تكشف المواقف معادن الناس، خاصة وقت الغضب، وكذلك حال بعض الأزواج والذين يختلفون بين من يحكم عقله وقت الضيق، أو من يستغل سلطته على المرأة ويتعنت معها ويمنعها من ممارسة حقوق هو نفسه منحها إياها لمجرد أنه على خلاف معها، وهذا ما يحول بعض البيوت إلى ساحة قتال تنتهك فيها الحرية وتستباح فيها الخصوصية تحت مظلة طاعة الزوج.
لماذا يتعنت الزوج وقت الخصام؟
تجيب على هذا التساؤل، شيخة محمد الكعبي، مدربة تحفيز ذاتي، قائلة: «هناك من يمارس سلطته بحرمان زوجته من الحقوق البسيطة التي منحها إياها إذا ما وقع بينهما خلاف، بحجة أن أمره مطاع على كل فرد من أسرته، وهو ما يؤدي إلى تدهور عملية التفاهم والتقارب الأسري وبالتبيعة تختفي كل أنواع المودة والاحترام والمحبة بين الزوجين، بل ويرى في ذبولها متعة فيزيد من توبيخه وتعنيفه واستهجانه على ردود أفعالها، فالزوج بعدم درايته بأسس الرحمة والتراحم والإنصاف لنصفه الآخر يزيد من الهوة بينهما فيحول الخلاف إلى معضلة.
من زرع أمناً ورحمة في قلب زوجته حصد سكينة وطمأنينة وبركة ومحبة في بيته وأهله
وتضيف شيخة الكعبي موجهة حديثها إلى الأزواج: «سعادة البيوت تبنى على التراحم والمودة واللين في التعامل، فالزوجة هي أمنك وأمانك ودفئك وسلامك ومستشارك وقت الحاجة، فمن زرع أمناً ورحمة في قلب زوجته حصد سكينة وطمأنينة وبركة ومحبة في بيته وأهله وانتقل إلى مجتمعه، فكم من بيوت تخلخلت بسبب ممارسة السلطة الزوجية بشكل مهين وخطأ وهو ما دفع ببعض النساء إلى الاستسلام خشية مواجهة المجتمع وحدهن دون معيل، وبالبعض الآخر إلى الفرار من جحيم الرجال بالانفصال، فرفقاً بالقوارير».
ما رأي الشرع في تعنت الزوج وقت الخصام؟
يقول الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي «من نعم الله تعالى أن شرع لنا ما يصلح أمور ديننا ودنيانا، ومن ذلك قوامة الرجل ومسؤوليته تجاه زوجته وأفراد أسرته، فالقوامةُ تشريف وتكليف له، وقال تعالى: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، وهدف جعل القوامة عند الرجل تنظيم قيادة الأسرة وتسيير أمورها وحفظ حقوق أفرادها، فهي تتضمن تحميله مسؤولية الرعاية والتعليم والتأديب، وإلزامه بأداء واجباته المالية والإنفاق على أفراد الأسرة، والقيام بمصالحهم.
ويتابع الكبيسي: «لم يسمح الشرع الحكيم للرجال أن يستغلوا القوامة في ظلم الزوجة أو إذلالها أو التحكم فيها حسب أهوائهم وآرائهم الشخصية، بل قيّدها بضوابط وشروط تضمن حقوق المرأة وتحفظ لها كرامتها، وتحميها من استغلال الزوج لها أو المبالغة في استخدامها أو التعسف في تطبيقها، وأما إذا حصل خلاف بين الزوجين، فإن الشرع الحكيم وجه الرجل إلى طريقة حل هذا الخلاف، وليس منها أن يعاقبها بحرمانها من حقوقها، بل إنها تبدأ أولاً بالنصح والوعظ بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن لم ينفع الوعظ فإن للزوج أن يهجر زوجته داخل المنزل».
واجبات الرجل
يرى د. محمد بيومي، أستاذ علم الاجتماع المساعد- جامعة الشارقة، أن كثيراً من الرجال في المجتمعات العربية يفسرون بعض الأمور بما يرضي نزعتهم الذكورية التي تجنح إلى التميز والتسلط وعلو المكانة على المرأة ولا سيما الزوجة.
من واجبات الرجل حسن العشرة مع الزوجة وألا يظلمها ولا يبخس حقوقها ولا يحقر من شأنها
ويضيف د. بيومي: «وضع زمام أمور الأسرة في يد الرجل لا يمنحه حق الأفضلية على المرأة، وإنما يحمله مسؤولية رعايتها اجتماعياً، وهذا الأمر تكريماً لها وليس انتقاصاً من مكانتها. فمن واجبات الرجل حسن العشرة مع الزوجة، وألا يظلمها، ولا يبخس حقوقها كحق صلة الأرحام، ولا يحقر من شأنها أو كرامتها، ورغم الجهود المبذولة في توضيح هذه القضية نرى في الآونة الأخيرة آلافاً من قضايا الطلاق سببها منع الأزواج شريكات حياتهم في وقت الخلاف من ممارسة حقوقهن هو ذاته منحها إياها من قبل. فعلى سبيل المثال، بعد أن كان يسمح لها بزيارة الأهل والأصدقاء يمارس سلطاته بالرفض، ويكون المبرر لأسباب الكثير منها وهمي وغير صحيح، مثل أنه حر باعتباره الزوج، أو لمجرد الاختلاف معه في الرأي، أو لم تتبعه في أمر ما، بل تصل الحال بالبعض إلى التطلع لإقامة علاقات عاطفية جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة».
ويكمل د. محمد بيومي: «قيام الأزواج بمثل هذه الأفعال له تأثير سلبي في العلاقات الأسرية، والمتضرر الأول منها الزوجة يليها الأبناء، وفي الغالب إذا استمرت هذه الأفعال تؤدي إلى تصدع العلاقات القائمة وانتهائها بالطلاق، فمن يقوم بمثل هذه التصرفات يعد من الضعفاء، فقلما نجد زوجة تنسى إهانتها وتغفر لمن يقلل من مكانتها».