هل يمكن للأهل أن يورثوا أبناءهم أمراضهم واضطراباتهم النفسية، وكيف السبيل لحمايتهم؟ أسئلة قد تقود الأهل إلى اتّباع استراتيجيات تخفف من إصابة الأبناء باضطرابات نفسية ذات جذور عائلية. في هذا المقال، نتعرف إلى تأثير الجينات والعوامل البيئية في الصحة النفسية، والآليات العلمية للوقاية من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالوراثة. يجيب الدكتور وليد العمر، أخصائي الطب النفسي في مستشفى ميدكير الشارقة، عن أهم التساؤلات المتعلقة بتوريث الأمراض النفسية من الأهل، أو العائلة الممتدة، وتأثير التكوين الوراثي والعوامل البيئية في الصحة النفسية، ونتعرّف منه إلى طرق الوقاية، النصائح العملية للأهل، وأهمية الدعم النفسي العائلي لتحقيق التوازن النفسي للأبناء.
يعرّف الدكتور وليد العمر، أخصائي الطب النفسي، الاضطرابات أو الأمراض النفسية التي يمكن أن تكون وراثية، استناداً إلى أبحاث أجريت في هذا الصدد: «تشير الأبحاث إلى أن بعض الاضطرابات النفسية قد تكون لها عوامل وراثية، أي أنها قد تنتقل بين أفراد العائلة. من هذه الاضطرابات: الاكتئاب، واضطراب القلق، واضطراب ثنائي القطب، والفصام، واضطرابات الأكل، مثل القهم العصابي (فقد الشهية العصبي)، واضطراب الوسواس القهري، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، واضطراب طيف التوحد. ومع ذلك، قد تختلف شدة الأعراض وظهورها بين الأفراد».
يؤثر التكوين الوراثي في احتمالية إصابة الأبناء بأمراض نفسية مشابهة لما لدى أحد الوالدين، أو أفراد العائلة. يوضح د.العمر: «التكوين الوراثي يمكن أن يزيد من احتمالية إصابة الأبناء بأمراض نفسية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم سيصابون بها. فإذا كان أحد الوالدين، أو كلاهما، مصاباً باضطراب نفسي، فإن الأبناء قد يرثون مجموعة من الجينات التي تجعلهم أكثر عرضة للإصابة. مع ذلك، يبقى التأثير الوراثي نسبياً، ويعتمد على تفاعل العوامل البيئية والنفسية معه».
بيد أن ثمة عوامل اجتماعية تربوية، أو حتى بيئية، قد تزيد من احتمالية الإصابة. يؤكد د.العمر هذه المعلومة: «العوامل الاجتماعية والبيئية تلعب دوراً مهماً في زيادة احتمالية الإصابة باضطرابات نفسية، خاصة لدى الأفراد الذين لديهم استعداد وراثي».
ومن بين العوامل التي يمكن أن تزيد من خطر تطور الاضطراب، أو تعجل بظهوره:
- التعرّض للصدمات النفسية، مثل فقدان شخص عزيز.
- سوء المعاملة أو الإهمال في الطفولة.
- الضغوط الأكاديمية أو المهنية.
في هذا الجانب، يقع على الأهل الدور الوقائي، عبر تخفيف أعراض الإصابة باضطراب، أو مرض نفسي، في حال كانوا على علم بوجود تاريخ عائلي للمرض، أو الاضطراب، داخل العائلة. يقول أخصائي الطب النفسي: «لا يمكن تجنب جميع المخاطر الوراثية، لكن يمكن تقليلها من خلال اتّباع أساليب وقائية، وجملة استراتيجيات داعمة».
يقدم د. العمر بعض هذه الاستراتيجيات:
- الوعي والتثقيف: فهم الاضطراب النفسي وتاريخه العائلي، وكيفية تأثيره.
- دعم الطفل نفسياً وتوفير بيئة إيجابية ومستقرة له بعيداً عن التوتر.
- تعليم الطفل مهارات التعامل مع الضغوط.
- تشجيع الطفل على تطوير عادات صحية، مثل ممارسة الرياضة، والحفاظ على روتين نوم جيد، وتقديم الدعم الاجتماعي المناسب له.
- التواصل المفتوح: إبقاء الحوار مفتوحاً مع الطفل و توفير مساحة آمنة للتعبير عن مشاعره.
- متابعة الأعراض وعلامات المرض أو الاضطراب النفسي بشكل مبكر، وطلب الدعم الطبي في حال ظهور أيّ علامات قد تشير إلى وجود اضطراب نفسي، مثل القلق، أو الاكتئاب، بخاصة إذا كانت الأعراض متكررة.
ولكن هل هناك علاجات، نفسية أو سلوكية، تقلل من تأثير العوامل الوراثية للأمراض النفسية؟
يجيب د.العمر: «نعم، العلاجات النفسية، مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، وغيره من العلاجات، قد تساعد الأفراد على تطوير مهارات التعامل مع القلق والتوتر، ما يقلل من تأثير العوامل الوراثية. كما أن التدخل المبكر في حال ظهور أعراض يساعد على تحسين التشخيص، ويقلل من تأثير الاضطراب. العلاج السلوكي يمكن أن يكون مفيداً للأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي، لتطوير مهارات نفسية صحية قبل تطور الاضطراب».
ويبقى الدور الأكبر على الأهل عبر اتّباع طرق لتقديم الدعم النفسي والعاطفي، يستعرضها د.العمر:
- التفهم والتعاطف: تجنب الحكم على الشخص والاستماع له بإيجابية.
- المشاركة في الأنشطة: المشاركة في أنشطة مشتركة يمكن أن تخفف التوتر وتبني علاقة قوية.
- التشجيع على العلاج: تشجيع الفرد على طلب الدعم، الطبي أو النفسي، إذا احتاج إليه.
- التفكير في الحلول العملية: تقديم دعم عملي مثل المساعدة على تنظيم يومه، أو المشاركة في إدارة الضغوط اليومية.