، مثل الفنادق، أو المنازل حيث المشكلة لا تتوقف عند المواد غير المرخصة فقط، بل تمتد إلى استخدام أدوات غير معقمة، مثل أمواس الحلاقة التي يتم استخدامها لأكثر من عميل في بعض الصالونات، أو المراكز، خلال جلسات إزالة الشعر بالليزر، ما يؤدي إلى انتشار الأمراض، مثل الفيروسات الجلدية، وحتى حالات الإيدز».
ومن هنا، ثمّة توجيهات تزوّدنا بها د.سميحة لطفي لجهة:
- التحقق من مصدر المواد المستخدمة وترخيصها، والتأكد من أن الطبيب مرخص، ومتخصص في مجاله.
- توعية المرضى بالمخاطر والتشوّهات المحتملة لاستخدام مواد دائمة، مقارنة بمواد الحقن المؤقتة.
- الابتعاد عن العيادات التي تقدم خدمات في أماكن غير مرخصة مثل الفنادق، أو الصالونات.
إغراء العروض و«الباكيج»
يتوقف الدكتور أنور الحمادي، استشاري أمراض جلدية، عند حالات لأشخاص قاموا بإجراءات حقن الفيلر في أماكن غير مرخصة، أو مع أطباء زائرين «البعض يعتقد أنه بمجرد التوقيع على استمارة قبل العملية، فهذا يعفي الطبيب، أو المركز من المسؤولية في حالة حدوث مضاعفات، وهذا غير صحيح، لأن التوقيع يوضح أنّ هناك احتمالات لبعض المضاعفات، ولكن ليست كل المضاعفات تعني أن الطبيب أو المنتج سيئ، فأحياناً، تكون هناك ردود فعل غير متوقعة من الجسم، ويجب الرجوع دوماً إلى المركز الذي تم فيه الإجراء في حال حدوث أيّ مشكلة».
بعض المراجعين يطلبون استخدام الفيلر في مناطق غير مناسبة بناء على تصوّر خاطئ بأن هذه الإجراءات ستجعل الجسم أكثر مثالية
ويرى د.الحمادي أن المشكلة الكبرى تكمن في ما يصفه بثقافة «اللاعلاج»: «بعض المرضى يعتقدون أن عليهم دائماً الخضوع لعلاج ما، عند زيارة الطبيب، حتى لو كانت بشرتهم لا تحتاج إلى أيّ تدخل، مع اعتقاد شائع بأن الوصول إلى سِن الثلاثين، أو الأربعين، يعني أن الوقت قد حان لبدء استخدام حقن التجميل»، مشيراً إلى أن «بعض المراجعين يطلبون استخدام الفيلر في مناطق غير مناسبة، مثل المؤخرة، بناء على تصوّر خاطئ بأن هذه الإجراءات ستجعل الجسم أكثر مثالية، ولكنّها إجراءات قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها».
لا يقتصر الغش على منتجات التجميل «بعض الأطباء قد يقترحون علاجات لا يحتاج إليها المريض، وإنما لتحقيق مكاسب مادية فقط، وما يزيد الطين بلّة، هو ضغط بعض المرضى على الطبيب للحصول على إجراءات معيّنة، حتى إن لم تكن ضرورية، إضافة إلى إغراء العروض و«الباكيج».
نصائح لتفادي الغش في عمليات التجميل
يقدم د.الحمادي بعض نصائح لتفادي الغش وأهمها:
- البحث عن الأطباء الموثوقين المرخّصين، واختيار المركز الطبي المرخص بناء على الثقة وسمعة الطبيب.
- عدم تقييم المركز بالأسعار المرتفعة: فالأغلى ليس بالضرورة الأفضل.
- التنبّه إلى أن الغش في مجال التجميل يأتي بأشكال متعدّدة، منها استخدام مواد أو أجهزة غير معتمدة، أو غير مناسبة لبشرة المريض.
- الابتعاد عن الدعاية المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، «ما كل ما يُسوَّق يُصدَّق».
- تصوير المنتج المستخدم في العلاج، أو التجميل، بخاصة إذا كان لدى المريض شكوك حول جودة المنتج، أو تعرّضه لمضاعفات جراء استخدامه.
زيت أطفال بدلاً من «الفيلر»
بدورها، عايشت الدكتورة مشاعل النابودة، جرّاحة التجميل والحروق والترميم في مستشفى القاسمي، الكثير من «ضحايا» الغش، إذا صحّ التعبير، بينهم «من لجأ لإجراء عمليات تجميلية غير مرخّصة باستخدام مواد ممنوعة في الدولة، أو تنفيذها من قبل «تجار الشنطة»، ما أدّى إلى التهابات وتفاعلات غير متوقعة ومعقدة، تتطلب التدخل الجراحي أكثر من مرة، لإزالة المواد المحقونة».
