من الخيال إلى الواقع.. تعزيز القدرات البشرية بين العلاج والتحديات الأخلاقية

على الرغم من تحفّظ الكثير من الناس على التطور الكبير الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، وصناعة الروبوتات، وتخوّف الكثير منهم من المخاطر التي قد يقود إليها هذا المجال الذي لا أحد يعلم إلى أيّ مدى سيصل، وما الذي سيحمله للبشرية من تغيّرات وتهديدات، فإن المهتمين بالصحة يرون وجهاً جميلاً للذكاء الاصطناعي صُمم فقط لإنقاذ البشر، ومساعدتهم على استعادة قدراتهم وصحتهم، بعد تعرّضهم للمرض، أو للحوادث.
من خيال علمي بستة ملايين دولار إلى تعزيز واقعي
في عام 1973، عرض التلفزيون الأمريكي مسلسل «رجل الستة ملايين دولار»، «the six million dollar man»، وهو برنامج خيال علمي مقتبس من رواية الإنسان الآلي، للكاتب مارتن كايدن. في ذلك الوقت حقق المسلسل شهرة واسعة عالمية، واستمر عرضه في معظم بلدان العالم، حتى عام 1978.
كان بطل ذلك المسلسل الممثل الأمريكي الشهير لي مايجور، الذي لعب دور العقيد ستيف أوستن، وهو رائد فضاء في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
يتعرض ستيف أثناء قيادة مركبته الفضائية إلى حادث، فيسقط في الصحراء، ويفقد ساقيه، ويده اليمنى، وعينه اليسرى، ولكنه يبقى على قيد الحياة، فيقرّر مدير العمليات في مكتب الذكاء العلمي، أوسكار غولدمان، إعادة بنائه، ولكن بأعضاء آلية، في عملية كلفت ستة ملايين دولار، وهو مبلغ خيالي في ذلك الوقت، وهكذا، تحوّل ستيف إلى رجل شبه آلي يعمل لحساب وكالة استخبارات أمريكية سرية، مستخدماً قواه الآلية الخارقة لمكافحة الشر، وملاحقة الجواسيس.
كان ستيف حلماً، ووجهاً جميلاً يحارب الفساد، والشر، ولكنه مجرد خيال علمي، فهل سيكون هناك نسخ من ستيف في الواقع اليوم، بعد استخدام الذكاء الاصطناعي لترميم أعضاء البشر، واستبدال قطع آلية بالمعطوبة منها؟
وسيلة علاجية متطوّرة يدعمها الذكاء الاصطناعي
هل تحوّل الخيال إلى واقع؟ وهل ستجعل الأعضاء المزروعة في أجسام المرضى منهم بشراً خارقين؟
سواء كان الأمر متعلقاً بإعادة البصر لشخص مصاب بالعمى، أو بتمكين رجل مشلول من المشي باستخدام أطراف اصطناعية يتم تحريكها آلياً، أو بتحفيز الدماغ لمحاربة مرض باركنسون، وغيره من الأمراض ذات المنشأ الدماغي، فإن هذا العمل يتطوّر، ويزداد، لتحسين الظروف الإنسانية. ولكن هل يسمح الجانب الإنساني والأخلاقي بتداخل الإنسان والآلة لتعزيز قدرات البشر؟
لو تحدثنا عن الجانبين، الطبي والعلمي، في مساعدة البشر على تعويض ما فقدوه من أطراف، وأعضاء، وقدرات طبيعية، فسيكون الحديث منطقياً من جميع النواحي، أما الحديث عن تعزيز البشر ليكونوا مثل ستيف أوستن، فهذا أمر له أبعاد خطرة، وشائكة، تتعلق بالمعتقدات، والفكر الإنساني القويم، وهو أمر مرفوض تماماً، لأنه يتنافى والطبيعة الإنسانية، ويحمل في طيّاته خطراً داهماً يهدّد البشرية، فليس كل من سيكون معززاً بتقنية الذكاء الاصطناعي سيكون نافعاً لوطنه ومجتمعه.
صحة البشر في عصر التكنولوجيا المتقدمة
يختلف العلاج باستخدام التكنولوجيا المتطوّرة والذكاء الاصطناعي، عن العلاج التقليدي الذي يعتمد على الأدوية، والجراحة، وتركيب الأطراف، وزرع الأعضاء الاصطناعية التي تعيد للمريض القدرة على الحركة والسمع، والقيام بالوظائف اليومية، وتخفف من تأثير الإعاقة. وقد يشمل استخدام التكنولوجيا لعلاج المرضى تعزيز القدرات البشرية لتكون أعلى من القدرات الطبيعية، بما في ذلك القدرات الجسدية، والعقلية، والصحة العامة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، سنذكر في ما يلي بعض الإنجازات الطبية التي ارتبطت بالذكاء الاصطناعي، وأحدثت ثورة علاجية كبيرة:

