18 مارس 2021

د. حسن مدن يكتب: تشابه الأشكال أم الأرواح؟

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، "يوميات التلصص".

د. حسن مدن يكتب: تشابه الأشكال أم الأرواح؟

أظنّ أن الكثيرين منا، إن لم نكن كلنا، صادفتنا في الحياة حالات نرى فيها أزواجاً يشبهون بعضهم بعضاً في ملامح الوجه، ولا يبدو هذا غريباً في الحالات التي تجمع بين الزوجين قرابة عائلية، وهو أمر شائع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لكنه هذا التشابه يبدو لافتاً في حالات الأزواج الذين لا تجمع بينهم مثل هذه القرابة، حدّ أن كل واحد من الزوجين آت من مدينة أخرى أو من بيئة مختلفة، أو حتى من بلد غير بلد قرينه.

أيحدث هذا بمحض المصادفات وحدها، حين تقود الأقدار رجل وامرأة، يتشابهان في الشكل والملامح، إلى الاقتران، أم أن هناك نداء خفياً في الأرواح يقود الواحد منهما إلى الآخر؟
لعلّ هذا السؤال هو الذي جذب مختصون لدراسة الموضوع، محاولين تقصي الأسباب في ذلك، وحسب منصة «سبوتنيك»، فإن باحثين من جامعة ميشيغان توصلوا، في العام 1987، إلى خلاصة مفادها، أن سنوات من المشاعر المشتركة والارتباط الوجداني تؤدي إلى ظهور أوجه تشابه أوثق في ملامح الوجه بين الأزواج بسبب التجاعيد والتعبيرات المماثلة.

لكن دراسة أخرى قام بها فريق من جامعة ستانفورد، هذه المرة، نحت منحى آخر، فالقائمون عليها لا يرون أن سنوات العشرة الطويلة هي التي تدخل شيئاً من التشابه بين ملامح الأزواج، وأن الأمر سابق للزواج، حيث إن الأزواج يختارون شركاء الحياة بسبب تشابه ملامحهم، فالراغبون في الزواج يبحثون عن شريك حياة له نفس الميزات تماماً، بما في ذلك في الشكل الخارجي.

في حال صحّ الانطباع الذي يتكون لدينا عن تشابه زوجين، أجد نفسي ميالاً للرأي الأول، الذي يرى أن هذا التشابه قد ينشأ بسبب العشرة والتجاور، لأن اختيار الراغب في الزواج، رجلاً كان أو امرأة، لمن يشبهه في الشكل ليس كافياً لتحقيق الانسجام المرجو بينهما في حياتهما المقبلة، فيما يؤدي ما وصفه فريق جامعة ميشيغان بـ «محاكاة التعاطف المتكرر»، بين زوجين ألفا بعضهما إلى تشابه بينهما، لأنهما يتدربان، حتى دون أن يشعرا على تكرار تعبيرات وردود فعل متشابهة.

المسألة، بكل تأكيد، أعمق وأبعد من مجرد تشابه في الملامح. ما يشدّ الناس لشريكهم العاطفي هو التشابه في الروح، ولهذا التشابه تجليات عدّة، في طبيعة الصفات الشخصية، والميول والاهتمامات، وحتى الأفكار أيضاً، إن لم يكن في كل تفاصيلها، فعلى الأقل في وجهتها العامة. هذا التشابه يمكن أن يكون عوناً للحياة المشتركة في تحدي صعاب الحياة وعقباتها، وتمكينها من الصمود بمرور الزمن.

 

مقالات ذات صلة