تبدأ الحياة الزوجية بالكثير من الإعجاب، والانبهار، والشغف، والحميمية، بين الشريكين، يبنيان معاً، أحلاماً وردية سعيدة، يملأها الودّ والقبول، ولكن هذه الحياة لن تخلو أبداً، من الخلافات، والمَلل، وخفوت المشاعر، بخاصة إذا كان الزواج قد تمّ سريعاً، ولم يكن قد سبقته فترة تعارف كافية، فيتحوّل الشغف والرومانسية بين الزوجين إلى علاقة روتينية، وصمتٍ، وخرسٍ زوجي، وربما تبعهما إحباط، ثمّ انفصال.
في هذا التحقيق طرحت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات على مائدة خبراء العلاقات الزوجية والأسرية والعلاج الزواجي، وسألتهم: كيف تتم إعادة بناء الحب بين الزوجين؟ وكيف يحافظ الزوجان على الشغف والحميمية بينهما، بخاصة بعد مرور السنوات الخمس الأولى على الزواج؟ وكيف نعالج الصّمت الزواجي؟ وما هي خطوات إنعاش الرومانسية الضائعة بين الطرفين؟
أسباب غياب الرومانسية والحب
بداية، تؤكد الدكتورة نسرين محسن، أستاذة الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية في جامعة عين شمس، بالقاهرة، أن كثيراً من الأزواج يجهلون الأسباب التي قد تدفعهم إلى المرور بنوبات الفتور العاطفي مع شركاء الحياة، وتقول «على الرغم من كثرة الخلافات والمشاجرات الزوجية التي تقع خلال السنوات الخمس الأولى، بسبب اختلاف الطباع، والخلفيات الثقافية، والاجتماعية، والدينية، للزوجين، إلا أن الشغف والرومانسية لا يغيبان كثيراً عن العلاقة بين الزوجين، في حين يصاب الزوجان بالملل والفتور، بصورة أكبر، بعد مرور السنوات الأولى للزواج، وتصبح العلاقة بينهما أقلّ رومانسية، ويخفت الحب كثيراً، على الرغم من أن العلاقة بينهما تكون أكثر هدوءاً واستقراراً».
وترى د. نسرين محسن، أن السبب وراء ذلك قد يكمن في انشغال الزوجين بالأبناء، وتربيتهم، ورعايتهم، والأعباء المنزلية والمادية المتزايدة، فينشغل الأزواج عن احتياجاتهم العاطفية بسبب كم هذه المسؤوليات، لكن الأمر لا ينتهي عند ذلك، لأن هذه الاحتياجات المؤجّلة تعود إلى الظهور مرة أخرى في مرحلة منتصف العمر، عندما يكبر الأولاد، وتقلّ مسؤولياتهم تدريجياً، ويبدأ كلا الزوجين بالبحث عن احتياجاته المؤجّلة، وإشباع احتياجات نفسية من تعبير عن حب، واحتواء، وتقبّل، وصداقة.. وغيرها.
وتشير الدكتورة نسرين محسن إلى أن هناك أسباباً عدّة لاختفاء الحب بالتدريج بين الزوجين، من أهمها:
1. التوقف عن التعبير عن المشاعر: التعبير عن المشاعر بين الزوجين أمر مطلوب وضروري، كلّ يوم، ويجب أن يتم أولاً بأوّل، لكن للأسف مع مرور الأيام يتوقف الزوجان عن ذلك، فيختفي التقارب، ويقلّ الانسجام بينهما.
2. عدم مراعاة المشاعر من أحد الطرفين: مراعاة المشاعر واحترامها من الأمور الضرورية بين الزوجين لتحقيق الانسجام، والتقريب بينهما.
3. اختفاء التقدير والاحترام بين الزوجين: فكلما زاد الاحترام والتقدير بين الزوجين ازداد الحب، وقوِي الانسجام بينهما، والمقصود أن يكون التقدير نفسياً ومعنوياً، إضافة إلى التقدير المادي أيضاً.
