
قد يبدو الصراخ والجدل الحاد شكلاً مثيراً للقلق، والانزعاج، في الخلافات الزوجية، لكن في الواقع، فإن الصمت والتجاهل هما التهديد الحقيقي لاستقرار العلاقة الزوجية. فالمشكلات التي تترك من دون مواجهة، أو نقاش، تبني جدراناً من الغموض والجفاء، مسبّبة فجوة عاطفية يصعب تجاوزها، لتكون إشعاراً للخطر، وقنبلة موقوتة، تدمّر الانسجام والتفاهم بين الزوجين.
توضح المرشدة في المجال الأسري والزواجي وأخصائية تعديل السلوك أسماء سويد «تُبنى العلاقة الزوجية على أسس متينة، وقواعد واضحة، فهي ليست مجرّد شراكة بين شخصين، بل «ميثاق غليظ»، كما سمّاه الله عز وجل، ما يبرز أهميته، وقدسيته. ولتحقيق استقرار الأسرة وسلامتها، لا بد من وجود ركائز أساسية تضمن التوازن، النفسي والعاطفي، وتحقق الانسجام بين الشريكين».
وتشير أسماء سويد إلى الاعتقاد الخاطئ لشكل الخلاف الزوجي الأكثر خطورة على العلاقة الزوجية «يُعتقد غالباً، أن الغضب والصراخ هما أخطر مظاهر النزاع بين الأزواج، لكن في الواقع الصمت والهروب من مواجهة المشكلات هما التهديد الحقيقي لاستمرارية العلاقة، فقد تكون المشاجرات العلنية مقلقة، لكنها في الحقيقة تمنح الشريكين فرصة للتعبير عن مشاعرهما، ومخاوفهما، بينما يسبب الصمت الطويل، وتجاهل القضايا، فجوة عميقة بين الطرفين، يصعب تجاوزها مع الوقت».
وتشرح «الهروب من المشكلات، وعدم الحديث عنها، يؤدّيان إلى تراكمها، ما ينعكس سلباً على التوازن النفسي والعاطفي، لكلا الطرفين، فغياب الحوار يمنع فهم تطلعات واحتياجات كل طرف، ما يزيد من الشعور بالإهمال والوحدة داخل العلاقة نفسها، ومع مرور الوقت، تصبح هذه الفجوة بمثابة حاجز عاطفي يهدّد بانهيار العلاقة، ومهما كان التعبير عن الغضب والصراخ مزعجاً، فإنه يبقى شكلاً من أشكال التواصل. أمّا الصمت والهروب، فهما بمثابة قنبلة موقوتة تهدّد بانهيار العلاقة تدريجياً».

كيف تكون الخلافات الزوجية مفيدة للعلاقة؟
تبيّن أسماء سويد أهمية الخلافات الزوجية «عند وقوع خلاف بين الزوجين، تتباين ردود الأفعال، وآليات التعامل، بشكل كبير، بخاصة إذا لم يكن هناك وعي مسبق بكيفية إدارة هذه المواقف، لذلك، من المهم أن يدرك الشريكان أن وجود الاختلاف ليس أمراً طبيعياً فقط، بل هو مطلب صحي يخدم العلاقة الزوجية، إذا تم التعامل معه بوعي، واحتواء، وتفهم متبادل. وتظهر المشكلة الحقيقية عندما يتحول الاختلاف إلى خلاف حاد يسعى فيه الطرفان إلى فرض السيطرة، وإثبات أن كل منهما على حق، وتتحول العلاقة إلى ساحة معركة، يتخلّلها التعصب والتشنج، ويغيب عنها الاحترام والتفاهم، وبالتالي تضعف المودّة، والرحمة التي تبنى عليها العلاقة. فالزواج، في جوهره، لا يقتصر على الحقوق والواجبات، بل يقوم على الإحسان، والتغافل، والمغفرة المتبادلة بين الشريكين. لذلك، بدلاً من التركيز على الفوز في الخلافات، يجب أن يكون الهدف كسب القلوب، والحفاظ على العلاقة قوية ومترابطة. فالقدرة على إدارة الخلافات، بوعي ونضج، تسهم في تعزيز التفاهم وبناء أسس أكثر صلابة للعلاقة الزوجية».

