06 فبراير 2025

الحب أم الاهتمام.. أيهما الأهم لاستقرار الحياة الزوجية؟

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في عالم العلاقات الزوجية يُظهر الحب قوته الحقيقية حين يُترجم إلى اهتمام يومي، يعكس الاحتواء والحرص على إسعاد شريك الحياة، فالعلاقة الزوجية لا تزدهر بالكلمات، بل تحتاج إلى أفعال تثبت عمق الحب، وتُشعر الطرف الآخر بأنه جزء لا يتجزأ من حياته. مع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: أيّهما يلعب دوراً أكبر في بناء علاقة زوجية ناجحة ومستقرة.. الحب أم الاهتمام؟

مجلة كل الأسرة

الاهتمام هو العنصر الرئيسي

تتوقف المستشارة النفسية والأسرية الدكتورة آسية القرشي، عند هذا التساؤل، فتقول «يظن البعض في البداية أن الحب هو العامل الأساسي الذي يبني العلاقة الزوجية الناجحة، ولكن مع مرور الوقت يتضح أن الاهتمام هو العنصر الرئيسي الذي يسهم في الحفاظ على الحب، وجعله يدوم طويلاً، فلا يكفي مجرّد الشعور بالحب، بل لابد من ترجمته إلى أفعال.

ومن خلال خبرتي كمستشارة، يمكن أن أؤكد أن الاهتمام هو لغة الحب الأعمق، يمكن تجسيدها في الأفعال اليومية لتبيّن للشريك أن الطرف الآخر موجود لأجله، يهتم به، يحترم مشاعره واحتياجاته، يقدّره، ويشكر الله على نعمة وجوده في حياته، كجزء أساسي من التعبير عن هذا الاهتمام».

تلفت د.آسيا لأهمية تبادل الاهتمام «على الرغم من وجود الحب كرابط حقيقي بين الزوجين، إلا أن الاهتمام المتبادل هو ما يبقي هذا الرابط قوياً، فالعلاقة الزوجية تتطلب بذل الجهد والإخلاص من الطرفين، فكل طرف عليه مسؤولية في تعزيز العلاقة، والمحافظة عليها، والحياة الزوجية فيها غير قليل من التحدّيات والصعوبات، لكن التعاطف، والتفاهم، والاحتواء هي المفاتيح التي تسهم في استمراريتها، ونجاحها».

مجلة كل الأسرة

كما تشير إلى أنه «من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها كثير من الأزواج، هو الاعتقاد بأن الاهتمام مجرّد مرحلة مؤقتة، أو أمر يقتصر على بداية العلاقة فقط، لكنه في الحقيقة العمود الفقري لأيّ زواج ناجح، لا غنى عنه في جميع مراحل العلاقة. فالحياة اليومية، بمشاغلها وضغوطها، قد تبعد الزوجين عن بعضهما بعضاً، ما يجعل من السهل إغفال التفاصيل الصغيرة التي تعزز التواصل العاطفي بينهما. ومع ذلك، فإن الأزواج الذين يدركون أهمية الاهتمام المستمر، حتى في أبسط الأمور، يتمتعون بعلاقة أقوى، وأكثر استقراراً.

وتتجلى أهمية الاهتمام في ضوء «مثلث الحب» للعالم روبرت ستيرنبرغ، في تحديد ثلاثة أبعاد رئيسة لأي علاقة زوجية ناجحة، هي:

  • الحميمية: وتعني القرب العاطفي، والتواصل الصادق المستمر بين الزوجين.
  • المشاعر: تلك الحرارة العاطفية والرغبة التي تحتاج إلى اهتمام متجدّد كي لا تخبو مع الوقت.
  • الالتزام والمسؤولية: القدرة على الحفاظ على العلاقة رغم التحدّيات والظروف.

حينما يعمل الاهتمام كرابط أساسي بين هذه الأبعاد، يبقي الحميمية حية، ويعزز المشاعر، ويجدّد الالتزام بشكل مستمر، وهو بذلك يكون ليس مجرد كلمات، بل أفعال ملموسة تعكس مشاعر الحب، وتظهر تقدير الشريك. وكلما أبدى الزوجان اهتماماً حقيقياً بالتفاصيل اليومية، كالسؤال عن حال أحدهما، أو التعبير عن التقدير بطرق بسيطة، زادت متانة العلاقة بينهما، هذا الاهتمام يجعل الحب أكثر صدقاً، ويخلق بيئة صحية تمكّن الزوجين من مواجهة أيّ تحدّيات قد تظهر مع مرور الوقت».

