الزواج بداية رحلة جديدة مملوءة بالتحديات والفرص، ونجاح هذه الرحلة يعتمد بشكل كبير على قوة الأساس الذي يبنى عليه، فالخطوات الأولى في الزواج بمثابة اللبنات الأساسية التي تشكل بنيان الأسرة المستقبلية.
وكما أن بناء أي منزل يبدأ بتأسيس قواعد متينة، فإن بناء أسرة سعيدة ومستقرة يتطلب تخطيطاً دقيقاً ووضع أسس قوية منذ البداية.
في حوار «كل الأسرة» مع المدرب والمتخصص في العلاقات الأسرية الدكتور إسماعيل كامل البريمي، يكشف عن أهم العقبات والمشكلات التي يمكن أن تواجه المقبلين على الزواج، ويضع لهم الخطوط الأولى التي يمكن أن تسهم في إنجاح العلاقة الزوجية عند أي مطب لبناء أسرة سعيدة ومستقرة:
كيف يرصد د. إسماعيل البريمي، أهمية اختيار الشريك المناسب في تحقيق الاستقرار الأسري وضمان بيئة صحية للأبناء؟
الزواج ليس مجرد علاقة عاطفية، بل شراكة طويلة الأمد تحتاج إلى أسس ناجحة وقيم مشتركة لتكوين أسرة مستقرة؛ لذلك يكون اختيار شريك الحياة من القرارات المصيرية التي أولاها الإسلام أهمية كبيرة، وذكر رسولنا الكريم ذلك في الحديث النبوي الشريف عندما قال «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
عندما يتشارك الزوجان رؤية موحدة للحياة، يكون من السهل بناء علاقة متينة قادرة على مواجهة التحديات، كما يُعد الدين والأخلاق من أبرز المعايير التي تساعد على خلق بيئة صحية، وتعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم داخل الأسرة، إلى جانب التوافق الشخصي والاجتماعي والعلمي الذي يلعب دوراً كبيراً في تحقيق الانسجام. فالتقارب في الاهتمامات والتخصصات يمكن أن يسهم في خلق لغة مشتركة بين الطرفين، كما يساعد تقارب الطباع الشخصية والاجتماعية على تقليل فرص الخلاف، خاصة إذا كان كل طرف واعياً بطبيعة الآخر، ومدركاً لأسلوب تعامله مع مختلف المواقف.
ما هو المدى الذي يمكن أن تسهم به مرحلة التعارف في تحقيق التفاهم والتكامل بين الزوجين؟
تمثل مرحلة ما قبل الزواج حجر الزاوية في نجاح الحياة الزوجية، واختلاف الشخصيات لا يعني بالضرورة عدم التوافق، بل قد يكون مدخلاً للتكامل إذا تم التعامل معه بوعي ونضج، حيث يساعد الحوار المرن والتقبل المتبادل على تجنب التوتر وبناء علاقة متوازنة ومستقرة، كذلك، وضوح الأدوار بين الزوجين يسهم في تحقيق الانسجام ويوفر شعوراً بالراحة لكليهما، كما تعد النظرة الشرعية والتعارف المسبق خطوات جوهرية في بناء علاقة زوجية متينة؛ إذ تتيح للطرفين التعرف إلى اهتمامات وقناعات بعضهما بشكل واضح، ما يسهم في اتخاذ قرار واعٍ ومناسب. ومع أنها سنة مؤكدة تسهم في تحقيق التوافق، لا تزال بعض المجتمعات تنظر إليها بتحفظ، رغم أهميتها في تجنب الغموض والتردد.
ما هو الدور الذي يلعبه الأمان الزوجي في تعزيز الثقة وبناء علاقة زوجية مستدامة؟
يشكل الأمان الزوجي إحدى الركائز الأساسية التي تعزز الثقة وتضمن استدامة العلاقة بين الزوجين، فهو يمثل الاحتياج العاطفي والبدني الذي يمكّن الزوجين من التعبير بحرية وصدق، ما يسهم في تقوية أواصر المحبة والتفاهم بينهما.
عندما يشعر الزوجان بالأمان العاطفي، تزداد إمكانية مواجهة التحديات وتخطي الصعاب التي قد تعترض حياتهما الزوجية، على سبيل المثال، الكلمات التي قد تثير القلق، وتؤثر سلباً في مشاعر الأمان بين الطرفين، مثل حديث الزوج عن زواج آخر أو الانفصال، وبالمثل، عندما تعطي الزوجة أولوية لأمور خارج العلاقة الزوجية دون مراعاة مشاعر الزوج، فإن ذلك يضعف الثقة ويثير التوتر. هنا تبرز أهمية التواصل الصادق والمفتوح بين الزوجين كمفتاح للحفاظ على الأمان الزوجي، فعندما يتحدث كل طرف عن تطلعاته ومخاوفه دون تردد، يزداد التفاهم والاحترام المتبادل، هذا النوع من الأمان يعزز الثقة ويقوي الميثاق المقدس الذي يربط الزوجين، ويجعلها أكثر استعداداً للتعاون وتجاوز الأزمات معاً.
تخصيص وقت محدد للحوار العائلي أمر ضروري، خاصةً في عصر الانشغال والتكنولوجيا
وما هي الأبعاد التي يرسيها فن الحوار في الحد من سوء الفهم وتحسين العلاقة الزوجية؟
يتصدر غياب الحوار الأسباب الرئيسية للطلاق في بعض المجتمعات، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن هذه المشكلة تأتي في المرتبة الثالثة ضمن أسباب انفصال الأزواج، من هنا تبرز أهمية الحوار المستمر والصريح بين الزوجين كأداة حيوية لمعالجة المشكلات الزوجية وتعزيز التفاهم، تعبير كل طرف عن مشاعره وأفكاره بشكل مباشر، يسهل عملية الوصول إلى حلول توافقية للمشاكل، كما يعد تخصيص وقت محدد للحوار العائلي أمراً ضرورياً، خاصةً في عصر الانشغال والتكنولوجيا، ما أثر سلباً في استقرار العلاقة الأسرية، ساعة أسرية فعلية مخصصة للتواصل والأنشطة المشتركة بين الزوجين والأبناء، يعزز استقرار الأسرة.