4. الإهمال العاطفي: وهو الفخّ الذي يقع فيه الأزواج من دون أن يشعروا، وأهم مظاهره التوقف عن ممارسة العلاقة الحميمية بينهما، أيّاً كانت أسباب ذلك، وهذا من أشدّ الأمور خطورة، فهناك حقيقة مهمة وهي أن العلاقة الحميمية ما هي إلا تعبير عن الحب، ولا يجب التعامل مع الأمر كتأدية واجب، أو لإرضاء الطرف الآخر فقط.
5. الخصام الطويل بين الزوجين: دائماً ما تكون نتائجه سلبية، فعندما يطول الخصام لأيام، وربما شهور، يخلق المزيد من المشاعر السلبية التي تسيطر على الطرفين، وتؤدي إلى توتر العلاقة بشكل دائم.
6. الشكوى الدائمة والنقد واللوم: إذا ما استمرت مثل هذه الأمور بين الزوجين فستجعلهما في حالة تصيّد للأخطاء، وتربّص طوال الوقت، وبالتالي، يحدث فتور عاطفي تجاه الطرف الآخر.
7. إهمال الزوجة لمظهرها بعد الزواج: عدم اهتمام الزوجة بشكلها ووزنها من أكثر الأمور التي تؤدي إلى الفتور والتنافر العاطفي بين الزوجين.
8. الوحدة: يحدث أحياناً، شعور أحد الزوجين، أو كلاهما، بالوحدة رغم أن كلاهما يعيش تحت سقف واحد بسبب انشغال كل منهما بتفاصيل حياته اليومية.
9. عدم الاهتمام بالزوجة: تحتاج شريكة الحياة، طوال عمرها، وسنين زواجها، إلى التدليل، وإغراقها بكلمات الحب والغزل، لذلك من أكبر الأخطاء التي يرتكبها بعض الأزواج التوقف عن الغزل، والتدليل بمرور الوقت، فيؤدي إلى إفراغ بطارية الحب.
نصائح لزيادة الانسجام بين الزوجين
من جانبه، يؤكد الدكتور محمد هاني، خبير العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة واستشاري الطب النفسي، أن الحب وحده ليس كافياً لضمان السعادة الزوجية، ولكن في الوقت نفسه، لا سعادة ولا انسجام بين الزوجين من دون حب، ويضيف «ما أحوجنا هذه الأيام إلى أمور تقوّي العلاقة الزوجية، وتجعلها أفضل حالاً، وأشدّ تماسكاً، وقد يكون ما بين الزوجين كافياً جداً لتحقيق السعادة، لكن ينقصهما فقط بعض العادات اليومية التي تحتاج إلى إعادة صياغة بشكل مشترك، وبعض التصرفات البسيطة التي تجمع بينهما، وبعض الكلمات التي تقوّيهما، والمداعبات، والمساحات المشتركة، حتى تتحقق السعادة، ويزداد الانسجام والشغف بينهما».
ويقدم د. محمد هاني عدة نصائح وحلول عملية لتقوية العلاقة بشريك الحياة، منها:
- الابتسامة في وجه شريك الحياة: لها مفعول السحر، وتعطي الشعور بالدفء بين الزوجين، خصوصاً إذا أضيف إليها الإمساك باليد، وهذا أيضاً من شأنه زيادة الشعور بالرومانسية الزوجية.
- تبادل كلمات الشكر والتقدير بين الزوجين: وأن يكون هذا الشكر بحرارة وصدق، فذلك سيُعدّ أكبر محفز للانسجام، فالكلمة الطيبة، وشكر أحد الزوجين للآخر يمنحهما مزيداً من الحب، والرومانسية.
- عدم تأجيل المشاكل: ننصح دائماً بعدم تراكم المشاكل، وإنما المبادرة بإجراء تغييرات، ومن حيث لا ندري قد يجعلنا ذلك نتغيّر للأفضل، ويحدث التقارب المطلوب.