مجلة كل الأسرة

نقص الاهتمام.. ناقوس خطر

من جانبها، تسلّط الأخصائية النفسية في مجال (التوافق الزواجي)، الدكتورة امتثال السيد أحمد، الضوء على خطورة نقص الاهتمام بين الزوجين، وتبين «يشكل ناقوس خطر يهدد العلاقة الزوجية، ومع مرور الوقت يؤدي هذا النقص إلى فتور عاطفي، حيث يشعر كل طرف بأن الآخر لم يعد يهتم به، تماماً كالأرض العطشى، عند حرمانها من قطرات المطر تجفّ وتتشقق. يحتاج الحب إلى تغذية مستمرة بالاهتمام، وهذا الفتور لا يقتصر على العلاقة العاطفية فقط، بل ينعكس على الصحة، النفسية والجسدية، للطرفين، حيث تزداد مشاعر الشك والغيرة، وتقل الثقة بالنفس، ما ينعكس على الأسرة، ويجعلها أقلّ دفئاً واستقراراً».

من هنا تضع د. امتثال عدة توصيات للأزواج كي تبقى شعلة الحب متوهجة بينهما:

  • إظهار الاهتمام بين الزوجين هو جوهر العلاقة الناجحة، يمكن أن يتجلى في الأفعال البسيطة التي تحمل معاني كبيرة، مثل الكلمات اللطيفة، فعبارات مثل «أقدر وجودك في حياتي»، أو «أنت تبذل جهداً كبيراً من أجلنا»، تعزز الشعور بالتقدير، وتبث الطمأنينة.
  • بعض الأفعال تكون بمثابة تعبير عملي عن الحب، على سبيل المثال، تحضير كوب من القهوة لشريك الحياة في الصباح، أو ترتيب أغراضه قبل خروجه للعمل، يعبّر عن الاهتمام من دون الحاجة إلى الكلام. كذلك بالنسبة إلى قضاء بعض الوقت النوعي، فهو يظهر الاهتمام بالشريك، والعلاقة الزوجية، كمشاركته مشاهدة فلم مفضل، أو تناول العشاء معاً، أو حتى ممارسة رياضة خفيفة.
  • بعض الهدايا البسيطة تحمل وزناً عاطفياً كبيراً للشريك إذا كانت مدروسة، مثل كتاب يثير اهتمام الشريك، أو وردة في يوم عادي، تعبر عن اهتمامه وتفكيره فيه، حتى في التفاصيل الصغيرة.
  • التواصل العاطفي يلعب دوراً رئيساً في إيقاد مشاعر الحب، حيث يمكن لسؤال بسيط مثل «كيف كان يومك؟»، أن يعكس اهتماما صادقاً بمشاعر الطرف الآخر.
  • الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة، مثل تذكّر المناسبات الخاصة كعيد الميلاد، أو ذكرى الزواج، أو سؤاله عمّا إذا كان بحاجة إلى شيء، إذا ما بدت عليه علامات التعب.
مجلة كل الأسرة

وتشير د. امتثال إلى مدمّرات الحب بين الزوجين، قائلة «هناك الكثير من العوامل التي إذا ما تسللت إلى العلاقة الزوجية، تصبح سبباً في تآكلها، فمدمّرات الحب بين الزوجين لا تأتي دائماً على هيئة أزمات كبيرة، بل تظهر بشكل خفي في تفاصيل الحياة اليومية، بدءاً من تجاهل المشاعر، إلى غياب التفاهم، أو غلبة الأنانية، هذه العوامل لا تشكّل هذه تهديداً للرابطة العاطفية فقط، بل قد تتحول إلى معول يهدم استقرار الأسرة بأكملها»...

