قد يؤدي حسن النوايا وإفشاء كثير من التفاصيل المتعلقة بالأبناء، أو مشاريع الأسرة المستقبلية، إلى غلق الكثير من الأبواب المفتوحة، فاعتياد أحد الزوجين، أو كلاهما، إظهار النِّعم أمام الغرباء، ممن تفيض ملامحهم بمشاعر الحب والود لغيرهم وتحمل نواياهم عكس ذلك، يتسبب بعرقلة كثير من الأمور، ويعود ذلك إلى رفع الحواجز، والاسترسال في نشر تفاصيل الحياة، والحديث في الشؤون الخاصة، من دون داع.
يوضح الدكتور سالم بن أرحمه، رجل دين، قائلا «كتمان النِّعم خوفاً من الحسد، يدل عليه ما جاء في القرآن عن وصية يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام حين قال «يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا»، فالذين أخبر الله تعالى عنهم في هذه الآية هم إخوة يوسف، فما بالك بغير الأقارب؟ إذ حذّره أبوه من رؤيا يقصها على إخوته، فكيف بمن يصوّر كل يومياته من بيته، وأهله، ومشربه، ومركبه، وسفره، وحلّه، وترحاله، من دون أن يعي أن حتى الأحلام لها حُسَّاد، ولذا قيل: ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يُبديه، والكريم يُخفيه، فالحسد يقتل الفرحة، ويُهلك الصحة، فلا تجلب البلاء لنفسك بنفسك، فقد صدق النبي، صلّى الله عليه وسلّم، حين قال: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر، لسبقته العين».
ويضيف «أسرع طريقة لجلب البلاء لبيتك، ومالك، وأهلك، وصحتك، هي الإفصاح عن أخبارك الشخصية، وكذلك صورك على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكل من هبّ ودَب، فقد أوصانا النبي، صلّى الله عليه وسلّم، وقال: «استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود»، أي: كونوا لها كاتمين عن الناس، واستعينوا بالله على الظفر بها، ثم علّل طلب الكتمان لها بقوله: فإن كلّ ذي نعمة محسود، يعني: إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم، فعارضوكم في مرامكم، وليس الهدف من هذه الوصية تجنّب العين والحسد فحسب، بل ما هو أعمق: استعينوا بالكتمان، كي لا تصابوا بخيبات الأمل علناً، فهي أكثر إيلاماً، وابتعدوا عن هدر الطاقات في القول بدلاً من الفعل، فالطريق الأمثل لتمام أمورك أن تخفي ما تنوي فعله حتى يتم الله عليك نعمته، وقيل في هذا: إذا أردت أن تدوم النعم عليك، فلا تذكرها أمام الناس فليس كل مستمع محب».
من منظور آخر، تشير الدكتورة أسماء السعدي، محاضرة بقسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، إلى أن «الأصل في العلاقات الاجتماعية الاعتدال، وعدم الإسراف في إظهار، لا المشاعر ولا تفاصيل الحياة، بخاصة تلك التي تتعلق بالأبناء، والشريك، لكونها شيء خاص لا ينبغي التحدث عنه أمام الآخرين. فبالاعتدال في القول والفعل يجتاز الإنسان كل العقبات التي تواجهه، ولا يكون أبداً محط أنظار الآخرين، أما الفضفضة بما في خلف الكواليس فهي نوع من السلوك قد يكتسبه الشخص نتيجة انتمائه إلى عائلة تميل إلى الثرثرة، فيميل هو الآخر إلى أسلوب المشاركة المفرطة مع الغرباء، أو بدافع الرغبة في بناء نوع من التواصل، وتوطيد الألفة مع الآخرين، وغيرها من الأسباب التي قد تجعل الشخص يرتاح لاستعراض تفاصيل حياته، ومن ضمنها مشاريعه المستقبلية، وكل ما يتعلق بأبنائه. وعلى الرغم من أن للفضفضة بالمشاعر أهمية في حياتنا، لكونها وسيلة لإخراج مكنونات النفس، وعدم تراكمها، وطريقاً ممهداً لتحقيق المودة بين الناس، إلا أن إعطاءها لغير أهلها يفتح باباً لكثير من المشاكل التي لا يتمنى أحد خوض غمار نتائجها الصعبة».
إقحام الغرباء في حياة الشريكين يمكّنهم من مفاتيح تلك العلاقة
تعلّق د. أسماء السعدي على الأخطاء الناتجة عن إفشاء الأسرار الخاصة بالأسرة «المبالغة في إقحام الغرباء في حياة الشريكين، بكل ما فيها من تفاصيل، تمكّن هؤلاء الأشخاص من مفاتيح تلك العلاقة، فإذا تحدثت الزوجة، على سبيل المثال، عمّا يفعله زوجها معها في مواقف معيّنة، كأن تكون مريضة ويحسن هو جوارها، أو يظهر الرجل مدى تعلّقه بزوجته ويقدّر وقوفها بجانبه في أشدّ المواقف، وغيرهما، كل ذلك يفتح باباً لأن يتمنى الغرباء لو يكون لديهم من يشاركهم نفس الحب والاهتمام، وبتدقيق النظر في كل هذا نجد أن الفضفضة بما لا يجب البوح به هي أهم أسباب خراب كثير من البيوت، الأمر الذي يستلزم أن ينتبه الزوجان لهذه السلوكات...
ويقودنا هذا الحديث إلى أهمية تجنب الشريكين الآتي:
نصيحة تقدمها الدكتورة أسماء السعدي للمقبلين على الزواج كي لا يقعوا في هذا الفخ «ضعوا حدوداً واضحة، وخطوطاً حمراء عند التعامل مع الآخرين، كي لا يظنوا أن الأمر سهل، وتجنبوا الاختلاط الزائد بين الأسر، رجالاً ونساء، وتذكّروا دائماً أن الوقاية خير من العلاج، وأن التضييق الذي ربما ينفر منه الناس، خير من الانفتاح الزائد الذي لا تحمد عقباه».