05 مارس 2025

هل السمنة مرادفة للكسل والشراهة بينما النحافة مرادفة للكفاءة والجاذبية؟

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

يبدو أن رهاب السمنة يطال النساء على وجه الخصوص، إلا أنه يطال الجميع في واقع الأمر. كما أن النفور أحياناً، والأفكار المسبقة التي تطالهم عن خطأ تشكّل أساس نوع من التمييز المقصود، أو غير المقصود.

مجلة كل الأسرة

بيد أن محاربة رهاب السمنة لا يعني كيل المديح للسمنة، بل إن المسعى الذي أراده المؤلف «إيديث بيرنييه» في كتابه «وحتى لو كنت سمينة...»، هو إرساء تعايش مطلوب بين أجسام تختلف من حيث الشكل، والمظهر، على صورة سائر أنواع الاختلاف في المجتمع.

مجلة كل الأسرة

رهاب السمنة

رهاب السمنة لا يعني الخوف من الأشخاص السِّمان، كما رهاب الأماكن المغلقة يعني الخوف من الأماكن المغلقة، فكلمة رهاب هنا تشير أيضاً إلى «نفور شديد من شخص ما». يطال رهاب السمنة كل واحد منا، ويكفي أن ندرك ما يحيط بنا حتى نكون متأثرين به، سواء أكان الأمر بوعي منا، أم من دون وعي.

باختصار، يصدر رهاب السمنة عن تعزيز النحافة حتى جعلها النموذج المثالي الذي يجب أن يحتذي به الجميع، ما فتح الباب أمام ثقافة الحمية الغذائية، والإعابة على الأشخاص السِّمان. فبعد رفع النحافة إلى مرتبة علامة مميّزة، ورافعة للجمال والنجاح، وسواهما من السّمات الأنثوية الإيجابية، ولدت ثقافة الحمية. وقد أدت هذه الأخيرة إلى تشجيع الفكرة القائلة إن كل الوسائل متاحة حتى يصير المرء نحيفاً ويبلغ الرشاقة المطلوبة التي تحقق له الإعجاب.

فكان رهاب السمنة هو النتيجة المنطقية لهذا السعي المحموم إلى النحافة في المجتمع. وبهذا المعنى، يكون كل شخص سمين يرفض أن يفرض على نفسه حرماناً، أو لا يتوق إلى النحافة، شخصاً منبوذاً ومستبعداً. وثقافة النحافة والحمية هي التي تجعل صفحات المجلات والمواقع الاجتماعية مغطاة بوصفات، وتمارين، وحميات عجائبية، في سبيل خسارة عشرة كيلوغرامات شهرياً، ما يؤدي إلى بيع وصفات «التحوُّل الجمالي»، و«التحوّلات الكبيرة» وخسارة الوزن المذهلة، لهذه النجمة، أو تلك.

قد يكون من الصعب رسم الحدود بين ثقافة النحافة، وثقافة الحمية، والتمييز تجاه الأشخاص السِّمان. ففي أغلب الأحيان، نجد أن الثلاثة مترابطين. فرهاب السمنة هو ظاهرة اتخذت اسماً خاصاً بها، وتتبدى من خلال رفض ناشط، أو واعٍ، إلى هذا الحد أو ذاك، للأشخاص السمينين. بيد أن الدفاع عن النحافة ومديحها، وجعلها الأسلوب الطبيعي لنمط العيش مع الحميات التي ترافقها، هو كذلك جزء من الموقف الذهني ذاته. وكل هذه المراحل قد أوصلت، بشكل حتمي، إلى رهاب السّمنة، بما أن الدعاية تنصب على تعزيز النحافة كالمثال الأعلى، وبلوغها بأي ثمن، مهما كانت الوسائل لذلك، مع استبعاد الأشخاص السِّمان بمختلف الطرق.

وهذا يعني أن تلك الظواهر الثلاث تمارس تأثيراتها في العديد من القرارات، من الأكثرها تفاهة، إلى الأكثرها أهمية، من اختيار الملابس، إلى اختيار المهنة.

مجلة كل الأسرة

الحضور الدائم لثقافة النحافة والحمية الغذائية

سواء أراد أصحاب الوزن الزائد، أو لا، فهم يتلقون طيلة يومهم نصائح لم يطلبوها، من الحمية التي صنعت العجائب مع فلان السنة الماضية، إلى قائمة التمارين المزيلة للدهون على البطن، مروراً بأولئك الذين يبيعون وصفات للتخسيس في نظام تسويقي متعدّد المستويات، على شبكة الإنترنت.

لدى كل الناس تقريباً، رأي حول سبب السمنة عند البعض. والقليل من الناس يرون فائدة في الاحتفاظ بآرائهم لأنفسهم، بل يرون أن التعبير عنها عمل جيد، لأن الجميع يجب أن يتطلع إلى أن يكون نحيفاً، فالسمنة يجب ألّا تكون سوى حالة مؤقتة يمكن إيجاد حل لها.

ويُعد الاحتفال بخسارة الوزن من مكوّنات ثقافة النحافة، والحميات. يدل على هذا صور «ما قبل-ما بعد»، وإعلانات وبرامج منحفة، تسهم في تعزيز الفكرة القائلة بأن الوزن «الزائد كثيراً» يتصل بمسؤولية شخصية بالكامل، في حين أننا نعلم أن الأمر ليس كذلك.