لذلك ترصد د. امتثال، عدة توصيات للموازنة بين الحب والاهتمام:

  • الابتعاد عن فرض السيطرة والرغبة في التملك، فالشريك ليس تابعاً، والسيطرة العاطفية تقتل مشاعر الحب، وتخلق خلافات مستمرة. وشعور كل طرف بالراحة والاستقلالية داخل العلاقة يعزز التوازن، العاطفي والنفسي، ما يجعل الشريكين أكثر قدرة على التعبير عن الحب بحرية، وصدق.
  • الحذر من الإسراف في العطاء. العلاقات الزوجية قائمة على العطاء المتبادل، لكن الإفراط في التضحية من دون حدود يؤدي إلى الشعور بالإرهاق، أو عدم التقدير، لذلك من المهم أن يكون تقديم الاهتمام بشكل متزن، يعبّر عن الحب من دون مبالغة.
  • تلعب المرونة دوراً محورياً في الحفاظ على العلاقة، لذلك يجب تجنب النقد الدائم، أو اللوم المستمر من أجل خلق بيئة إيجابية خالية من التوتر.
  • تقليل التوقعات الزائدة، حيث لا يمكن لأيّ علاقة أن تكون مثالية، لذلك يساعد تقبّل العيوب والنواقص في الشريك، على بناء توازن نفسي صحي، يجعل من العلاقة أكثر واقعية، وقوّة.
مجلة كل الأسرة

أما المستشارة النفسية ناعمة الشامسي، فتتوقف عند تأثير الحب والاهتمام في الصحة النفسية للزوجين «الحب هو الشعور الذي يجعل كل طرف يرى في الآخر شريكاً حقيقياً وداعماً في رحلة الحياة. عندما يشعر الزوجان بحب متبادل، فإن ذلك يخلق بيئة آمنة نفسياً، تخفف من القلق والتوتر، وتمنحهما إحساساً بالانتماء. فالحب يعزز الثقة بالنفس لدى الزوجين، حيث يشعر كل منهما بأنه مقبول كما هو، من دون شروط، أو قيود، أما الاهتمام، فهو التعبير العملي عن هذا الحب، فلا يمكن للحب أن يصمد وحده، إذا لم يترجم إلى أفعال تظهر التقدير والرعاية، فالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة يشعر الطرف الآخر بأنه هام ومقدّر، هذا الإحساس يعزز الصحة النفسية بشكل كبير، ويمنح شعوراً بالأمان العاطفي، ما يقلل من احتمالات الشعور بالإهمال، أو الوحدة داخل العلاقة، كما يعمل كل من الحب والاهتمام على تعزيز التواصل الإيجابي بين الزوجين، ما يخفف من حدة الخلافات، ويقلل من الضغوط النفسية».

مجلة كل الأسرة

وتوضح ناعمة الشامسي اختلاف أهمية الحب والاهتمام بالنسبة إلى الرجل والمرأة «غالباً ما يميل الرجل إلى تفضيل الاهتمام المتمثل في التقدير لأدواره، وجهوده، وقد يشعر بالسعادة عندما تظهر الزوجة اهتماماً بإنجازاته، وتفخر بما يقدمه للأسرة، أو تقديم الدعم الفعلي في لحظات الضغط، وتمنحه شعوراً بأنه محور تقدير واحترام...

وبالنسبة إليه، «أي الرجل»، فإن الاهتمام اليومي، مثل المساندة في القرارات، أو مشاركة الأنشطة اليومية، يعتبر تعبيراً أعمق من الحب، بينما تفضل المرأة التعبير عن الحب، بشكل مباشر وعاطفي، فكلمات الحب والإطراء، العناق، والتعبير عن المشاعر تشعرها بالأمان العاطفي، لكن هذا لا يعني أنها تستغني عن الاهتمام، فهو بالنسبة إليها الانتباه للتفاصيل الصغيرة، مثل السؤال عن حالها، أو تقديم المساعدة على أعباء الحياة اليومية، هذه الأفعال البسيطة تجعلها تشعر بأنها ليست وحدها، وأن شريكها يشاركها كل جوانب حياتها».

تختم المستشارة النفسية «لا يمكن الفصل بين الحب والاهتمام، فكل منهما يكمل الآخر، الحب هو الشعور الأساسي الذي يدفع العلاقة، والاهتمام هو الوسيلة التي تعكس هذا الحب على أرض الواقع. في العلاقات الناجحة يدرك الزوجان أهمية تلبية احتياجات بعضهما بعضاً، سواء كانت تلك الاحتياجات عاطفية، من خلال التعبير عن الحب، أو عملية من خلال الاهتمام اليومي».