يشكو بعض الأزواج أن توقعاته في الزواج قد خابت، وأن الزوجة التي ربما يكون قد اختارها، وتزوّجها بعد قصة حب طويلة، ليست تلك التي كانت في مخيلته، أو أنها تغيّرت بعد الزواج، وربما يكون قد اكتشف صفاتها وطباعها عن قرب.
طرحت «كل الأسرة» هذه الشكوى على عدد من خبراء الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية، وسألتهم: ماذا يحتاج الرجل من المرأة؟ ولماذا تخيب توقعات بعض الرجال في الزواج؟ وهل المرأة أكثر واقعية من الرجل؟.. وعلى الرغم من أن الإجابة عن هذه التساؤلات تبدو سهلة، إلا أنها ليس كذلك.. فالأمر يحتاج إلى فهم تام لطبيعة الرجل والمرأة، وكذلك دراسة حالة للعديد من الحالات الزوجية.
لماذا تخيب التوقعات مبكراً بين الأزواج؟
بداية، يوضح الدكتور ناصر زهران، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الإنسانية في القاهرة، أن الأمر نسبي، ويختلف من حالة زوجية إلى أخرى، لكنه يرى أن «الاختيار السليم لشريك الحياة من أهم العوامل التي تجعل الحياة الزوجية ناجحة، وسعيدة. كما أنه من المتوقع دائماً أن يشعر كلا الزوجين بأنه تسرّع في الاختيار، كلما مرّت الحياة الزوجية بعاصفة من الخلافات، وهذا أمر طبيعي، لكن يجب مقاومته، لأن الحياة الزوجية قد بدأت بالفعل، وبالتالي لا وقت للندم على الاختيارن ويجب ألا يشعر الشريك بهذه المشاعر على الإطلاق، لأنه سيتوقف عندها كثيراً ولن تمرّ عليه مرور الكرام».
ويري الاستشاري الأسري د. ناصر زهران، مجموعة من الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى شعور الأزواج بخيبة الأمل، وفشل التوقعات عن الزواج:
1. هناك حالة من الصدمة تصيب الكثير من الأزواج والزوجات، بعد الزواج، بسبب اكتشاف كل منهما الآخر على حقيقته، فالكثير من الشباب يتجمّلون في فترة الخطوبة، ويصل الأمر إلى الكذب، وخداع الطرف الآخر، وتتحوّل فترة الخطوبة، سواء للمرأة أو الرجل، إلى «فاترينة» يحاول كل منهما إبراز مميّزاته، وجماله، ورقّته نحو الطرف الآخر، لكن هذه «التمثيلية» تنتهي بمجرّد غلق الباب عليهما في بيت الزوجية، ومن هذه اللحظة يبدأ الطرفان الشكوى من خيبة التوقعات».
2. للأسف تعاني الكثير من الزوجات الشعور بامتلاك الزوج، والإحساس بأنه لن يتركها تحت أيّ ظرف من الظروف، وبالتالي، لا تكون تلك المرأة المثالية الجميلة التي رآها في السابق، فتتوقف عن الاهتمام بنفسها، والاهتمام به. ففي البداية تحاول الزوجة إظهار أفضل ما لديها لتكسب حب شريكها، وإعجابه ولكن هذا الأمر سرعان ما يتبدل بعد الزواج، ويختفي التكلف، وهنا تكون الصدمة للرجل.
3. الرجل لا يتقبل فكرة أنه سيتعامل مع شخصية لن يعرفها بعد الزواج، ويتوقع أنه قد فهم شخصية زوجته بنسبة 100% قبل الزواج، وبالتالي فإن أيّ أمور جديدة تتكشف له لا يتقبلها، ويرفضها، ولا يتعامل معها بصدر رحب.
4. وضع التوقعات غير الواقعية من شريكة الحياة، أو الزوج، يؤدي إلى الإحباط في الزواج، ودائماً ما تأتي من الفجوة بين التوقعات وما نحصل عليه فعلاّ، والتغيّر بعد الزواج قد يحدث للطرفين، ولكن بنسب مختلفة.
