10 مارس 2025

د. باسمة يونس تكتب: بين لذّة الطعام وقسوة الحِمية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

مجلة كل الأسرة

هل لاحظت أن نصف العالم يطبخ، ونصفه الآخر يبكي من السّمنة؟

افتح أيّ تطبيق على هاتفك، ستجد سيلاً لا ينتهي من مقاطع وصْفات طعام مذهلة، يد تضع الزبدة بسخاء، وأخرى ترشّ السكّر كما لو أنها تنثر السعادة، والجميع يقولون: يمكنكم تعديل المقادير لتكون صحيّة أكثر، لكنهم يضيفون نصف كيلوغرام من الجبن فوق الزبدة لتصبح الوصفة ألذ. والأغرب من ذلك، أن الجميع باتوا يطبخون، فنرى رياضيين، ومؤثرين، وأمّهات، وجدّات، وأطفالاً، وحتى رجال أعمال، يدخلون المطابخ ليقدّموا لنا وصفاتهم السحرية.

وبالطبع، لا ننسى الفيديوهات التي تعرض أيدي مجهولة لتصنع أمامنا أكثر بيتزا مثالية، أو كعكة تتوهّج بالألوان، وأخرى مخبوزة بعناية، كأنها كنز من الكنوز الأسطورية.. كل هذا يحدث بينما أنت تجلس على أريكتك، تقلّب بين المأكولات، وتفكّر: ماذا سآكل الليلة لأخمد جوعي المستعِر؟

وبينما يستمر مهرجان الطبخ بلا توقف، هناك زاوية أخرى من الإنترنت يعيش روادها، وساكنوها، مأساة معاكسة تماماً، إنهم أشخاص يعانون، ويبكون، ويشكون، كأنهم في ساحة معركة، سلاحهم الوحيد فيها هو الميزان، وهؤلاء هم الذين وقعوا ضحايا لمقاطع الطعام اللانهائية، والآن يبحثون، بيأس، عن أيّ وصفة سحرية لإنقاص الوزن، ويطلبون المساعدة، كأنهم في نداء استغاثة: رجاء، أريد وصفة تنقصني 10 كيلوغرامات في أسبوع!

وتتكرر المشاهد المألوفة، شخص ينظر بحزن إلى قطعة كعك، يتنفس بعمق، ثم يقرّر أن يلتزم بالسلَطة مرة أخرى، ليجد نفسه بعد ساعة، فقط، يشاهد فيديو تحضير كنافة شهية يقطر منها العسل. كأن الإنترنت ينصب له فخاً لا مفرّ منه عندما يسأله: هل جرّبت هذه الوصفة للباستا الكريمية التي ستغيّر حياتك؟.. إنه كابوس لا ينتهي.

إنه صراع أزليّ بين الرغبة في الاستمتاع بلذّة الطعام، والخوف من الميزان، وبينما يحاول البعض اتّباع حِمية صارمة، يستمر العالم في طهي المزيد من الأطباق الشهية، كأن هناك مؤامرة سرية تهدف إلى إغواء الجميع. إنه سباق غير متكافئ، طرف يستخدم السكّر والزبدة، والطرف الآخر يعتمد على الصبر، والإرادة الحديدية التي كثيراً ما تنهار أمام قطعة بيتزا ساخنة.

وهنا يتجلى السؤال العظيم: هل يمكن تحقيق التوازن؟

الحقيقة أن العالم لن يتوقف عن الطهي، والفيديوهات لن تكفّ عن إغوائنا، ولن نوقف جوع منتصف الليل، وربما الحل ليس في الحِميات القاسية، أو الاستسلام التام للأكل، بل في الاستمتاع من دون إفراط.

ربما يكون الحل في أن نطبخ بفرح، نستمتع بالطعام من دون شعور بالذنب، ونؤمن بأن كل شيء باعتدال ممكن، فالعالم لن يتوقف عن الطبخ، والفيديوهات لن تكفّ عن إبهارنا، وربما حان الوقت لنتعلم مهارة الأكل بذكاء، والاستمتاع بكل لقمة، من دون أن نتحوّل إلى رهائن للميزان، وضحايا لمطرقة الطبخ، وسنديان الرشاقة.

ففي النهاية، سواء كنت في معسكر الطهاة، أو معسكر الباحثين عن الرشاقة، تذكّر أن الإنترنت لن يرحمك. ستجد دائماً شخصاً يخبرك كيف تصنع ألذّ شطيرة منزلية، وآخر يخبرك كيف تحرق السعرات التي اكتسبتها من مجّرد اتّباع طريقته الخرافية. لذا، استمتع بالأكل، واضحك على تناقضات الحياة، وتذكّر أن الطعام، وإن كثرت مشكلاته، لكنه بالتأكيد يجعل الحياة ألذ.