15 أبريل 2025

مشاعرك تحدثك عن صحتك فلا تكبتها واستمع لها

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

تستيقظ في الصباح كأنك لم تنم الليل كلّه، صداع مُلِّح، تيبّس في العنق، آلام في أنحاء متفرقة من الجسم، غشاوة على العينين، شعور بالغثيان، تعب وإرهاق.. كأنك كنت تواصل العمل من دون انقطاع، فتستلقي على السرير مجدّداً. لديك الكثير من المهام لكنك غير قادر على إنجاز واحدة منها.

إن ما تشعر به ما هو إلا استغاثة يطلقها جسمك ليعلمك بخطر قادم يمكن تداركه قبل فوات الأوان. استمع لهذا النداء، وداوِ جراح جسمك قبل أن تتعمق أكثر، فيصعب علاجها.

ما هي المشاعر وما دورها؟

المشاعر عبارة عن ردود فعل عاطفية، فيزيولوجية أو نفسية، تجاه موقف مزعج، أو صعب، وهي تظهر على شكل محاولة للهروب، خفقان في القلب، شعور بوجود كتلة في المعدة، توتر في كل أنحاء الجسم، نوبات ضحك هستيريّة، دموع، أو سعال في بعض الأحيان، إلخ... وما ردود الفعل هذه إلا انعكاس لأحاسيس داخلية قوية يسودها الفرح، أو الحزن، أو الرغبة، أو الخوف، أو الاشمئزاز، أو الغضب.

والمشاعر من الناحية العلمية، محاولة للتكيّف مع الأحداث اليومية، وهي تنشأ في عمق الدماغ داخل مجموعة من الخلايا العصبية على شكل حبّة لوز. وقد أثبت علم الأعصاب اليوم، عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، أن لهذه الكتلة العصبية دوراً في تحفيز الشعور بالخوف.

لماذا يصعب علينا التعبير عن مشاعرنا؟

المشاعر لغة عاطفية قوية تعطينا إحساساً بأننا قادرون على التغلب على كل ما يعترض طريقنا في الحياة اليومية، لكنها تعرّضنا لخطر فقدان السيطرة على أنفسنا، وعلى أجسامنا، وذكائنا، وتحليلاتنا، وقد تغيّر انطباع الآخرين عنّا، فالغضب، مثلاً، قد يؤدي إلى العنف، وقد تجعلنا شدة الفرح نبدو أحياناً تافهين، وهزليين.

لذلك نحن نخشى الانفعالات العاطفية، كما نخشى مشاعر الآخرين، لأننا ندرك قوّة هذه الأحاسيس، فعلى الصعيد الاجتماعي، مثلاً، تسبب ردود الفعل العاطفية الفوضى والاضطراب، لذلك تدعو المجتمعات إلى ضبط المشاعر، والسيطرة عليها، وتوجيهها بطريقة أو بأخرى، خشية تحوّلها إلى أفعال لا تُحمد عقباها.

أصغِ إلى جسمك عندما يصرخ ولا تتجاهل مشاعرك

ينصحنا الخبراء بالتعبير عن مشاعرنا، وليس قمعها، وخنقها، فأثناء الانفعالات العاطفية تستخدم عقولنا وأجسامنا تقنيات إبداعية للغاية، مثل شدّ العضلات، وحبس الأنفاس. ويشكل هذا القمع المؤقت صمام أمان للجسم يعلّمنا إدارة المشاعر، وليس كبتها، كيلا نتعرض للتوتر، والقلق، والاكتئاب، وهي أعراض شائعة جداً في هذه الأيام.

وليس التعبير عن مشاعر الحزن، والغضب، والإحباط، إشارات ضعف، كما يراه الكثير منّا، فكبت هذه المشاعر يؤذينا، وما صرخة الجسم إلا دلالة على أننا لم نحسن إدارة مشاعرنا، لذا يمكن القول إن التعبير عن المشاعر فنّ يساعدنا على الحفاظ على صحتنا، الجسدية والنفسية.

وقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يمرّون بتجارب قاسية، وصدمات عاطفية، يشعرون، مع الوقت، بشدّ وآلام مزمنة في العضلات، ليس لها تفسير طبّي واضح. كما قد يتعرّضون لانتفاخ القولون، فتتحوّل الأمعاء إلى ساحة حرب بين إمساك وإسهال، بسبب عدم استقرار بكتيريا الأمعاء، وضعف في الجهاز المناعي.

إذن، فالضغط العاطفي الذي ينتج عن المشاعر المكبوتة لا يرتبط بالاضطرابات العقلية فحسب، بل كذلك بمشكلات جسدية، مثل أمراض القلب، واضطرابات الأمعاء، والصداع، والأرق، واضطرابات المناعة الذاتية.

