
هل تعرف أن اكتئاب ما بعد الولادة يصيب الرجال أيضاً، وليس مقتصراً على النساء فقط؟
بالطبع، هذا قائم، وبالأخص أن الرجال يمرّون بتغيّرات نفسية مشابهة لتلك التي قد تصيب الأمّهات بعد ولادة الطفل، وهو ما يندرج ضمن مفهوم «البيبي بلوز»، وما يعقبه من تداعيات وتأثير في الآباء الجدد.
وعلى الرغم من أن «البيبي بلوز» يرتبط عادة بالنساء، فإن العديد من الآباء الجدد يعانون مشاعر مشابهة بعد ولادة الطفل، ولا يتم الحديث عن هذه المشاعر بشكل شائع، حيث يُعتقد أن الرجال ليسوا جزءاً من عملية الولادة، أو التغيّرات النفسية المصاحبة له.
فما الخطوات الواجب مواكبتها في هذا الوضع؟ وما أهمية الوعي بهذا البعد الذي قد يؤثر في العلاقة بين الزوجين؟
في هذا الصدد، تشرح لنا الدكتورة بسمة آل سعيد، استشارية في الصحة النفسية والإرشاد النفسي، ماهية «البيبي بلوز»، وأعراضه، وآليات خروج الرجل من عنق الاكتئاب بعد ولادة المرأة.
تشرح د. بسمة الأبعاد النفسية التي قد يعانيها الرجال، قائلة «غالباً ما يمر الرجل بهذه الحالة بعد إنجاب المرأة لطفلها، حيث يشاهد التغيّرات التي تحدث لها، وقد يشعر بالحيرة، أو العجز عن مساعدتها في تلك المرحلة. وهذا يمكن أن يُسبب توتراً وقلقاً، بخاصة إذا كان الأب يشعر بعدم القدرة على التأقلم مع المسؤوليات الجديدة. لذا يمكن القول إن اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال هو حالة نفسية قد تظهر بعد ولادة الطفل، وتشمل أعراضاً مشابهة لتلك التي تعانيها الأمّهات. لكن مع ذلك، يعاني الرجال هذه الحالة بطرق قد تكون أقلّ وضوحاً، أو أقل فهماً في المجتمع. وقد يمر الرجل بتجربة نفسية مشابهة نتيجة للتغيرات التي تحدث في حياته، مثل التغيّرات في علاقته مع الشريك، والأبوّة الجديدة، والضغوط المرتبطة بتربية الطفل».
بيد أن الإشكالية المطروحة هي الاعتقاد أنّ «البيبي بلوز» يخصّ النساء فقط، لكن هذه الحالة تؤثر في الرجال أيضاً لكونها حالة من التغيّرات المزاجية التي قد تحدث للأب بعد ولادة الطفل.
توضح د. بسمة آل سعيد «بالطبع، مفهوم «البيبي بلوز» غالباً ما يرتبط بالأمّهات الجدد، ويُستخدم لوصف الحالة النفسية التي تمرّ بها بعض النساء بعد ولادة الطفل، ولكن الأبحاث تشير إلى أن الرجال أيضاً يمكن أن يعانوا مشاعر مشابهة تعرف أحياناً بـ«البيبي بلوز»، لدى الآباء الجدد. وعادة ما تكون هذه الحالة مؤقتة وتختفي مع مرور الوقت، لكنها قد تحتاج إلى تدخل إذا استمرت، أو تفاقمت. فقد يشعر الرجل بالحيرة، أو العجز، لأنه يرى التغيّرات التي تطرأ على زوجته ولا يعرف كيف يساعدها في تلك المرحلة، وفي الوقت نفسه يشعر بالقلق من كيفية تأقلمه مع المسؤوليات الجديدة».
وتضيف «الواقع أن الرجل يتأثر بشكل غير مباشر بالتغيرات التي تحدث في البيئة الأسرية، ما يؤدي إلى مشاعر من القلق، أو الاكتئاب الخفيف، في الأسابيع الأولى بعد الولادة».

أعراض اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال
تتفاوت أعراض اكتئاب ما بعد الولادة عند الرجال، وتشمل:
- الحزن الشديد أو الشعور بالفراغ.
- القلق الزائد بشأن الحياة المستقبلية، ورعاية الطفل، أو حتى الضغوط المالية.
- التغيّرات في النوم مثل الأرق أو النوم المفرط.
- الشعور بالذنب والعجز، وعدم القدرة على الموازنة بين الأبوّة والحياة الشخصية.
- التعب والإرهاق الشديد.
- التهيّج والغضب غير المبرر.