كيف يرى د. البريمي أهمية ودور التربية الأسرية في تعزيز الثقافة الزوجية وتأثيرها في استقرار الأسرة؟
تلعب التربية الأسرية دوراً محورياً في تكوين الوعي لدى الزوجين بمسؤولياتهما وأدوارهما في الحياة الزوجية، فالثقافة الزوجية لا تأتي من فراغ، حيث تسهم السنوات التراكمية الأولى من عمر الأبناء في تشكيل فهمهم للمسؤوليات الزوجية واحترام الأدوار، من خلال المشاهدات اليومية للطريقة التي يتعامل بها الوالدان مع بعضهما، فعندما تُبنى التربية الأسرية على أسس صحيحة وقيم واضحة، ينشأ الأبناء بفهم أعمق لحقوقهم وواجباتهم في الحياة الزوجية. ومع ذلك، لا يُعَدّ الاعتماد على هذا المخزون التربوي كافياً بحد ذاته؛ إذ يحتاج الأفراد إلى تعزيز هذه الثقافة من خلال الاطلاع على مصادر معرفية إضافية مثل قراءة الكتب، ومتابعة الفيديوهات المتخصصة، والاستفادة من محتوى مواقع التواصل الاجتماعي المرتبط بالحياة الزوجية.
فرض نمط الحياة المختلف تبادلاً للأدوار واختلالاً في توزيع المسؤوليات، لتصبح من المشكلات التي تعيق استقرار العلاقات الزوجية والأسرية، كيف للأزواج تجاوز هذه المشكلة؟
يعد توزيع المسؤوليات بين الزوجين عاملاً أساسياً في استقرار العلاقة، وتعرض أحد الزوجين لعبء غير متوازن، كتحمل كافة الأعباء المنزلية أو في العمل، يولد شعوراً بالإجهاد والإحباط مؤثراً في استقرار الأسرة، لذلك يساعد تقسيم الأدوار بشكل عادل، بأن يتحمل كل طرف مهامه وفقاً لقدراته لخلق نوع من التوازن الذي يسهم في استقرار العلاقة.
كيف يمكن أن تسهم التضحية من شريكي الحياة في نجاح العلاقة الزوجية وتحقيق الاستقرار الأسري؟
تعد التضحية المتبادلة بين الزوجين ركيزة أساسية لنجاح العلاقة الزوجية وتحقيق التوازن في الحياة الأسرية، فعندما يبتعد الطرفان عن الأنانية، ويصبحان على استعداد للتنازل عن بعض الرغبات والأولويات، تصبح العلاقة أكثر قوة ومرونة في مواجهة التحديات.
التضحية تعني أن يبذل الزوج أو الزوجة من وقتهما ومشاعرهما، أو حتى مالهما من أجل الأسرة، وقد أكد نبينا الكريم أهمية العطاء الأسري بقوله: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي»، هذا العطاء يعكس مفهوم التضحية الذي يسهم في تهدئة التوترات وتخفيف حدة الخلافات التي قد تنشأ نتيجة اختلاف وجهات النظر أو الاحتكاكات اليومية.
على سبيل المثال، عندما يواجه الزوج تأخيراً غير متوقع من زوجته قد يؤثر في خططه الشخصية، فإن استعداده للتنازل عن راحته يخلق جواً من التفهم ويجنب الخلافات، في مثل هذا الموقف وغيره من المواقف البسيطة تعزز الثقة والاحترام المتبادل بين الزوجين، ما يسهم في بناء حلول وسطية ويعمق الانسجام، والتضحية، عندما تكون متبادلة، لا يتوقف تأثيرها في حل المشكلات الآنية فقط، بل تسهم في تحقيق التوازن بين متطلبات الأسرة واحتياجات الأفراد، ما يجعل الحياة الزوجية أكثر استقراراً واستدامة.
ما هي الاستراتيجيات والمفاتيح التي يمكن أن يزودها د. البريمي للمقبلين على الزواج لضمان حياة زوجية سعيدة ومستقرة؟
- الثقة المتبادلة: بناء الثقة يجب أن يكون من أولويات كل زوجين كونه من أهم أسس استقرار العلاقة الزوجية والأسرية.
- حل المشكلات الزوجية: على الزوجين تعلم كيفية حل المشكلات عن طريق فتح قنوات للحوار والتفاهم لحل الخلافات بطريقة منطقية دون توتر بما يعزز التفاهم ويقوي العلاقة.
- الوعي بالثقافة الزوجية: من المهم أن يمتلك الزوجان وعياً كاملاً بمفاهيم الحياة الزوجية ومتطلباتها، من خلال الورش أو الدورات أو الاطلاع على الكتب المتخصصة ومتابعة المتخصصين بالعلاقات الزوجية، لتكوين معرفة شاملة وكاملة عن الزواج.
- تقوية العلاقة بالله: عندما تكون العلاقة الزوجية قائمة على أساس من الإيمان والتقوى، فإنها تصبح أكثر استقراراً وسعادة، لذلك كلما كانت العلاقة بين الزوجين مع الله قوية، عاشا حياة مملوءة بالهناء والاستقرار.
* تصوير: السيد رمضان