تطلعنا وسائل التواصل الاجتماعي على ترندات المواقف والمناسبات المختلفة، لترتبط بعيد الحب وهداياه صرعات جديدة يجرى وراءها البعض، والذين يغيب عنهم ما تحمله الهدية من قيمة معنوية تؤثر في وجدان من تُهدى له، بغضّ النظر عن كونها «ترند».
وفي السطور التالية نناقش ذلك على أرض الواقع، ونتعرف إلى مدى اهتمام الناس بالبحث عن «ترند» الهدايا المرتبط بعيد الحب، وهل يُعد ذلك شيئاً إيجابياً يترك أثراً طيباً لدى الطرف الآخر:
هدايا عيد الحب.. تغيير يواكب الحداثة
يعلّق حمد عبدالله، موظف، على قيمة الهدية وأهمية أن تكون مواكبة للموضة «لم تعُد الحياة كما كانت في السابق، فكل شيء تغيّر من حولنا، حتى طرق احتفالاتنا بالمناسبات أضيف إليها كثير من التغيير الذي يواكب الحداثة. ومناسبة مثل عيد الحب، باتت هي أيضاً لها صرعاتها، فمثلاً لم يعُد يكتفي البعض بالتهادي بباقة ورد عادية، بل أصبح هناك مغالاة كبيرة في باقات الورود، تصل إلى آلاف الدراهم، وهناك من يحرص على جلب هدية باهظة الثمن لمن يحبه، وآخرون ينظمون حفلات ويدعون إليها الأصدقاء للتعبير أمامهم عن حبهم لشريك الحياة، وهناك من يشتري تذكرة سفر لإحدى الوجهات المفضلة لشريك حياته، ويضعها في باقة ورد، كأن التعبير عن المشاعر يرتبط بمدى ما ينفقه الشخص في هذه المناسبة. ويظن أن الهدية بقيمتها المادية، وليست المعنوية، كل ذلك زاد من عبء هذا اليوم، وجعله مناسبة يحمل البعض همها، لما تتطلبه من ميزانية يحضر لها سلفاً».
باقة الورد.. رمز عيد الحب
من جهتها، توضح سارة فراح «يعتقد البعض أن التعبير عن الحب يتزامن مع مناسبته، وهذا شيء خاطئ، لأننا في حاجة دوماً لأن نعبّر عن مشاعرنا تجاه الأشخاص الذين نحبهم كل يوم. وعلى الرغم من اهتمام الكثيرين باتباع الموضة حتى في مسألة التهادي، إلا أن مناسبة عيد الحب لا تزال مرتبطة بباقة ورد تختلف كلفتها بالقدرة المادية لصاحبها، وبعلبة شوكولاتة. وهنا قد يأتي «الترند» الذي يلاحقنا في كل مفاصل الحياة، فهناك من يحرص على تقديم الهدية الأعلى ثمناً، وآخرون يفضلون تزيينها بشكل مبالغ فيه، ومنهم من يحب إيصالها لمن تقدم إليه بصورة مبتكرة، و«ترندي»، كما يقولون، وكلها سلوكات على الرغم من مبالغتها، إلا أنها تلقى قبولاً عند البعض».
هدية عيد الحب.. تجربة سفر أو عشاء خاص أو قفز بالمظلات
كما تؤكد بشائر جمال يتيم، رائدة أعمال وصاحبة مشروع تذكار لتجارة الزهور والهدايا، رغبة بعض الشباب في جعل الهدية تجربة لا تنسى «الهدية تعبير عن المشاعر، وهي تخلف ذكرى جميلة يظل أثرها باق بين المتحابين، كما أنها إحدى لغات التواصل العاطفي، وفي أحيان كثيرة تعكس مشاعر يصعب، أحياناً، التعبير عنها بالكلمات. وكما طال التغيير حياتنا، أصبح هناك أيضاً تغيير في نظرة البعض إلى الهدايا، فبجانب المعتاد من جلب الورود وإلحاقها بقطعة مجوهرات محفور عليها الاسم، هناك إقبال من الشباب على جعل الهدية على شكل تجربة لا تنسى، وتظل ذكراها باقية في الأذهان، فهناك من يرتّب لرحلة سفر قصيرة، أو عشاء خاص في مكان يفضله الطرف الآخر، وهناك من يخطط لتجربة مغامرة جديدة، مثل القفز بالمظلات، وهذا النوع من المفاجآت يخلق حالة من السعادة، بخاصة إذا اقترنت بمناسبة مثل عيد الحب».
الورود أقصر طريق للتعبير عن المشاعر
يرى أيمن البقاعي، صاحب محل «توليب فلور» في الشارقة، أن أكثر الهدايا وقعاً على النفس هي المتعلقة بالأزهار والورود، لكونها أقصر الطرق للتعبير عن المشاعر، والحب الصادق، ويشير «من يذهب إلى محل الزهور وينتقي الباقة، أو المزهرية، ويرتب ورودها بدقة، فبلا شك يحمل مشاعر حقيقية للطرف الآخر، فالورود مصدر للسعادة، ودائماً ما ترتبط بالمشاعر، وأكبر دليل هو عدم اقتصار شرائها على يوم الحب فقط، بل هي مطلوبة طوال العام».
