عندما تمر السنوات بالشريكين، ويزوجان الأبناء، يبدأ الملل في التحكم بحياتهما ربما لعدم وجود هدف مشترك يتشاركان حوله الحديث ويضعان له الحلول، فتنتشر في بعض البيوت ما يطلق عليه (الخرس الزوجي) الذي يتسبب في زيادة الفجوة بين الشريكين ويهدد استمراره بالانفصال وهدم كيان الأسرة.
هذه المشكلة القائمة في بعض البيوت جعلتنا نفتح باب النقاش وصولاً للرد على بعض التساؤلات، هل الاهتمامات المشتركة كفيلة بإنجاح العلاقة وبمجرد انتهائها تدب الخلافات ويتضخم الشعور بالملل وينتشر الخرس الزوجي؟وهل الحل بإيجاد اهتمامات مشتركة تحمي الزوجين من الوصول لهذه المرحلة؟
د. أسماء السعدي
الدكتورة أسماء السعدي، محاضرة بقسم الاجتماع في جامعة الشارقة، تقول: «سنَّ الله عز وجل الزواج ليكون أحد أسباب استمرارية الحياة على الأرض، وهذه الحياة الزوجية لا تسير على وتيرة واحدة، وإنما قد تعتريها بعض التغيرات وفق سنة الحياة، فطبيعة الإنسان دائماً تميل إلى التغير والتغيير..
وهناك الكثيرون الذين تعرضوا لتلك التقلبات بعد الزواج، لكن العاقل الفَطِن هو الذي يستطيع تدارك ذلك، ويعمل على تخطيها وإعادة النشاط والفاعلية والتشويق إلى الحياة الزوجية مرة أخرى، والأمر ليس باليسير..
بل يتطلب من الزوجين بذل مزيد من التضحيات والمجهود اللازم للحفاظ على تلك العلاقة المتينة، وعدم الاستسلام للخرس الزوجي والفتور والملل الذي قد يقود إلى الانفصال والتخلي عن ذلك الكيان الأسري».
ثمة أسباب كثيرة قد تدمر العلاقة الزوجية ومنها غياب عاملين مهمين، توضحهما الدكتورة أسماء «إن وجود الحب إلى جانب الاهتمامات المشتركة بين الزوجين، هما عاملان مهمان لإنجاح العلاقة الزوجية..
ولكن للأسف قد يتوقف رصيد الحب أو يتلاشى إظهاره للآخر، في حين من المفترض أن يزداد هذا الرصيد مع وجود العشرة والمودة والرحمة المتبادلة بين الزوجين..
بل ويسعى كل طرف لاستثمار ذلك في كل مناسبة وموقف لإضفاء السعادة على الآخر، فكلما شعر أحدهما بما يفيض من قلب شريكه قابله بمثله أو ما يزيد».
الملل والروتين اليومي من الأسباب الرئيسية للخلافات الزوجية
«اتجهت العديد من الدراسات في العلاقات الأسرية إلى أن الملل، أو ما يطلق عليه «الروتين»، هو من الأسباب الرئيسية للخلافات الزوجية، التي قد تؤدي بدورها إلى الفتور أو ما يسمى بـ«الخرس الزوجي»..
إذ يصل الحال بين الشريكين إلى الصمت وعدم وجود أي نوع من الحوار المشترك، ما قد يجعل كل طرف يبحث عن بديل يخرج له ما بداخله، ورغم أن المرأة بطبعها قد تحب التغيير والترفيه، إلا أنها هي من تكون أكثر حرصاً على استمرار الحياة الزوجية والمحافظة عليها.
أما الرجل فقد يستسلم بشكل أسرع إلى فكرة الملل والفتور وعدم محاولة التغيير وربما يبحث عن طرف ثالث للخروج من دائرة الروتين».
التقنيات الحديثة والـ«سوشيال ميديا» من أسباب البعد بين الزوجين
«تلعب التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً سلبياً في حدوث تغييرات في العلاقة الزوجية، إذ أن كل طرف يرى التغير المستمر على الشاشات ويقارن نفسه بالآخرين، كذلك ربما تكون كثرة الانشغال بهذه الوسائل الإلكترونية سبباً في البعد والجفاء بين الزوجين..
إضافة إلى أن ضغوط الحياة المادية والاجتماعية، وربما الصحية، قد تخلق أجواء سلبية في البيت؛ ما قد يوجد نوعاً من سوء المعاملة من أحد الطرفين، والعصبية والصراخ المتواصل، وعدم تحمل الآخر، وانتقاد تصرفاته مهما كانت، والبرود واللامبالاة، وغيرها من الأجواء التي قد تدفع الحياة الزوجية إلى الوصول إلى طريق مسدود».
الانشغال بالعمل أو الأصدقاء يزيد الهوة بين شريكي الحياة
تضيف الدكتورة أسماء السعدي أسباباً أخرى تؤدي إلى الفتور في العلاقة الزوجية «إن تناقص اهتمام أحد الطرفين بالآخر، والانشغال بأي أعمال أو أشخاص أو ظروف أخرى، كالعمل أو الأطفال أو الأصدقاء، يزيد الهوة..
فغالباً ما يؤدي اهتمام الزوجة بأولادها على حساب حقوق شريك الحياة، الذي يكون في المرتبة الثانية بعدهم، إلى ضيقه وشعوره بأنه قد خرج من دائرة الاهتمام، كذلك قد يقود اهتمام الرجل أو ربما المرأة بالعمل أكثر إلى نفس النتيجة، وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة التوازن بين الاحتياجات والمهام الضرورية لكلا الطرفين، وبين الشراكة الأساسية.
بالإضافة إلى وجود عنصر فعال في إحداث المشكلات بين الزوجين أو تفاقمها، وهو تدخل الأطراف الخارجية بينهما في حال نشوب مشكلة، كالأهل أو الأصدقاء وغيرهم؛ ما قد يزيد حدة الخلافات، بسبب انحياز كل عائلة للطرف الخاص بها».
الحاجة للتواصل الفعال والاحترام المتبادل لرأي الآخر يسهم في الحد من الفتور الزوجي
وبعد استعراض بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى التغير في الحياة الزوجية، تطرح الدكتورة أسماء السعدي بعض الحلول والأفكار، التي قد تساعد في الحد من تلك الظاهرة، ومنها:
تلخص الدكتورة أسماء رأيها «مهما تنوعت الأسباب التي قد تؤدي إلى الملل والفتور بعد الزواج، إلا أنه لا توجد مشكلة من دون حلول، فالتغير في الحياة وارد، إلا أن التغيير مطلوب بإيجاد بيئة متفاعلة يملؤها الحب والمودة والعشرة الطيبة بين الزوجين..
كذلك التغافل والصبر والتضحية، مع ضرورة التجديد والترفيه، فنجاح الحياة الزوجية مسؤولية مشتركة لكلا الطرفين، وكلاهما له حقوق وعليه واجبات، فعلى الزوجة أن تهيئ بيتاً هادئاً منظماً نظيفاً مملوءاً بالحب والمودة والبهجة لزوجها؛ حتى يكون البيت مصدراً للسكينة والألفة يشتاق الرجل للعودة إليه وقضاء أجمل الأوقات فيه..
كذلك على الرجل حسن معاملة الزوجة وإشعارها بقيمتها وأهميتها في الحياة من خلال إشباع سمعها بأعذب وأرق الكلمات، فالمرأة كائن رقيق يلين بأبسط الكلمات».