01 أبريل 2024

د. حسن مدن يكتب: عشّاق تجاوروا في الحياة وفي الممات

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: عشّاق تجاوروا في الحياة وفي الممات
بارو وكاتالين لاسا

كثيرة هي قصص العشّاق الذين تجاورت قبورهم بعد مماتهم، كتعبير عن حبّهم وهم أحياء. ولعلّ فراعنة مصر هم أول من حفظ ذلك في الذاكرة، فقصص الحب الفرعونية كثيرة، بينها، وربما أشهرها، تلك التي جمعت بين الملك توت عنخ أمون، وزوجته عنخ أسن أمون. فرغم أن توت عنخ أمون هو صاحب الحياة الأقصر بين الفراعنة، حيث توفي وهو لما يزل شاباً، لكن بعد اكتشاف مقبرته لفت الأنظار أن أكثر الصور، أو الرسومات، الموجودة فيها، كانت تجمعه مع زوجته، وكانت أجملها هي تلك التي تصوّر الملكة وهي تهدي الزهور إلى زوجها الذي شاركته حكم مصر، قبل أن تجمعهما المقبرة نفسها بعد موتهما.

ليس توت عنخ أمون، وسواه من فراعنة مصر المحبين، وحدهم من تجاوروا مع من يحبّون في المقابر نفسها، فها نحن إزاء تقرير يتحدث عن مقبرة مملوءة بقصص الحب، اسمها كولون، وتقع في العاصمة الكوبية، هافانا، أو قريباً منها، ويقال إن تاجراً اسمه خوان بيدرو بارو، أراد إبقاء ذكرى زوجته كاتلينا لاسا، التي أحبّها حيّة، فبنى لها قبراً رخامياً ضخماً في تلك المقبرة التي تخفي قصصاً مؤثرة أخرى.

لا تعود الحكاية إلى أزمنة قديمة، كتلك التي كانت فيها قصص غرام ملوك وملكات الفراعنة، وإنما إلى القرن الماضي، وتحديداً إلى عام 1930، حيث أثارت قصة الحب التي جمعت بارو وكاتالين لاسا، التي توصف بأنها كانت من أجمل نساء كوبا، اهتمام المجتمع الراقي، حيث بدا كأن الزوجة لم تمت، وما زالت حية في اللمسات الفاخرة لضريحها، أما تاريخ المقبرة نفسها والمملوءة بقصص الحب فيعود إلى عام 1876، وتمتد على مساحة 50 هكتاراً في قلب المدينة، وتُعد المقبرة بمنحوتاتها وهندستها المعمارية المتقنة، متحفاً مفتوحاً يضمّ رفات أبطال استقلال، وكتّاب، وموسيقيين، ورسامين، وأطباء مشهورين، وكما هي قصص الحب عادة نجد بينها المبهج، كما نجد المحزن.

من الصعب الجزم في أي خانة يمكن وضع حكاية حب بارو وكاتالين لاسا، أهي من النوع المبهج أم المحزن، ولكن الحديث يدور عن امرأة جميلة من الطبقة المخملية كانت متزوجة من نجل نائب رئيس كوبا عندما التقت بارو، وأُغرمت فيه، وبالنظر إلى موقع الزوج الذي نبذته لمصلحة حبها الجديد «انحاز المجتمع الراقي في هذه المسألة وأدار ظهره لهما»، ما حمل العاشقين على مغادرة وطنهما والهروب إلى باريس، حيث عاشا هناك حتى عام 1917، عندما وافق البابا بنديكتوس الخامس عشر على طلبهما بإلغاء زواج لاسا، فعاد العاشقان، وقد أصبحا زوجين، إلى هافانا حيث عاشا حتى توفيت لاسا عن 55 عاماً بعد إصابتها بالمرض.

هذه ليست سوى حكاية واحدة من مجموعة حكايات عشق تخفيها المقبرة المذكورة، لكن الناس، رغم ذلك، ما انفكوا يتداولونها مذكّرين بأبطالها.