«أما في ما يتعلق بـ «ترندات الورود»، تلك التي يكثر الطلب عليها، هي ما نستوردها من هولندا، وأكثر من يطلبها هم الأشخاص الذين لديهم ذوق في اختيار نوع الورود، وأندرها، وهناك من يجلب هدية ويطلب إضافتها لباقة الورد، مثل ساعة تحمل ماركة عالمية، أو هاتف محمول، وأحياناً قطعة من المجوهرات، أو الألماس النادرة، وغيرها من الهدايا القيّمة التي تعبّر عن مكنون المشاعر والحب».
لغات الحب الخمس
الدكتورة آمال النمر، مستشار نفسي وأسري بإدارة مراكز التنمية الأسرية في الشارقة، تعلّق قائلة «تُعد هذه المناسبة فرصة لأن يعبّر كل فرد عن حبّه للطرف الآخر، لكن هناك من ينظر للأمر باعتباره شيئاً خاصاً بالزوجين، وإن كنت أرى أن تلك المناسبة يمكن استغلالها لأن يعبّر كل منا عن مشاعره تجاه الآخر، سواء كان أخاً، أو أختاً، أو أمّاً أو صديقاً، أو أي إنسان قريب منا، وبما أن الحب كلمة وجدانية تحمل مشاعر وعاطفة، فهي تحتاج إلى سلوكات ظاهرة كي يتم التعبير عن مكنونها».
وتضيف «وضع بعض العلماء مقياساً لمعرفة لغة الحب توضح الطريقة التي نفضلها للتعبير عن مشاعرنا، وما نحب أن يعاملنا به الآخرون، وسمي بـ«لغات الحب الخمس»، وأولاها هي استخدام الكلمات التوكيدية كالثناء، المدح، إظهار التقدير، التغزل، الشكر، وثاني لغة هي التعبير بالأفعال، وتقديم الأعمال الخدمية، وثالثتها قضاء وقت نوعي مع الحبيب، ويعني الجلوس معه لتبادل الحوار والنقاش، ولا يشترط التحدّث عن المشاعر، فقد تكون الجلسة لمناقشة قضايا عامة، المهم هو الجلوس معه، ورابعتها التلامس الجسدي، أي التعبير عن الحب باللمسات العاطفية، مثل مسك اليد، أو الاحتضان، وأخيراً تبادل الهدايا، ويكون بتذكر المناسبات الخاصة، والتحضير لها. وهنا لابد من الإشارة لنقطة مهمة، وهي أنه يجب على كل واحد منا أن يستوعب اللغة التي يفضلها الطرف الآخر، ويتعامل معه بها، ووفق ما يحب، وليس ما أفضّله أنا».
لسنا ضد التطور ولكن الأهم أن تظل الهدية مناسبة للغة الحب الخاصة بالطرف الآخر
وبالحديث عمّا هو متّبع في عيد الحب، تشير الدكتورة آمال النمر إلى مقياس الحب المتعلّق بتبادل الهدايا «بلا شك كان، ولا يزال، للهدية قيمة معنوية بغض النظر عن قيمتها المادية، وإن كانت الحياة في السابق أبسط من ذلك، والتعبير عن الحب لا يشترط أن يكون مقروناً بهدية، وإن وجدت فلا يهم نوعها، وكلفتها المادية. أما في ما نعيشه اليوم من تطوّر وحداثة، وبعد أن أصبح للمواقف والمناسبات الخاصة والمقاطع المصورة العائلية «ترندات» يقلّدها الكثيرون، وبعد أن تزاحمت التكنولوجيا لتحتل كل مفاصل الحياة، بات التعبير عن مشاعرنا مختلفاً عن الماضي، فأصبح للهدية أشكال متعدّدة، فما كان عادياً لم يعد مقبولاً الآن، وإن كنا لسنا ضد التطوّر، ولكن الأهم أن تظل الهدية مناسبة للغة الحب الخاصة بالطرف الآخر، وفي الوقت نفسه، لا ترهق ميزانية من يقدمها».
تلفت د. النمر إلى «ترندات» الهدايا، وما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي من مظاهر يراها البعض خدّاعة «الجري وراء كل ما هو جديد في الملبس، المأكل، الأثاث، الزينة، الهدايا، أمر يجب الالتفات إلى مخاطره، فلا يجوز أن يظل شغلنا الشاغل هو جديد العام. فالهدية قد تكون غالية الثمن، وحديثة الفكرة، إلا أنها لا تلامس ذوق من تقدم له، أو ربما لا ترضي أحداً قياسات الحب عنده، فضلاً عن كونها غالية الثمن، وترهق ميزانية من يقدمها، وهنا نقول إن الهدية فشلت في تحقيق هدفها لكونها لا تعبّر عنّا، بل تعبّر عمّن صنع «الترند»، فلا ينبغي أن يختصر الناس كلمة الحب في صرعة هدية، وليعبر كل واحد منا عن مشاعره بالطريقة التي يفضلها، فالحب أسمى وأرقى من ذلك».
نصيحة تقدمها المستشارة النفسية والأسرية عن أهمية التعبير عن الحب «عبّروا عن حبكم للآخرين ولو بكلمة أو وردة أو هدية متواضعة، المهم أن نبرز تلك المشاعر، ولا ينبغي أن يقتصر ذلك على يوم واحد، بل نجعل لكل يوم بصمة نتركها في قلوب من نحبهم».