17 مارس 2025

د. هدى محيو تكتب: الشرود الكامل والدماغ نصف النائم

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

هل تساءلتم يوماً، كيف تنام الدلافين تحت الماء، في حين أنها بحاجة إلى أن تصعد إلى السطح بانتظام، حتى تتنفس؟ الجواب مدهش، وهو أن نصف دماغها ينام، بينما يظل النصف الآخر صاحياً، ما يمكِّنها من مواصلة السباحة وهي نائمة. لكن ثمة ما يدعو إلى دهشة أكبر.

لا بد أنكم صادفتم يوماً ما، مراهقاً يذهب إلى المدرسة صباحاً، لكنه يحلم بأن يترك بعضاً من رأسه في المنزل ليكمل نومه. حسناً، تصوّروا أن هذا ممكن، لأن ما يحصل عند الدلافين يحصل كذلك عند البشر، وهو يسمى «النوم الموضعي»، أي النوم الذي يكون محدوداً بجزء من الدماغ، لتظل الأجزاء الأخرى على نشاطها. وقد دهش الباحثون منذ بضع سنوات، حينما اكتشفوا هذه الظاهرة عند البشر، وهي تعارض تماماً النظرية السائدة آنذاك، والتي تقول إن النوم عند البشر إمّا أن يكون «تامّاً»، وإمّا لا يكون.

وقد يطال وقف النشاط المؤقت منطقة، أو بضع مناطق من الدماغ، من دون أن يؤثر في الأجزاء الأخرى منه، وتكون نتيجته الحصول على بعض الراحة، و/أو تعزيز التعلّم. وانطلاقاً من تلك النتائج، اقترح الباحثون تفسيراً لمسألة التشتّت الذهني الذي كثيراً ما يلاحظه المعلمون في فصولهم، حينما يرون تلميذاً سارحاً في أفكاره، وشارداً في نظراته.

يستند هذا التفسير إلى القول إن الشبكة الدماغية المسؤولة عن عملية تركيز الانتباه على ما يجري في العالم الخارجي، بحاجة إلى أن ترتاح بين الفينة والأخرى، بعد قيامها بمهمات تستلزم جهداً على مستوى الانتباه المقصود. وبالتالي، تكون «أحلام اليقظة» لدى التلامذة تعبيراً عن دخول بعض مناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه المركز في حالة «نوم موضعي»، لا سيّما منطقة القشرة ما قبل الجبهية.

وحين نعلم أن هذه المنطقة هي بالتحديد أوّل ما يتأثر بقلة النوم، نستنتج بسهولة كيف أن الساعات الطويلة أمام الشاشات ليلاً، بدل النوم، يمكن أن تؤدي إلى فترات طويلة من الشرود في اليوم التالي.

لا بدّ من التشديد، مرة تلو الأخرى، على أهمية النوم الجيد من أجل الحفاظ على مقدرة التركيز طيلة أوقات الفصل. في المقابل، قد يكون من المفيد أن تبحث المدارس، والمدرِّسون معها، عن أنواع النشاطات التي يُنصح بممارستها في الفصل بعد فقرة من التعلّم تحتاج إلى تركيز شديد، من أجل توفير بعض الراحة للدماغ ،وتعزيز القدرة على التعلّم.

لذا، لا داعي لتأنيب التلميذ الشارد، أو شبه النائم، فالنوم سلطان، حتى لو كان موضعياً، ولا يأتي عند الطلب، بل هو يفرض نفسه حينما تكون الراحة لازمة، وضرورية.

اقرأ أيضاً: كيف نجعل تجربة المدرسة ممتعة لأطفالنا؟ نصائح واستراتيجيات تقدمها أسماء سويد