هاجس تخشاه النساء، خاصة من تتقدم بهنّ الأعمار، وهو اكتشاف الإصابة بالأورام، إلا أن هناك منها ما لا يستدعي الخوف، مثل الورم الليفي الذي يصيب الرحم، فقد أثبتت بعض الدراسات أن الأورام الليفية في الرحم حميدة، أو غير سرطانية بنسبة 99%، وتتميز ببطء نموّها، ونادراً ما تتحوّل إلى خلايا سرطانية.
تحدثنا الدكتورة نهلة عبد الرزاق كاظم، مدير الحفاظ على الخصوبة للإناث والذكور، في مركز بورن هول للإخصاب- ميديكلينك العين، واستشارية في الطب التناسلي والعقم، عن تلك الأورام، وتقول «الأورام الليفية، هي نمو غير سرطاني في الرحم، تكون غالباً عبارة عن تضخم في الأنسجة العضلية والليفية، وهناك 7 عوامل قد تزيد خطر الإصابة بالأورام الليفية، هي:
العمر: تزداد احتمالية الإصابة بالأورام الليفية مع تقدم العمر، غالباً خلال السنوات الإنجابية، إذ تصل ذروتها عند النساء في الثلاثينيات والأربعينيات من العمر.
العرق: يُعتقد أن النساء من أصل أفريقي أكثر عرضة للإصابة بالأورام الليفية من النساء من أصول أخرى.
التاريخ العائلي والعامل الوراثي: إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بالأورام الليفية، فقد يكون هناك خطر متزايد للإصابة.
التدخين: يُعتقد أن التدخين قد يزيد من خطر الإصابة بالأورام الليفية.
السمنة: قد تزيد السمنة من خطر الإصابة بالأورام الليفية، بخاصة عند النساء اللاتي لديهن تاريخ عائلي للإصابة.
الهرمونات: يلعب هرمون الإستروجين دواراً رئيسياً في نمو الأورام الليفية، حيث إن زيادة مستوياته يمكن أن تحفز نمو الأورام.
العوامل البيئية: تشير بعض الدراسات إلى أن بعض العوامل البيئية، مثل التعرض للمبيدات الحشرية أو المواد الكيميائية الأخرى، قد تسهم في نمو الأورام الليفية.
الأورام الليفية في معظم الأحوال غير سرطانية إلا أنها يمكن أن تسبب أعراضاً مزعجة ومؤلمة للعديد من النساء
وعن الأعراض الشائعة التي تدرك بها المرأة وجود مشكلة في رحمها، توضح د.نهلة «الأورام الليفية قد تكون صغيرة جداً، وغير ملحوظة، أو كبيرة جداً، مصاحبة بأعراض، متفاوتة الشدّة، ويمكنها أن تنمو بشكل منفرد، أو متعدد، في الرحم. وعلى الرغم من كونها في معظم الأحوال غير سرطانية، إلا أنها يمكن أن تسبب أعراضاً مزعجة ومؤلمة للعديد من النساء، على حسب نوعها، وموضعها، وحجمها، فقد يؤدي نموها إلى نزيف مهبلي حاد غير طبيعي، بخاصة أثناء الدورة الشهرية، ما يؤدي إلى فقر الدم، كما قد توجد الآم المزمنة في أسفل البطن، أو الظهر، مع تفاقم الأعراض أثناء الحيض، أو الجماع، أما نموها في اتجاه المثانة والضغط عليها، فقد يؤدي إلى تكرار التبوّل، أو صعوبة فيه، إضافة إلى ذلك، قد تؤدي إلى ضغط على الأمعاء، ومشاكل الإمساك المزمن، أو الشعور بالامتلاء، كما قد تؤثر تليّفات الرحم في الخصوبة، وقدرة المرأة على الحمل، أو تأخر الإنجاب، أو الإجهاضات المتكررة، أو الولادات المبكرة».
