
في ظل زخم الانشغال بضغوطات الحياة، يفتقر بعض الأزواج والزوجات، بخاصة من مرّ على ارتباطهم فترة طويلة، إلى أهمية توطيد أواصر الحب بينهم، لتأتي المناسبات السعيدة وتحمل معها فرصة لتجديد دماء تلك العلاقة، ومن بينها عيد الحب، هذه المناسبة التي تعزّز التعبير عن مشاعر الودّ والامتنان للشريك، سواء بكلمة رقيقة، أو هدية بسيطة.

نلتقي في السطور التالية بعض الأزواج لنتعرف إلى مدى تأثير العِشرة الطويلة في طرق استقبالهم لهذه المناسبة، وهل لا تزال تحمل قيمة يسعون إلى استغلالها، أم تأثرت علاقتهم بالاعتياد، ومرور السنوات؟

تعزيز العلاقة ولو بأبسط الأشياء
الدكتورة وفاء موسى، سيدة أعمال، تقول «حرصي، وزوجي، على ديمومة العلاقة، تجعلنا نبحث دوماً عن أيّ فرصة نغزل من خلالها خيوطاً لذكريات جميلة نستعيد تفاصيلها، بين الحين والآخر. فبلا شك قد يقع البعض فريسة للملل، واعتياد الروتين اليومي الذي يجمعهم بأحبّائهم، بخاصة من مرّت على عشرتهم فترة طويلة، فتشغلهم مصاعب الحياة، وتحدّياتها، وينسون المودة والحب فيما بينهم. وعلى الرغم من مرور سنوات على زواجي، إلا أنني أحرص، وشريك حياتي، على إحياء علاقتنا معاً، ولو بأبسط الأمور، فقد تجذبنا نزهة بالسيارة، أو سفرة من دون الأبناء، أو إحياء مناسبة سعيدة، وكلها أمور تحفزنا لأن نكون سعداء.
وتُعد مناسبة، مثل عيد الحب، مجرّد وسيلة تذكّرني، وزوجي المهندس إسماعيل المرزوقي، بهدفنا الأساسي في الحياة، وهو إيجاد علاقة تحكمها المودّة، والتفاهم، والشعور بالامتنان، فلا تمرّ مرور الكرام، بل نجتهد في أن نترك ذكرى جميلة، ولو بتبادلنا الهدايا البسيطة، أو تخطيطنا لتناول العشاء خارج المنزل، أو حتى حل مشكلة قائمة بيننا، فاستمرار العلاقة الزوجية بالشكل الذي يريده الشريكان يستلزم معه اقتناص الفرص لخلق جو هادئ، يملأه الحب، والودّ، والامتنان».

الحب مفتاح السعادة
من جانبها، ترى الدكتورة نعيمة الخوري، حرم السفير عبدالرضا الخوري، أن الحب أسمى شيء في الوجود، لكونه يتضمّن الوفاء، والعطاء، والتضحية، والاحترام، والإخلاص، والرضا، وتضيف «من ذاق طعم الحب في العلاقة الزوجية فقد ملك الدنيا، لأنه بذلك يكون قد وضع يده على مفتاح السعادة في هذه الحياة، وبكل تأكيد ينسحب هذا على سائر العلاقات الأخرى، والتي يجب أن ينتهز أفرادها مناسبة مثل عيد الحب، ليظهر كل طرف للآخر حبه، وشغفه باستمرارية تلك العلاقة.
ففي عيد الحب أحرص، وشريك عمري، على تجديد العهد بيننا، والذي قطعناه على أنفسنا منذ سنوات طويلة مرّت من عمر زواجنا، وهو عدم جعل الحياة تسرقنا لمشاكلها، ونحن منغمسون فيها من دون النظر إلى العلاقة التي تربطنا، والحقيقة أننا ما زلنا نحتفل بعيد الحب كما كنا نفعل في السابق، زاد علينا مشاركة أبنائنا في وضع بعض الخطط لجعل هذا اليوم مميزاً، فقد نُقبل على اختيار مطعم نتناول فيه العشاء، أو نذهب لأحد الفنادق، أو المنتجعات في الدولة، ونصطحب أبناءنا معنا، ولا أنسى أن أهدي زوجي ولو هدية بسيطة في هذه المناسبة، وهو يفعل الشيء نفسه، تعبيراً عمّا لا يستطيع الكلام أن يعبّر عنه».

الحب لا يقاس بالزمن
من منظور آخر، يرى عباس فرض الله، إعلامي، أن دخول الزوجين في حياة مملوءة بالمسؤوليات والضغوطات قد يجعل من شكل الاحتفال بالمناسبات الرومانسية، مثل عيد الحب، مختلفاً «في بداية الزواج غالباً ما تكون السنوات الأولى مملوءة بالمفاجآت، والاحتفالات المبهجة، وتكون المناسبات فرصة لإظهار المشاعر، وتشكّل الورود الحمراء، والعشاء الفاخر، والهدايا الثمينة طقوساً معتادة في هذا اليوم، إلا أنه وبعد مرور سنوات طويلة، تتحول هذه المناسبات إلى لحظات رمزية، ويصبح الاحتفاء بها أكثر هدوءاً وبساطة، وهناك من يكتفي بجلسة عائلية، أو هدية رمزية، فيما يفضل آخرون عدم الاحتفال من الأساس، وهذا بلا شك خطأ يرتكبه الشريكان في حق نفسيهما.
لا أزال أتمسك بروح البدايات وأسعى وزوجتي إلى إحياء المناسبات بالطريقة نفسها
أما عن تجربتي الخاصة، فقد مرّ على زواجي أكثر من 15 عاماً، ولا أزال أتمسك بروح البدايات، وأسعى جاهداً إلى إحياء المناسبات المختلفة بالطريقة نفسها التي كنت أفعلها، وزوجتي، منذ سنوات، فأحرص على شراء هدية قيّمة لها، وأقدّمها لها في عيد الحب، تعبيراً عن تقديري وحبّي لها، وكم تسعد كثيراً لكوني تذكّرتها في تلك المناسبة تحديداً، وترتسم على وجهها السعادة التي ربما لا تنتابها إذا قدمت لها الهدية نفسها في وقت آخر، فالحب لا يقاس بالزمن، فمع مرور السنوات، قد تتغيّر طرق التعبير عنه، ولكن معناه يظل ثابتاً، ولذلك فالاحتفال بعيد الحب ليس مجرّد مناسبة، بل فرصة لتجديد المشاعر».

