في رحلة الحياة الزوجية قد تبدو البداية مملوءة بالأحلام والتوقعات، لكن سرعان ما تكشف المواقف اليومية والتحدّيات عن المعدن الحقيقي للشريكين. فالحياة المشتركة ليست مجرّد انسجام عابر، بل هي عملية مستمرة تتطلب جهداً مشتركاً لتحويل العلاقة إلى شراكة ذهبية مبنية على التفاهم، والمودة، والوعي، وهي أشبه ما تكون بـ«خيمياء» فريدة من نوعها، يمكن أن تحوّل الطاقات والمشاعر السلبية إلى إيجابية، من خلال الإدراك، والعمل المشترك.
تسلّط استشاري جودة الحياة الدكتورة جليلة الحمدان، الضوء على مفهوم «خيمياء الأزواج»، وكيف يمكن للشريكين بناء علاقة متينة تتسم بالتناغم والانسجام عبر خطوات مدروسة، تعزّز الحب والتوازن في حياتهما، مشيرة إلى أن «في بداية أي علاقة زوجية يصعب التعرف إلى حقيقة شخصية الشريك بالكامل، إذ إن المعدن الأصلي لأيّ شخص لا يظهر إلا من خلال المواقف والتحدّيات التي تواجه الحياة اليومية، وهنا يتجلّى تأثير التنشئة التربوية والاجتماعية لكل طرف، والتي تلعب دوراً كبيراً في بناء علاقة صحية، ومتوازنة».
هل ننجح في تغيير معدن شريك الحياة؟
ويطرح السؤال الأهم نفسه: هل يمكن العمل على تحسين العلاقة الزوجية لدرجة تجعلنا قادرين على تحويل معدن الشريك إلى «ذهب»، ليصبح مصدر أمان وسعادة؟
تجيب الحمدان «ركّز علم الخيمياء قديماً، على دراسة المعادن، ومحاولة تحويل النحاس والحديد إلى ذهب، والسّر في هذه العملية كان يكمن في الجهود الكبيرة المبذولة لإحداث هذا التحوّل. وبالمثل، في الحياة اليومية، يمكننا استلهام هذا المبدأ لتحويل الطاقات السلبية إلى طاقات إيجابية، من خلال العمل المستمر على تطوير الذات، وبناء علاقات قائمة على التفاهم والتوازن، وكما كان الخيميائيون يسعون لإيجاد الحجر الفلسفي لتحقيق التحوّل، فإن التحلي بالصبر والإرادة يمثلان المفتاح لتحقيق التغيير الإيجابي في مختلف جوانب حياتنا».
توضح «كيمياء العلاقة الزوجية تشبه إلى حدٍّ كبير تجربة علمية داخل مختبر، حيث يتم وضع مادتين مختلفتين (أي الشريكين)، في أنبوب واحد يمثل الحياة الزوجية، والبيئة المشتركة، في هذه التجربة، يبدأ التفاعل بينهما تدريجياً، ولنتمكن من تحقيق النجاح يجب ألا يرفض أيّ طرف الآخر، بل يسعى كلاهما إلى التغيير السريع، والتكيّف، من خلال التقبّل والتوافق في كل جوانب الحياة الزوجية. فالكيمياء الموجودة بين الزوجين تعتمد على تغييرات بسيطة يخضع لها الشريكان، ما يؤدي إلى خلق تناغم وانسجام بينهما، والسّر يكمن في الطاقة والمشاعر التي يحملها كل طرف تجاه الآخر، هذه المشاعر، إذا كانت إيجابية ومتجدّدة، فهي كفيلة بتحويل واقع الحياة الزوجية إلى تجربة مفعمة بالسعادة، والانسجام».
كيف يحوّل الزوجان السلبي إلى إيجابي؟
تكشف استشاري جودة الحياة «من خلال مفهوم علم الخيمياء، يمكن للشريكين تحويل الأشياء البسيطة إلى أشياء ثمينة في علاقتهما، فعلى سبيل المثال، يمكن تحويل مشاعر الخوف والقلق، إلى شعور بالسلام، واستبدال مشاعر الكره بالحب، وتحويل حالات الغضب إلى حالة من الهدوء، لذلك على الأزواج تعلّم كيفية تحويل الطّباع والمشاعر السلبية إلى مشاعر راقية، ومشرقة، واستثمار طاقاتهم الإيجابية، وتعاملهم بطريقة ذكية مع المواقف، ليصنعوا معاً حياة زوجية مملوءة بالحب والانسجام، تجعل علاقتهم أكثر قوة، وثراء».