كيف يتكوّن الورم الليفي؟
وبسؤالها على ماذا يتغذى الورم الليفي، وهل يمكن أن يختفي من تلقاء نفسه؟، أجابت «نظراً لأنه لا أحد يعرف، على وجه اليقين، ما الذي يسبب الأورام الليفية، فإننا أيضاً لا نعرف ما الذي يسبب نموّها، أو تقلّصها، إلا أنها خاضعة للسيطرة الهرمونية (الإستروجين والبروجستيرون)، وهي تنمو بسرعة أثناء الحمل، عندما تكون مستويات الهرمون مرتفعة، وتتقلص بعد الولادة، أو ما بعد انقطاع الدورة الشهرية في سن اليأس. فعند وصول المرأة إلى عمر 45 عاماً تقريباً، يتوقف المبيضان عن إنتاج البويضة، وتبدأ مستويات هرمون الإستروجين الانخفاض، ما يقلّص الأورام الليفية وقد تختفي، ومع ذلك، قد تستغرق هذه العملية بعض الوقت، ولا تزال العديد من النساء في سن اليأس يعانين استمرارية مشاكل آلام الحوض، والنزيف».
هل يتحول تليّف الرحم إلى سرطان؟
الأورام الليفية في الرحم حميدة، أو غير سرطانية بنسبة 99%، وتتميز ببطء نموّها، ونادراً ما تتحوّل إلى خلايا سرطانية، أما الساركوما العضلية الملساء (Leiomyosarcoma) فهي ورم سريع النموّ، وفرصة حدوثه 1%.
وفي استعراض لحجم الورم الليفي الطبيعي في الرحم، تشير، د. نهلة كاظم استشارية الطب التناسلي والعقم ، إلى أن «الحجم يكون متفاوتاً، فقد سجل وزن أكبر ورم ليفي في العالم أكثر من 63.5 كجم، أما الرقم القياسي العالمي الحالي لموسوعة غينيس لأكبر عدد من الأورام الليفية التي تمت إزالتها من مريضة واحدة فهو 236. وهناك ورم ليفي صغير - طوله أقل من 1-5 سم، وورم ليفي متوسط الحجم من 5 سم – 10 سم، وورم ليفي كبير من 10 سم، أو أكثر، في حين يُمكن أن يبقى حجم الورم الليفي في الرحم صغيراً جداً لفترة طويلة، ومن ثم ينمو فجأة، وبشكل سريع، أو أن يبقى نموه ببطء على مدار عدة سنوات، ومع نموّه يمكن أن يحدث تشوّه في الجزء الداخلي والخارجي من الرحم، مع انتفاخ وكبر حجم البطن، وحدوث المضاعفات المذكورة سابقاً».
التأثير النفسي لأورام الرحم في المريضة
تبيّن د. نهلة «تُؤثر الأورام الليفية في الصحة النفسية للنساء بطرق مختلفة، فقد تسبب الأعراض الجسدية، مثل الألم، والنزيف، الشعور بالإرهاق، والضعف على مستوى الطاقة، والنشاط اليومي، والتردّد في المشاركة في الأنشطة المهنية، أو الاجتماعية، أو الأسرية، كما قد تؤدي إلى الشعور بالقلق والتوتر، مع مخاوف من تطور الحالة، وإمكانية تحوّلها إلى أورام سرطانية».
وتضيف «وبلا شك تحتاج النساء المصابات بالأورام الليفية إلى دعم نفسي قوي من عدة جوانب، في محاولة لمواجهة التحدّيات التي يتعرضن لها، كما أن طبيب أمراض النساء يستطيع تقليل الإرهاق والارتباك بالشرح التفصيلي لفهم طبيعة الأورام الليفية، وأسبابها، وأعراضها، وطرق علاجها، وإعطاء جميع اختيارات العلاج الداعم ونمط الحياة، ويمكن أيضاً للأخصائي النفسي أن يلعب دوراً هاماً في تقديم الدعم لصحتهنّ العقلية، وتقديم استراتيجيات للتكيّف مع التغيّرات الجسدية والنفسية».