لمّة عائلية في عيد الحب
من جانبها، تسلط هيام فتحي، ربّة منزل، الضوء على دور الأبناء في إحياء المناسبات السعيدة، ونشر البهجة في أركان بيت الأبوين «يحرص أبنائي وأحفادي على إحياء مناسبة عيد الحب في بيت العائلة، ودائماً ما يجلبون معهم الحلوى للاحتفال بهذا اليوم، الذي لم تتأثر مظاهر الاحتفال به عن السابق، بل زاد عليها وجود الأحفاد الذين أضافوا إلى حياتنا السعادة والبهجة، رغم منغصات الحياة، ودائماً ما أنصح أبنائي وزوجاتهم بأهمية استغلال تلك المناسبات لتجديد أواصر الودّ والمحبة فيما بينهم، ولتكن لمّتنا شاهد إثبات على محبتنا».

عيد الحب فرصة لإحياء المودّة
بينما توضح سلاف إمام، كوتش، معتمد في القيادات والعلاقات، «في زحام الحياة اليومية وضغوطاتها، قد تغيب عن الأزواج أهمية الاحتفال بالمناسبات السعيدة، والتي تمثل فرصة ذهبية لاستعادة الشغف، وتجديد العلاقة بين الزوجين، ولو بالقيام بسفرة إلى وجهة جديدة، أو زيارة معلم سياحي، أو حضور عرض سينمائي، أو حتى تناول عشاء بسيط في مكان هادئ، إذ تسهم هذه الأنشطة المشتركة في خلق ذكريات جميلة، تتيح للطرفين اكتشاف أبعاد جديدة في شخصياتهما وفي علاقتهما معاً، وبكل تأكيد لكل شخص طريقته الخاصة في التعبير عن الحب، ما يجعل تواصل الزوجين أكثر دفئاً، وترابطاً.

قد يبدو للكثيرين وبعد مرور سنوات طويلة على الزواج، أن عيد الحب مجرّد ذكرى سنوية، تضاف إلى قائمة صندوق الذكريات، إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك، فرغم ضغوطات الحياة، يظل لإحياء المناسبات، والتفكير في الشريك، وجلب هدية، لها وقع كبير في نفسه، فالهدية ليست في قيمتها المادية، بل في معناها، وما تعكسه من مشاعر، مثل رسالة مكتوبة بخط اليد، أو تقديم ألبوم يجمع صور وذكريات قديمة، أو وردة تقدم للشريك يدوم أثرها طويلاً».
وتقدم سلاف إمام نصيحة للأزواج والزوجات «في عالمنا اليوم الذي تغلب عليه السرعة، تصبح لحظات الاستمتاع مع الشريك نادرة، لكن الاحتفال بعيد الحب يمكن أن يكون فرصة لإبطاء الإيقاع، والتفكير في العلاقة، وإعادة إحياء الذكريات الجميلة. فيكفي أن يخصص الزوجان وقتاً لبعضهما بعضاً، بعيداً عن الهواتف والشاشات، ليصنعا يوماً مختلفاً، فعيد الحب ليس مجرّد مناسبة للاحتفال، بل فرصة حقيقية لإعادة اكتشاف الشريك، وإحياء روح المودّة، سواء من خلال الهدايا، الأنشطة المشتركة، أو التواصل الفعال مع الأبناء، وبما يحوّل هذه المناسبة إلى محطة إيجابية، تسهم في تقوية العلاقات الزوجية والعائلية، وتجعل من الحب لغة مستدامة في كل بيت».
تشارك الأبناء مع الأبوين في التحضير لعيد الحب مبادرة مملوءة بالحب والحنان
ثمة دور إيجابي يمكن أن يلعبه الأبناء في مثل هذه المناسبات، توضحه الكوتش سلاف إمام «التشارك مع الأبوين في التحضير للاحتفال بعيد الحب، أو تقديم الهدايا البسيطة لهما، قد تكون مبادرة مملوءة بالحب، والحنان. مثل هذه الخطوات تُشعر الوالدين بالتقدير، وتعيد توطيد العلاقات الأسرية، ما يعكس أهمية الترابط العائلي في تعزيز السعادة داخل المنزل. فلنجعل بيوتنا مملوءة بالبهجة، ولا نهتم بالعمر، فهو مجرّد أيام يمكن أن نجعلها سعيدة بأيدينا، وبوضع لمساتنا عليها، ولنتذكّر دائماً أن الحب ليس مجرّد شعور نتحدث عنه، بل ممارسة يومية تجلب الدفء إلى حياتنا، سواء كان عبر كلمات بسيطة، أو أفعال، أو وقت نقضيه مع أحبائنا، فالحب يبقى اللغة الوحيدة، التي يمكن للجميع التحدث بها، وفهمها، من دون الحاجة إلى ترجمة».
* تصوير: السيد رمضان ومحمد السماني