وترى ثقافة الحمية أن كل شخص سمين هو حالة «ما قبل»، تستدعي أن تصير «ما بعد»، كما لو أن الجسم السمين هو شيء يجب أن يتم تغييره تلقائياً، وأن كل سمين في العالم يتطلع إلى أن يصير نحيفاً.

مجلة كل الأسرة

المواقف المتصلة برهاب السمنة

في ما يتعدى التعريف برهاب السمنة، يتعيّن أن نرى كيف يظهر هذا الرهاب على أرض الواقع، وكيف يُعاش.

السلوك المرافق لرهاب السمنة يُمارس في الواقع عبر النظر إلى الأشخاص السِّمان بطريقة أقلّ جدية، وأقلّ احتراماً، فهم يحظون بفرص عمل أقلّ، وبعناية أقل، كما أنهم يجدون صعوبة في العثور على شريك، كما في الحصول على ملابس تليق بهم، وتروق لهم.

ورهاب السمنة هو أيضاً ما يجعل أحد القرارات التي تؤخذ في رأس السنة هو قرار خسارة الوزن، مع ما يرافقه من قرارات «النمط الغذائي الأفضل»، و«ممارسة الرياضة». يخضع كل واحد منا لتأثيرات رهاب السمنة، لأن هذا الأخير يلوِّن الكثير ممّا نسمعه من حولنا. فغالباً ما تكون الإعلانات مثلاً معادية للسمنة، لكننا غالباً لا نشعر بضرر آليات التسويق هذه، لأننا استَبْطنّا فكرة أن السِّمان هم أشخاص «غير متأقلمين»، وعليهم بالضرورة، أن يتوقوا بقوة إلى «ما هو أفضل».

ثمة مترتبات عدة تنجم عن كل ألوان ثقافة النحافة، و/أو رهاب السمنة، نذكر منها: الضغط حتى نصير أكثر نحافة ممّا نحن عليه، أو ضرورة بقائنا على هذه الشاكلة، أو الشعور العام بعدم التأقلم الذي قد نحسّ به حين لا يكون جسمنا مناسباً للكراسي، أو للبنى التحتية التي نتحرك فيها يومياً، أو للملابس التي نراها على أغلبية واجهات المحال.

مجلة كل الأسرة

هل يمكن أن أكون سميناً وأعاني رهاب السمنة في وقت واحد؟

بالتأكيد، للأسف. إنه لنوع من رهاب السمنة حين نعتبر أن قيمتنا، أو جمالنا، أو فضائلنا، تتضاءل كلما زاد وزننا. وهذا أمر يتصل برهاب السمنة المستبطن، فهذه الطريقة بالتفكير ليست حكراً على النحفاء. ويبدو أن هذا الاستبطان مرتبط بتغييرات سلبية تطال الصحة. والمؤسف في الأمر، أن نرى أيّ درجة بلغها الأشخاص السِّمان في انتقاد أنفسهم، والناس الذين يشبهونهم. ومن الصعب في الحقيقة ألا يكونوا غير هذا، بعد أن تعرضوا إلى قصف الرسائل الإعلانية التي تقول إن السمنة مرادفة للتعثر، والكسل، والشراهة، والغباء، ترافقها رسائل تقدم النحافة على أنها الشكل «العادي»، وهي مرادفة للذكاء، والكفاءة، والجاذبية، إلخ.

صحيح أن التمييز والعدائية تجاه الأشخاص ليست بالظواهر الحديثة، فثمة آثار لها يمكن أن تعود إلى قرون عدّة، إلا أن هذا الوعي المتطرف وهذه الإعابة المرتبطة بالوزن تعدّ من الظواهر الحديثة، إضافة إلى التنديد بالسمنة بطريقة لافتة، وكثيفة، والتي صارت جزءاً من أشكال التمييز في المجال العام.

وحين يترسخ رهاب السمنة عميقاً لدى الناس، لا سيّما بعد سنوات من «غسل الدماغ» بمفاهيم النحافة والحمية، يصير الحكم السلبي على الأشخاص السِّمان أمراً طبيعياً في نظر الجميع. وهذا ما يجعل رهاب السمنة يتبدى على شكل اعتداءات شديدة الصغر، كتلك الحركات التي قد تبدو بلا معنى، لتصير مع الوقت، ومع التكرار مصدر إهانة وتعب بالنسبة إلى من يتلقاها، يوماً إثر يوم، وأحياناً من سنوات عدة.

وقد تأتي هذه الاعتداءات الشديدة الصغر على طريقة الإطراء على الشخص الوحيد السمين في قاعة الرياضة، انطلاقاً من الظن أنه قد جاء من أجل أن يخسر وزناً، أو تشجيع الشخص السمين الذي يمارس الرياضة، ظناً منّا أنه يحاول أن يبذل جهداً لتغيير وضعه.

أضف إلى هذا النظرات اللحوحة أو الناقدة لمحتوى طبق الشخص السمين في المطعم. فإذا ما تناول سلطة نستنتج أنه يبذل جهوداً، وإذا ما تناول طعاماً دسماً نستنتج أن خياراته الغذائية «السيئة» هي التي جعلت منه ما هو عليه. كما لو أنه لا توجد أسباب أخرى!