الأطراف الاصطناعية الذكية
الأطراف الاصطناعية الذكية هي أجهزة متطوّرة تتضمن تقنيات متقدمة لتحسين القدرة على الحركة، وجودة حياة مبتوري الأطراف. ويمكن لهذه الأطراف الاصطناعية، بفضل أجهزة الاستشعار والذكاء الاصطناعي، التكيّف مع حركات المستخدم واحتياجاته، في الوقت الحقيقي. ومع تطور التكنولوجيا، أصبحت هذه الأجهزة قابلة للتخصيص والكفاءة، بشكل متزايد، الأمر الذي أدى إلى تقدم مجال إعادة التأهيل البدني.
البنكرياس الاصطناعي
يُستخدم البنكرياس الاصطناعي (Artificial pancreas) لعلاج مرض السكّري، عندما يتعرّض البنكرياس الطبيعي لمشكلات صحية تمنعه من القيام بوظيفته بشكل جيد. ويقوم البنكرياس الاصطناعي بمراقبة مستويات الغلوكوز في الدم، وإنتاج هرمون الأنسولين بالكميات المطلوبة، وهو عبارة عن جهاز استشعار مرتبط بمضخة وموصول بشاشة غالباً ما تكون شاشة الهاتف الذكي.

عصا المشي المساعدة
ترتبط هذه العصا التي تساعد المكفوفين وذوي الإعاقات البصرية بخاصية تعقب GPS، وتتميز بخاصية تحويل الصوت إلى نص في الهواتف الذكية، فتساعدهم على التنقل في أماكن مخصصة، وفي مراكز التسوّق، والحدائق، وتؤمّن الإشارات المرسلة حماية كاملة للمستخدم، وتعطيه بيانات عن أقرب خطر محتمل، بما في ذلك النباتات، وأوراقها، والبشر، وملابسهم.
ومع تقدم الأبحاث في هذا المجال، من المتوقع أن يستمر الذكاء الاصطناعي في تحسين طرق الوقاية من أمراض العيون، وعلاجها. وتشمل الابتكارات المستقبلية تطوير أجهزة قابلة للارتداء تستطيع مراقبة صحة العين بشكل مستمر، وابتكار برامج تعتمد على تحليل البيانات للتنبؤ بمخاطر الإصابة بأمراض العين، قبل ظهور الأعراض.

تحفيز الدماغ
تحفيز الدماغ brain stimulation طريقة حديثة لعلاج الأمراض النفسية والعصبية التي لم ينفع معها العلاج الدوائي التقليدي. وهي طريقة علاجية واعدة، أثبتت فعاليتها في علاج الصرع، مرض باركنسون، الرعاش، حالات الخلل في التوتر العضلي... إلى جانب اضطراب الشخصية الوسواسية، والاكتئاب، والإدمان.
ويكون العلاج إما بتوصيل الكهرباء مباشرة عبر أقطاب كهربائية مزروعة في الدماغ، وإما بشكل غير مباشر، عبر أقطاب كهربائية توضع على فروة الرأس. كما يمكن تحفيز الكهرباء عن طريق مجالات مغناطيسية متكرّرة.
ولا ننسى التطور الكبير في الشرائح الدماغية، خصوصاً شريحة نيورالينك، من شركة أيلون ماسك، وهي شريحة دماغية بحجم العملة المعدنية تزرع في الجمجمة بهدف دمج الذكاء البيولوجي الطبيعي بالذكاء الآلي، وتحسين القدرات العقلية والذهنية، وهي تعمل أيضاً على تحفيز خلايا الدماغ، وتساعد على علاج العديد من الأمراض.
قد تكون الشرائح الدماغية خطوة أولى نحو تحويل الخيال العلمي إلى واقع، من خلال تحفيز خلايا الدماغ، وتعزيز القدرات الذهنية، وعلاج أمراض عقلية، وأخرى مصدرها الدماغ، مثل مرض باركنسون والاكتئاب الذي لا يستجيب للأدوية، والعلاج التقليدي.