- الحديث والمناقشة: من الجيد الحديث عن المشاكل وجذورها، ومناقشة الأمر بصراحة مع الطرف الآخر، للوصول إلى أرضية مشتركة، وأفضل الحلول الممكنة لهذه المشاكل، بخاصة أن البرود وتراكم المشاكل يؤدّيان إلى مزيد من الجفاء في العلاقة.
- التجديد: التواصل المستمر بين الزوجين، ومحاولة التجديد والقيام بنشاطات مشتركة تجمع بينهما وتشعل لهيب الحب من جديد وتزيل الحواجز التي صنعتها السنوات بعد الزواج.
- الهدايا الرومانسية والمعنوية: فتلك الهدايا تلهب مشاعر الحب بين الزوجين، ويظل كل طرف ينتظرها بلهفة وشوق.
إعادة ضبط مصنع السعادة الزوجية
أما الدكتورة إيمان الريس، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، فتوضح أن تحقيق الانسجام والشغف بين الزوجين لا يكون إلا بالحب، ورغم أنه لا يوجد زواج سعيد طوال الوقت، إلا أنه يمكننا أن نجعل الخلافات الزائر الخفيف الذي سرعان ما يرحل من دون أن يترك أثراً في النفوس، والقلوب، وتشرح «إن إقامة علاقة زوجية فيها الكثير من المودة والانسجام تتطلب جهداً من الطرفين، وتضحيات للعمل على إنجاح العلاقة، والسير بها نحو المودة، والرحمة، والحب، ونحن قديماً لم نكن نسمع كلمة ملل زوجة إلا بعد سنوات كثيرة من الزواج، أي بعد مرور 20 سنة زواج، أو أكثر، بل كان الأزواج والزوجات وقتها لديهم القدرة على إعادة ضبط المصنع سريعاً، للعودة إلى العش الهادئ، والبدء من جديد، لكننا أصبحنا نسمع الآن كلمة «احنا حاسّين بملل» ربما بعد شهر العسل مباشرة، أو بعده بسنوات قليلة».
وتحدّد الدكتورة إيمان الريس عدداً من الخطوات التي تساعد الزوجين على إعادة ضبط المصنع للحياة الزوجية، لإنعاش الحب والرومانسية من جديد، وهي:
1. التخطيط لقضاء وقت خاص معاً بشكل يومي، أو على الأقل كل أسبوع، سواء كان هذا الأمر في المنزل أو بالخروج معاً من دون الأبناء، أو حتى الأصدقاء.
2. الحرص على وجود لغة حميمية مشتركة، وتبادل الأحاديث الحميمة التي تقوّي المشاعر، وتجعل الزوجين قريبين جداً، وتقضي على أيّ فراغ عاطفي، أو ملل.
3. التواصل باللمس من أفضل الأمور، فاليد الحانية التي تداعب ذقن الرجل، وشعره، وكذلك الحضن الدافئ الذي تبحث عنه المرأة دوماً مهما بلغت من الكبر، والطبطبة، وإمساك اليدين، وتشابكهما، كل هذه الأمور لا غنى عنها لتحقيق الانسجام، والمحبة، ويجب أن تكون دائمة وغير مرتبطة بالعلاقة الحميمية، فما أحلى تبادل القبلات والأحضان في الأوقات العادي،ة للتعبير عن الحب، والامتنان.
4. الاحتفال بشكل مختلف في المناسبات الخاصة، كذكرى الزواج، ويوم الحب، وغيرهما، وهذا الأمر لا يقتصر أبداً على الأزواج الجدد، ولكن يجب الحفاظ على هذه العادة التي تساعد الزوجين دوماً على شحن البطاريات من جديد.
5. تبادل الهدايا، وكلمات الغزل والإطراء من الأمور المهمة بين الزوجين، لأنها تشعل لهيب وحرارة المشاعر، وتشعر الطرف الآخر بأنه دائماً في منطقة الاهتمام لدينا، وهذا الأمر كاف وحده لإذابة الجليد، والقضاء على أي خلافات.
اقرأ أيضاً: لا تستسلموا للملل الزوجي.. 4 نصائح لاستعادة الرومانسية