استخدام هذه المواد بشكل مفرط، وفي فترة زمنية قصيرة، يمكن أن يؤدي إلى الفشل الكلوي، ويزيد من حجم المخاطر
وتؤكد د.النابودة «إنّ معظم هذه الإجراءات تتم داخل المنازل، وتشمل حقن الفيلر، ومواد التعبئة، ومواد التفتيح، والفيتامينات، واللافت أنه حتى الفئات المثقفة والواعية تقع ضحية لهذه العمليات غير القانونية، مع عدم اتّباع الإجراءات التعقيمية المناسبة في الأماكن غير المرخصة»، لافتة إلى أن «استخدام هذه المواد بشكل مفرط، وفي فترة زمنية قصيرة، يمكن أن يؤدي إلى الفشل الكلوي، ويزيد من حجم المخاطر».
كما أنها تأسف لكون الضرر يدوم في بعض الحالات «حتى لو قمنا بعلاج الالتهاب، وإزالة المواد المحقونة جراحياً، قد تبقى بقايا من المواد في الجسم، وتؤدي إلى عودة الإصابة مع الوقت، ما يستدعي إجراء جراحات إضافية لإزالة المواد المتبقية».
وتروي د.النابودة عن امرأة تتمتع بجمال باهر خضعت لحقن مادة الفيلر في أحد الصالونات، وتم الكشف عن أن المادة المحقونة كانت عبارة عن «بيبي أويل»، أو زيت للأطفال، والأدهى أن تلك المريضة باتت تعمد إلى حقن نفسها بالكورتيزون لتقليل الالتهابات، ما ينمّ عن قلة الوعي، معترفة بأن شابات صغيرات يلجأن إلى «تجار الشنطة» للخضوع للتجميل، لكون الأطباء المرخصين يرفضون القيام بأيّ إجراءات تجميلية لهن ويقعن فريسة للحروق، والتحسّس الشديد، والتصبّغ.
وزارة الصحة.. إجراءات وقائية وعقوبات!
توجهنا إلى وزارة الصحة ووقاية المجتمع بأسئلتنا التي ترصد هذه المشكلة، وبالأخص حول الإجراءات التي تتخذها لضبط «تجار التجميل» الذين يقدمون خدمات حقن الفيلر والبوتوكس في المنازل دون ترخيص طبي، والعقوبات المترتبة على تقديم هذه الخدمات بشكل غير قانوني.
فقد أكدت وزارة الصحة وتنمية المجتمع، أنها تتخذ إجراءات صارمة لضبط ممارسات التجميل غير المرخصة، بما في ذلك تقديم خدمات حقن الفيلر والبوتكس في المنازل دون الحصول على التراخيص اللازمة لممارسة المهنة؛ ومن بين هذه الإجراءات:
1- التفتيش والرقابة: تنسّق الوزارة مع الجهات المعنية الأخرى، مثل الدوائر المحلية، لتنفيذ حملات تفتيشية دورية ومفاجئة على المنشآت الطبية للتأكد من اتباع الممارسات المعتمدة.
2- التوعية العامة: تعمل الوزارة على تعزيز وعي أفراد المجتمع بمخاطر اللجوء إلى غير المختصين للحصول على هذه الخدمات خارج المنشآت الطبية المرخصة. حيث تُحذّر الوزارة من القيام بإجراءات تجميلية من قبل أشخاص غير مرخصين في المنازل، ما قد يسبب مضاعفات صحية.
3- البلاغات والتواصل: تتيح الوزارة قنوات للإبلاغ عن المخالفات الصحية، بما في ذلك الممارسات التجميلية غير المرخصة، وتشجع أفراد المجتمع على التواصل وتقديم الشكاوى عند التعرض لأي ممارسات صحية خاطئة، وذلك من خلال الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة ووقاية المجتمع mohap.gov.ae أو التطبيق الذكي، أو الخط الساخن على مدار الساعة 80011111، وجميعها توفر آليات للتواصل لحفظ حقوق المرضى والمتعاملين.
4- بشأن متابعة الوزارة العقوبات المترتبة على تقديم هذه الخدمات بشكل غير قانوني، فإنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، تعمل على تطبيق العقوبات على الأفراد والمنشآت الطبية المخالفة، بما في ذلك تغريمهم، أو سحب التراخيص، وتحويل حالات إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية. وتهدف هذه الإجراءات للحفاظ على سلامة المجتمع، وضمان أن تتم الخدمات التجميلية وفق معايير طبية معتمدة.
وتوصي وزارة الصحة ووقاية المجتمع بإجراءات وقائية للأفراد الذين يرغبون في القيام بإجراءات تجميلية لضمان سلامتهم وصحتهم؛ ومنها:
- عدم الانسياق وراء إعلانات مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي التي تروج لحقن تجميلية في المنازل.
- التعامل مع أطباء متخصصين وجرّاحين.
- إجراء العمليات التجميلية في منشآت صحية مرخصة تتوفر بها جميع مقومات السلامة ومكافحة العدوى والإسعافات الأولية، لضمان تدخل عاجل إذا طرأت أي مضاعفات صحية.
* تصوير: السيد رمضان
اقرأ أيضاً: بسبب التوقعات المبالغ فيها.. عمليات تجميل تتحول إلى كارثة تجميل