لا أدري لماذا تُضحكني هذه العناوين، أو تجعلني أبتسم في حال لم يكن عندي مزاج للضحك. هذه مجلة فرنسية نسائية تنشر موضوعاً طويلاً يتضمن نصائح تكفل للمرأة أن تديم عمر زواجها لسنوات طويلة. تبدو الزيجات المعمرّة من ذكريات الماضي. وملايين البيوت في العالم كله تنهار في أقل من خمس سنوات على الزواج.
لماذا أضحك؟ لأن هذا النوع من الموضوعات يشبه تلك الكتب القديمة التي كنّا نجدها في المكتبات، من نوع: «تعلّم الإنجليزية في خمسة أيام من دون معلم». فأنت تقرأها وتعيش خمسين عاماً من دون أن تتقن قول صباح الخير بلغة شكسبير.
نعم. يمكن للقارئة أن تحفظ مقال المجلة الفرنسية، وأن تأخذ علماً بالنصائح الثمينة. ولكن هل في مقدورها، في ساعات الغضب ولحظات اليأس، أن تتذكّرها، وتلتزم بها؟ إن المبادئ جميلة، وكذلك النوايا الحسنة، لكن تطبيقها صعب.
يقول المثل اللبناني: «خليك وراء الكذاب حتى باب الدار». فلنقرأ لنعرف فحوى المقال. وهو يبدأ بعبارة لفيلسوف دنماركي يقول فيها إن الزواج هو الرحلة الأهم التي يقوم بها المرء في حياته. ثم ينتقل إلى دراسة لطبيب نفسي أمريكي يرى أن العلاقة العاطفية تتطلب استثماراً من الطرفين. وهو بالتأكيد ليس من نوع الهدايا الثمينة، والاستثمار المادي، بل المعنوي. أي أنك لا تضع في العلاقة أموالاً، بل مشاعر، وتصرّفات، وتضحيات.
أولى النصائح الست أن تبقى المشاعر حاضرة. فمن المعروف أن ألدّ أعداء الزواج هو فتور العواطف. ولكي يبقى الشغف قائماً فلابد من استمرار التواصل وتبادل الملاطفة. إن عبارة «أحبك» قد تبدو مائعة، ولا مكان لها بين المتزوجين، لكنها في الحقيقة ذات أهمية كبرى لدى هذا الطرف، أو ذاك. إنها نوع من التطمين الذي يهدّئ الأرواح، ويبعد عنها القلق، والشكوك. ثم إن العبارات اللطيفة لا تكفي إذا لم تقترن بتصرفات تؤكد الدعم، والحضور. فإذا أبدى أحد الطرفين مشاعره فإن من الجميل أن يلقى استجابة، وأذناً تصغي، وتهتم.
النصيحة الثانية هي التفكير في الأفعال اليومية البسيطة التي تعكس الحب، والاهتمام. فقد لا يكون أحد الزوجين بارعاً في التعبير بالكلام، لكنه يترجم عاطفته إلى تصرفات. ماذا ينتقص من مكانة الزوج إذا ساعد زوجته في بعض مشاغل البيت؟ ولماذا لا تساعد المرأة زوجها في تمشية المعاملات الخاصة بالأسرة، مثل مراجعة شركة التأمين على السيارة، أو متابعة تسجيل الأبناء في المدارس؟
نصيحة ثالثة أراها، من جانبي، مهمة وضرورية. وهي أن يكون لكل طرف مساحته الخاصة التي يلجأ إليها في البيت، من دون أن تثير قلق الآخر، أو تطفّله عليها. أن تحترم الزوجة انشغال الرجل بمباريات كرة القدم، أو قضاء ساعة مع الأصدقاء في المقهى، وألّا يتضايق الزوج من انصراف زوجته لمطالعة كتاب قبل النوم. إن اختلاء الفرد بنفسه حاجة ملحّة لا يجوز حرمانه منها.
النصيحة الأخرى هي مربط الفرس. وهي تؤكد مواصلة التقارب الجسدي، مهما تقدم الزوجان في العمر. فمن الخطر على العلاقة الزوجية أن تتحوّل إلى مجرد معايشة غريبين تحت سقف واحد. وقد تحول عوامل كثيرة دون الاتصال، مثل المرض، لكن اللمسة، والحضن، والقبلة الدافئة، لا غنى عنها لطرد تبلّد المشاعر.
الخامسة هي الهروب من زحمة الأسرة، بين حين وآخر، واقتطاع زمن للزوجين فقط. والسادسة والأخيرة، هي عدم إهمال أهل الزوج، أو الزوجة، والسؤال عنهم، وزيارتهم، وتعليم الأبناء على احترام أجدادهم.
هل قلت هذه المقالات والنصائح تضحكني؟ أعتذر، لأنني بعد مطالعة تفاصيل الموضوع وجدتها معقولة، ومفيدة. كلام امرأة متزوجة منذ خمسة وأربعين عاماً.