وبحسب الباحثين في علم الأعصاب، فإن العصب الحائر، أو المبهم، الذي يشكل أحد المراكز العاطفية الرئيسة في الجسم، يتم تحفيزه في الدماغ من خلال المشاعر، فيرسل إشارات إلى القلب، والرئتين، والأمعاء، حتى يكون الجسم جاهزاً للرد على الخطر المتوقع، حتى قبل أن نشعر بهذه المشاعر بالفعل.

مجلة كل الأسرة

كيف تحرر مشاعرك وتعبّر عنها؟

في مجتمعاتنا، نسعى إلى النجاح ونحن نعيش الضغوط الكثيرة، متحدّين عواطفنا وقدراتنا، وهناك الكثير من الأقفال التي تمنع عواطفنا من الخروج من سجنها، فهذا دواء للاكتئاب، وذاك دواء لتنشيط الذاكرة، وآخر للمساعدة على النوم، والتغلب على الأرق، إن لم يصل الأمر إلى اللجوء إلى الكحول، والمخدرات، والتفكير في الانتحار. كما تذكر الخبيرة والمعالجة النفسية الأمريكية، هيلاري جاكوبس هندل ومؤلفة كتاب «It's Not Always Depression».

استمع إلى مشاعرك ولا تقمعها!

إن مجرّد الاستماع لمشاعرك هو بلا شك إعادة التواصل مع نفسك، وهو إعادة اكتشاف قدرتك على التفاعل مع الآخرين، وهذا يمنحك شعوراً بالسعادة والحيوية، فلا تقع في حالة اللامبالاة العميقة التي يمكن أن تتطوّر فتلازمك لفترة طويلة، لأنك فقط لم تطلق لمشاعرك العنان، ولم تحررها من سجنها. فالعواطف في الواقع ظواهر أساسية لا بدّ من التعبير عنها، بطريقة أو بأخرى، وقمعها له ثمن ستدفعه، عاجلاً أم آجلاً. فعندما نكتم المشاعر، ونلجم الكلمات فلا نعبّر عن الألم، والحزن، والغضب، مثلاً، لا يبقى لهذه المشاعر منفذ إلا من خلال لغة الجسد، وبشكل أكثر دقة، من خلال المرض، سواء كان نفسياً، أو جسدياً.

مجلة كل الأسرة

كيف نطلق لمشاعرنا العنان ونتقن التعبير عنها؟

لحسن الحظ، أن هناك حلولاً لعدم القدرة على التعبير عن مشاعرنا، تتمثل في تعلّم كيفية التعرف إليها، من أجل استعادة السيطرة على العقل، والجسم. فليس هناك مدرسة توفر تعليماً عاطفياً. ذلك أن مختلف أنواع العلاج النفسي تعتمد على تحليل المشاعر لعلاج المعاناة الجسدية، والتخلص من عبء المشاعر المكبوتة. مع ذلك، يساعد هذا النوع من العلاج على تحرير النفس من الكبت مؤقتاً، أو بشكل دائم.

تقول هيلاري جاكوبس هندل: «نحن نعيش في ثقافة تُقدّر الأفكار والمنطق أكثر من العواطف. لكن العِلم أثبت أن تجاهل المشاعر يؤثر في صحتنا، لذا نحن لسنا مضطرّين للاختيار بين أفكارنا ومشاعرنا، إذ يمكننا أن ندرك كليهما، ونفهم كيف تعملان معاً لمساعدتنا على الشعور، إما بالتحسّن، وإما بالسوء، بناء على كيفية تعاملنا معهما».

وتضيف العالمة النفسية «يميل مرضاي إلى تجنب المشاعر المؤلمة، أو المتضاربة في حياتهم، تماماً كما يفعل معظمنا، لأن هذا ما تعلّمناه. ولكن شفاء عقولنا يتم من خلال تعلم كيفية التعرف إلى المشاعر الأساسية التي تكمن وراء قلقنا، فيمكننا بذلك أن نعتني بعقولنا وأجسادنا، كيلا تنهار في المواقف العصيبة، أو الأوقات الصعبة».

حلول للخروج من كبت المشاعر

تُعد الأنشطة الرياضية، كالمشي وتمارين الاسترخاء والتنفس، والأنشطة الفنية، كالرسم والموسيقى والكتابة، وممارسة الهوايات الإبداعية، بديلاً فعالاً للتعبير عن المشاعر، فكرياً وجسدياً. إلى ذلك ينصح باتّباع نظام غذائي صحي، وأخذ قسط من الراحة والنوم الكافي عند الشعور بالتعب.