كيف يمكن التخلص من الورم الليفي بدون جراحة؟
توضح د. نهلة «يُعدّ اختيار العلاج الجراحي قراراً صعباً يتطلب مشورة طبيب مختص، إذ يتم النظر في عوامل عدة، بما في ذلك حجم الأورام الليفية، وموقعها، ورغبة المريضة في الإنجاب مستقبلاً، كما أن جميع العلاجات تحمل في طيّها مخاطر وفوائد، ويقع على عاتق الطبيب المختص التحدث إلى المريضة بشأنها، بخاصة في حال كانت ترغب في الحفاظ على قدرتها على الحمل، ففي هذه الحالة يُوصَى بإجراء تقييم خصوبة كامل، قبل اتخاذ قرار بخطة علاج للأورام الليفية، من أجل تخفيف الأعراض وتحسين نوعية الحياة، ومن أهم خيارات العلاج الطبي:
- الأدوية المضادة للالتهابات: لتخفيف الآلام.
- هرمونات تنظيم الدورة الشهرية: لتقليل النزيف المهبلي.
- أدوية وحقن هرمونية: لوقف نمو الأورام الليفية أو تصغيرها.
- أدوية علاج العقم: للإنجاب ولمن يُعانين صعوبة أو تأخر الحمل.
قد لا يكون العلاج الطبي فعالًا في جميع الحالات، وقد يلزم اللجوء إلى العلاج الجراحي، ويعتمد القرار على مجموعة من العوامل، توضحها د. نهلة كاظم:
- حجم وموقع الورم، وما إذا كان كبيراً، أو يؤثر في وظيفة الرحم.
- شدّة الأعراض مثل النزيف أو الألم.
- العمر والرغبة في الإنجاب.
- الوضع الصحي العام للمرأة.
استئصال الأورام الليفية بالمنظار والجراحات الروبوتية
تشرح د. نهلة «تتميز هذه الإجراءات بقِصر مدة التعافي، وقلة المضاعفات، مقارنة بالجراحة المفتوحة التقليدية، ومن أهم خياراتها:
استئصال الأورام الليفية: يتم فيه إزالة الأورام الليفية فقط، من دون إزالة الرحم.
استئصال الرحم: تتم فيه إزالة الرحم بالكامل، وهو الخيار النهائي في حال فشل العلاج الطبي أو الجراحي، ويفضل هذه الطريقة للسيدات اللاتي لديهن أطفال، ولا يرغبن في الإنجاب».
أما عن الأعراض الشائعة بعد إزالة الورم الليفي «تستأنف الكثيرات أنشطتهن العادية في غضون أسابيع، بعد إجراء عملية الاستئصال بالمنظار، أو إجراءات جراحية قليلة التوغل، وبشكل عام، تحتاج المريضة إلى مدة أقصاها 6 أسابيع للتشافي، وقد تحدث بعض المضاعفات مثل الالتهابات، أو الالتصاقات، أو انخفاض تدفق الدم إلى المبيضَين، أو غيرهما من أعضاء الجسم، وقد يتسبب بهبوط نسبة الخصوبة، ويعرض المريضة لفرصة انقطاع الطمث المبكر، لذلك يتم تقييم الفريق الجراحي لعوامل الخطورة لدى المريضة قبل إجراء الجراحة».
وتقدم الدكتورة نهلة كاظم نصائح لتغيير نمط الحياة، تجنباً للإصابة بهذه الأورام «على الرغم من عدم وجود طريقة مؤكدة لمنع الأورام الليفية تماماً، فقد تساعد بعض العادات الصحية على تقليل خطر الإصابة بها، ومنها:
- الحفاظ على الوزن الصحي.
- اتّباع نظام غذائي صحي غني بالفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والتقليل من اللحوم الحمراء.
- ممارسة الرياضة بانتظام.
- الامتناع عن العادات السيئة الأخرى، كالتدخين وشرب الكحول».