5. يشعر الكثير من الأزواج بخيبة الأمل بسبب فشلهم في إيقاف الشكوى الدائمة من الزوجات، فالزوجة بطبيعتها تميل إلى الفضفضة والشكوى من الأمور كلها، فبمجرد أن تلتقي زوجها لا تتوقف عن الشكوى من ضغوط الحياة، والعمل، والأولاد، ويؤثر ذلك في علاقتها بزوجها، فيشعر بأنه مقصّر، وأن مجهوده غير مقدّر، وهذا الأمر أيضاً يدفعه إلى الهروب من المنزل، لأنه يعلم أنه لن ينتظره سوى الشكوى.
6. عدم الاعتناء بالمظهر، هذا الأمر من أكثر الصفات التي تجعل الزوج ينفر، ويعزف عن التعامل مع زوجته، وللأسف، أن بعض النساء يهملن أساسيات النظافة العامة، مثل إزالة الشعر، واستخدام العطور، ومزيلات العرق، والاهتمام بتمشيط الشعر، وغيرها من الأمور التي تثير حفيظة الرجل من التعامل معها، فهي لم تعد كما كان يراها من قبل.
7. من أكثر الأمور التي تتسبب بفشل التواصل بين زوجين، وتشعر الزوج بالنفور، هو الشك الدائم، والسعي لتقصّي أخبار الزوج بشكل مستمر، وبذلك لا يشعر بأن لديه المساحة الشخصية التي يريدها، ما يجعله يميل إلى الهروب من المنزل، هرباً من شعور بأنه محاصر.
ماذا يحتاج الرجل من زوجته؟
وتتفق معه الدكتورة منى أحمد البصيلي، استشاري الطب النفسي وتعديل السلوك والإرشاد الأسري، في القاهرة، على أن من أهم أسباب تفاقم هذا النوع من المشكلات في مجتمعاتنا العربية هو التحوّل الذي يصيب الزوجة بعد انقضاء فترة الخطوبة، وشهر العسل «حيث تنغمس في متاعب الحمل، والأسرة، والأبناء، وبالتالي، لم يعد يراها الزوج كما كانت في قمة الأناقة والجمال حينما كانت تنبعث منها الروائح الباهرة، حيث تتحول للعكس بمجرد انغماسها في الحياة الأسرية، ودائماً ما أقول للزوجات إنه مهما كانت المسؤولية كبيرة يجب ألّا يرى الزوج منك إلا كلّ جميل».
وحول أبرز الأمور التي يحتاج إليها الزوج من زوجته بعد الزواج، تؤكد الدكتورة منى البصيلي، أن معظمها يتلخّص في النقاط الآتية:
1. الاهتمام: فالرجل مثل الطفل الصغير يحتاج إلى الكثير من الاهتمام، حتى وإن كان لا يطلبه.
2. الدعم: فالزوج في كل الأحوال، مهما كان قوياً، يحتاج إلى الكثير من دعم زوجته، حتى يتمكن من مواجهة ضغوط الحياة، والمسؤوليات الجسيمة الملقاة على كاهله.
3. الدلع والحب: فالرجل في كل الأحوال، ومهما بلغ من العمر، يحتاج من زوجته أن تمنحه الكثير من المشاعر التي تهوّن عليه حياته.
4. الاحترام: فالرجل لو خُيّر بين الأمور كلها لطلب شيئاً واحداً من زوجته، هو أن تحترمه، سواء أمام الآخرين، أو فيما بينهما، فلا حياة زوجية مستقرة وسعيدة بلا احترام، وتقدير.
5. التواصل الحميمي: من أهم الأمور التي يجب ألا تنساها الزوجة بمرور الأيام، فطبيعة المرأة قد لا تحتاج إلى هذا الأمر كثيراً، لكنها من الأمور الضرورية بالنسبة إلى الزوج، لذا يجب على الزوجة أن تحافظ على علاقتها الحميمية مع زوجها، وتكون في أفضل حال، حتى وإن كان كلاهما منشغلاً بأمور الحياة.
إرشادات نفسية للتغلب على مشاعر الإحباط بعد الزواج
من جهتها، توضح الاستشارية النفسية د. داليا عزام، المتخصصة في العلاقات الزوجية والأسرية وتعديل السلوك الأسري في مصر، أن «البعض قد ينظر إلى الأمر في البداية، على أنه بسيط، ولا يستحق المناقشة، ويتجاهل الاهتمام به بحجة أن هذه التفاصيل البسيطة لا تستحق النقاش، والجدال، ولكنها في الحقيقة تكون مقدمة لمشكلات كبيرة قد تتسبب مستقبلا بإنهاء العلاقة الزوجية، والانفصال، لأن الإهمال سلوك مكتسب».