ما أسباب تفاقم الخلافات الزوجية؟
تجيب أسماء سويد «تنبع الخلافات الزوجية، في كثير من الأحيان، ممّا يمكن وصفه بـ«مدمّرات العلاقة»، والتي تشمل:
- اللوم
- الاتهامات المتبادلة
- السخرية
- الصراخ
- انعدام المصارحة بين الزوجين
- لكن يبقى السبب الأكثر خطورة وراء تصاعد هذه المشكلات هو غياب الحوار الفعّال، ومهارات الاتصال بين الطرفين، الذي يؤدي إلى تراكم القضايا والمشكلات من دون حل، مسبباً فجوة، عاطفية ونفسية، بين الشريكين.
هذه الملفات المؤجلة، وغير المعالجة تضع العلاقة تحت ضغط مستمر، يدفعها إلى حافة الانهيار».
كيف يمنع الزوجان تفاقم المشكلات بينهما؟
- تحسين الحوار وبناء أساليب تواصل إيجابية بين الزوجين، خطوة ضرورية لتعزيز العلاقة ومنع تفاقم المشكلات.
- التواصل الفعال لا يقتصر على تبادل الكلمات فقط، بل يشمل أيضاً التفهم المتبادل، الإصغاء النشط، والتعبير الصحي عن المشاعر الذي يعيد إلى العلاقة توازنها واستقرارها».
أبرز الخلافات الزوجية
ترصد أخصائية تعديل السلوك أبرز الخلافات الزوجية التي تدمّر العلاقة الزوجية:
- فقدان الاهتمام وتلاشي الشغف: نتيجة طبيعية لضغوط الحياة اليومية. بدلاً من العمل على تجديد الشغف، يلجأ أحد الطرفين إلى افتعال المشكلات كوسيلة للتنفيس.
- أنعدام الثقة، والغيرة: الغيرة والشك الناتجان عن طبيعة أحد الشريكين، أو تجربة سابقة، يؤدّيان إلى تآكل الثقة، ما يفاقم المشكلات بينهما.
- الخلافات الجنسية: انعدام الصراحة حول احتياجات الشريكين يضعف العلاقة، حيث تعد هذه النقطة أساساً لبناء الزواج، وتتشعب منها تفاصيل كثيرة تحتاج إلى حوار واعٍ، وشفاف.
- الخلافات المالية: غياب الاتفاق المسبق حول الميزانية والمصاريف الأسرية، أو اختلاف الأولويات المالية، بخاصة مع وجود دخل منفصل للزوجة، يؤدي إلى أزمات متكررة.-
- الخلافات العاطفية: ينشأ هذا النوع من المشكلات بسبب عدم وعي الشريكين بلغات الحب المختلفة، أو كبت المشاعر، الإيجابية والسلبية، ما يؤدي إلى انفجارات غير متوقعة لأسباب بسيطة.

تداعيات الخلافات الزوجية
مما لا شك فيه أن الخلافات الزوجية إذا لم يتم التعامل معها بوعي وحكمة، يمكن أن تؤدي إلى تداعيات خطرة، تمس العلاقة وأطرافها، منها:
- فقدان الاحترام وارتفاع حدّة الأصوات والغضب، ما يعكس عجزاً عن إدارة الانفعالات والمشاعر، بشكل صحي.
- استمرار اللوم والتوتر، وتفاقم الغضب المحتقن داخل الشريكين.
- قسوة التعامل والنفور المتبادل، الذي يعمق الشقاق بين الزوجين.-تدهور العلاقة الجنسية التي تتحول إلى واجب فيزيولوجي باهت، قد تنتهي بالضعف، أو الانقطاع، ما يمهّد لبعض الأزواج الطريق نحو الخيانة، بأشكالها المختلفة.
- انعدام التواصل، أو اقتصاره على الحد الأدنى، مع ضعف الرغبة في الحوار بين الشريكين.
- التقصير في الواجبات الزوجية، حيث يقوم كل طرف بأدنى جهد ممكن، أو ينسحب تماماً من مسؤولياته.
- الآثار النفسية السلبية، مثل القلق، والحزن، واليأس، والإحباط، خصوصاً عند تكرار الخلافات، أو غياب حلول جذرية لها.
توجز أسماء سويد «كل هذه التداعيات قد تصل بالزوجين إلى الطلاق العاطفي، وعاجلاً، أو آجلاً، تُحوّل العلاقة إلى كيان ميت، لا جدوى منه، تاركةً آثاراً سلبية في الأبناء، في المجالات النفسية، والعاطفية، والاجتماعية، ما يكشف خطورة الخلافات الهادئة».