تكمل «تنبع طاقة التغيير الإيجابية من التفاعل المتناغم بين الأشياء المشتركة في حياة الزوجين، وتحويل الأنشطة اليومية والممارسات الروتينية إلى أوقات مميزة مملوءة بالسعادة، حيث يمكن للزوجين بناء لحظات ذهبية تعكس مدى توافقهما، ما يعكس طبيعة الإنسان، التي تميل إلى الشريك الذي يشاركه الاهتمامات والهوايات، وبتحقيق هذا التوافق، تظهر «المعادلة الخيميائية» المثالية في كل موقف وسلوك، بما يعزّز التناغم في العلاقة.
لكن لتحقيق هذا الانسجام، يجب أن تكون العلاقة مبنية على هندسة النفس، وترجمتها إلى سلوكات إيجابية ومشاعر صادقة، فالعلاقة الزوجية التي تفتقر إلى التخطيط الواعي والمواصفات الواضحة معرّضة للسقوط، حيث يصبح الفشل والانفصال نتيجة حتمية. المودّة والرحمة بين الزوجين هما أساس الحب والتناغم، وهما لا يحتاجان إلى شروط معقدة، بل إلى إطار واضح قوامه الوعي، المنطق، واحترام الذات، لذلك علينا أن ندرك أن الحياة الزوجية ليست وردية، كما تصورها الأفلام والمسلسلات، ولا توجد سعادة مطلقة. بدلاً من ذلك، هناك تحدّيات مستمرة تقيس عمق العلاقة بين الشريكين، وهنا تأتي نعمة الوعي، التي لا تتطلب شهادات عليا، أو مكانة اجتماعية مرموقة، بل تحتاج إلى قلوب رحيمة، ونوايا صادقة».
وتشير إلى أهمية القدرة على اتخاذ قرارات مدروسة مشتركة تصنع الفارق، وتسهم في نجاح العلاقة الزوجية «من خلال السعي المشترك نحو أهداف مشتركة، يصبح تحقيق «العلاقة الذهبية» ممكناً. والوعي بالذات، وفهم خريطة الطريق للحياة الزوجية، هما المفتاحان لهذه العلاقة، وهذا يتطلب إدراكاً عميقاً بأن كل إنسان يخطئ، وأن جودة العلاقة تتجلى في كيفية إدارة هذه الأخطاء، والتعامل معها بحكمة ونضج، فنجاح العلاقة الزوجية ليس بالأمر السهل، بل هو ثمرة التفاهم والصبر، والعمل المشترك، عملية مستمرة من التغيير الإيجابي، وهندسة النفس، والوعي، التي تضمن تحقيق حياة زوجية قائمة على الاحترام، والحب، والتناغم».
نصائح للزوجين لتحقيق «خيمياء» ناجحة بينهما
توجز «تعتمد خيمياء الأزواج على الذكاء العاطفي بين الشريكين، حيث يجب:
- أن يصبح هدف الزوجين المشترك تحقيق التوازن والسعادة، من خلال استغلال قوتهما الداخلية الكامنة التي تمنحهما القدرة على تحديد الأولويّات.
- الاستغناء عن الأمور الثانوية، للوصول إلى النجاح والسلام في علاقتهما الزوجية.
- الابتعاد عن الملل والروتين هو أحد مفاتيح هذه الخيمياء، حيث يتطلب الأمر وعياً وإدراكاً للمساعدة على تحرير المشاعر السلبية، والتعامل معها بمرونة.
- التكيّف مع احتياجات الشريك.- التركيز على الحاضر والسعي المستمر لتطوير الذات.
وكلّ هذه العوامل أساس لتحقيق نسخة أفضل من أنفسنا، ما ينعكس إيجاباً على العلاقة الزوجية».
وتختم «خيمياء الأزواج ليست سوى رحلة تحتاج إلى الصبر والقوة، فهي عملية مستمرة لبناء علاقة تقوم على التفاهم والمودة. وما أجمل أن يصبح شريك حياتك هو صديقك، ومستشارك، وأقرب الناس إليك. فمع مرور الوقت والعشرة، تظهر المعادن الذهبية لكل منكما، ما يعزّز الروابط ويجعل العلاقة أكثر متانة، وعمقاً».