وتشدّد على أهمية أن يحدث تفاهم ونقاش بين الزوجين في كل الأمور الحياتية، حتى التي نعتقد أنها تافهة، والأفضل أن يتناقش الزوج مع زوجته التي يرى منها أشياء لا يحبها، ولا يريدها، فيطلب منها أن تتغيّر، وتعود إلى الوضع الذي كان يحبها فيه.
وتقدم الدكتورة داليا عزام بعض النصائح للزوجين ليتمكنا من خلالها تجاوز خيبة التوقعات بعد الزواج، ويستعيدا السعادة الغائبة:
- محاسبة النفس أولاً بأول، والتوقف عن العناد، وإظهار التسامح، والتغاضي بين الطرفين عن بعض الهفوات، حتى تسير الحياة بشكل أفضل. والزوجة الذكية هي التي تستطيع تحقيق ذلك بأقل القليل من الوقت، والجهد، والمال.
- وضع التوقعات غير الواقعية من الشريك، أو الزوج يؤدي، إلى الإحباط في الزواج، وما نحصل عليه فعلاً، والتغيّر بعد الزواج، قد يحدث للطرفين، ولكن بنسب مختلفة.
- عدم الاستسلام للفجوة التي تحدث بين التوقعات والواقع، والحرص على التواصل الدائم مع الطرف الآخر، والتقرب منه، وتقبّل طباعه، وأسلوب حياته.
- أيّ زوجين، مهما كان كل منهما على معرفة وثيقة بالآخر، فإنهما يحتاجان بعد الزواج إلى مدة زمنية، ربما ليست بالقليلة، للاندماج، والتعايش، والتفاهم، لتجاوز ما قد يعترضهما من اختلافات، وعثرات لم تكن في حسبانهما، فالزواج ليس نزهة قصيرة، ولا شهر عسل دائماً، بل تحتاج العلاقة الزوجية إلى حكمة، وإدارة، وفن في التعامل، لتوطيد العلاقة مع شريك الحياة.
- الكلمات اللطيفة يكون لها مفعول السحر في العلاقة الزوجية، فهي من الأمور التي تذيب الجليد بينهما، وتنهي أي خلاف، لذلك لا يجب على الزوج، أو الزوجة، التوقف عن قول الكلمات الحلوة، لما لها من تأثير ساحر في شكل الحياة بينهما، ويجب على الزوج والزوجة، ألّا يقبلا منذ البداية أي إهمال من الطرف الآخر، لأن السكوت عن المطالبة بالحقوق، ووضع النقاط فوق الحروف، يجعل الأمر طبيعياً، وتستمر معاناة أحد الطرفين، أو كليهما، لحين يطفح الكيل، أو لحين التعوّد على الواقع الأليم، وهذه الأمور بعد مرور سنوات يصعب تغييرها. لذا، لابد من البداية رفض أيّ إهمال من الزوجة، والمناقشة معها بكل هدوء حول حقيقة مشاعرها، والنتائج المترتبة على هذا الإهمال.
- الزوج والزوجة، كلاهما يحتاج إلى التدليل، والغزل، وكلمات الإطراء، ويجب ألا يتوقف أحدهما عن تقديم هذه الأمور للآخر، لأنها بمثابة شاحن لبطاريات العلاقة الزوجية.
- السعي لإرضاء الطرف الآخر، والتوقف عن الأنانية التي قد تصيب أحد الطرفين، أو كليهما، والسعي الدائم لتجديد الحياة الزوجية، وقضاء أوقات ممتعة معاً.
- من أكثر الأمور التي تجعل العلاقة الزوجية تنجح، وتستمر، هو أن يتقبل كلا الطرفين الآخر كما هو، من دون السعي لتغييره، وترك المساحة له ليختلف عنا، فليس من الضروري أن نتشابه في أفعالنا، وتحركاتنا، وطريقة تعاملنا مع الآخرين.
- التوقف عن النقد والمقارنات لشريك الحياة، والبحث عن الأمور الإيجابية في الشريك، يخلقان مناخاً للرضا بين الزوجين.
اقرأ أيضاً: كيف يتفادى الزوجان أزمات السنوات الخمس الأولى؟