- الانعزال الاجتماعي والابتعاد عن الأنشطة التي كان يحبها.
أهمية الدعم النفسي للرجل بعد إنجاب طفل
وإذ تتعدد الأسباب التي قد تجعل الرجال يمرّون بحالة من «البيبي بلوز»، ومنها شعور الرجل بالعجز، أو عدم القدرة على فهم ما تمرّ به الأم، والقلق من التغيّرات التي ستطرأ على علاقته مع الشريك، تؤكد استشارية الصحة النفسية أهمية الدعم النفسي للأب بعد الولادة «من المهم أن يتلقى الأب الدعم النفسي تماماً كما تتلقى الأم، ومن المهم أن نُدرك أن الرجل قد يحتاج أيضاً إلى دعم نفسي، في هذه الفترة الانتقالية. فغالباً ما يمرّ الرجل بحالة من العزلة النفسية لأنه لا يتحدث عن مشاعره، بل يعتقد أن دوره يقتصر على دعم الشريك فقط، وهذا الضغط النفسي قد يسبّب مشاكل صحية، إذا لم يتم التحدّث عنها ومعالجتها».

هل يمكن علاج «البيبي بلوز» والتوتر النفسي؟
توضح د. بسمة آل سعيد «عادة ما يكون «البيبي بلوز» حالة مؤقتة تختفي بمرور الوقت...
لكن إذا استمرت الأعراض، أو ازدادت، فقد يحتاج الأب إلى علاج متخصص، مثل الاستشارات النفسية، أو العلاج السلوكي المعرفي. ويرتكز الدعم النفسي على:
- جلسات استشارية مع مختص.
- التواصل المفتوح مع الزوجة حول مشاعر القلق والتوتر.
- الدعم من الأصدقاء والعائلة.
- ممارسة الرياضة، التي تساعد على تحسين المزاج وتقليل التوتر.
- النوم الجيد، الذي يُعد من أهم العوامل التي تسهم في تحسين الحالة النفسية.
تحضيرات نفسية قبل الولادة
الوعي والتثقيف في هذا المجال مهمان جداً، سواء في مرحلة الزواج، أو بعد الولادة. وتوجه بسمة نصيحتها للزوجين تفادياً لعدم تأثير الوضع في علاقتهما الزوجية «نصيحتي للمرأة التي على وشك الولادة هي أن تبدأ التحضير النفسي قبل الولادة، من خلال استشارة مختصين. ومن المهم أن يشارك الزوجان في جلسات استشارية معاً، حتى إذا كانت الأمور تبدو طبيعية، ما يساعد على الوقاية من الأزمات النفسية بعد الولادة، كما أن الفحص النفسي، وتوعية الزوجين يمكن أن يمنعا حدوث مشاكل صحية نفسية بعد الولادة».
وتعقّب «فالتحضيرات النفسية قبل الولادة قد تكون حلاً فعالاً لتجنّب المشاكل النفسية بعد الولادة. ففي كثير من الأحيان، لا يتم التحدث عن هذه الأمور في المجتمعات، وبالتالي، يعاني الرجل بصمت، ويشعر بالعجز أمام التغيرات التي تحدث من حوله. مثلاً، من خلال المرأة نفسها قد نكتشف أن الزوج يعاني مشاكل، أو توتراً نفسياً، لكن غالباً ما لا يتم الحديث عن هذه الحالات بشكل مفتوح. فالدعم النفسي، والتواصل المفتوح مع الشريك يمكن أن يساعدا الأب على التغلب على هذه التغيّرات النفسية، ما يسهم في تحسين العلاقة الأسرية، وأحد الحلول المطروحة هو إنشاء مجموعات دعم خاصة بالرجال، حيث يمكنهم التحدّث، ومشاركة مشاعرهم من دون أن يشعروا بالحرج، أو العيب».
هل يساعد التنويم الإيحائي على علاج «البيبي بلوز»؟
يختار بعض الآباء اللجوء إلى التنويم الإيحائي كوسيلة لتقليل القلق والتوتر، وتبين د. بسمة آل سعيد «يعد التنويم الإيحائي أحد الأساليب العلاجية التي يمكن أن تكون مفيدة في حالات القلق، والتوتر النفسي، مثل «البيبي بلوز». يمكن أن يساعد على تهدئة الأعصاب وتحسين الصحة النفسية، لكن يجب أن يتم تحت إشراف مختص لضمان أن العلاج مناسب لحالة الشخص. وقبل اللجوء إليه، يجب أن يجلس المعالج مع الشخص المعني لفهم الحالة وتحديد ما إذا كان التنويم الإيحائي مناسباً له».