13 فبراير 2025

الحب الحقيقي.. كثير من الاحترام و«الطبطبة» وقليل من «الخلافات»

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

ما الذي يجعل الحب حقيقياً؟ وهل يمكن أن يستمر هذا الحب مع مرور الزمن، أم تتأكّله «الشيخوخة»؟

أسئلة تطلّ بنا على عوالم الحب الحقيقي كرحلة عمر ممتدّة  بين طرفين، قائمة على أسس من الاحترام، والمودة، والرحمة، والتضحية. فما هو مفهوم الحب الحقيقي وركائزه، وكيف نفرق بين الحب الحقيقي والاعتماد العاطفي؟ الإجابات ستقودنا لفهم أعمق لمعنى الحب الحقيقي، وتجعلنا نحتفي به في كل لحظة، بالتزامن مع عيد الحب الذي يعيد إحياء المشاعر الرومانسية داخلنا.

في هذا السياق، تعرّفنا علياء اليماحي، أخصائية نفسية واستشارية تحليل الشخصية، على مفهوم الحب الحقيقي، ومعاييره، وعلاماته، واختلافه عن الحب المثالي في المسلسلات، وتغيّر ملامح هذا الحب مع تغيّر العمر، والمراحل الحياتية .

تعرّف علياء اليماحي الحب الحقيقي «الحب الحقيقي في العلاقات الزوجية يتجسد في المودة والرحمة، ويعتمد على الاتصال المستمر، والتعامل الحسن وفقاً للمبادئ الإسلامية. ومن أبرز معايير الحب الصدق والمصداقية بين الزوجين، والتعامل مع الطرف الآخر، والإحسان إليه من بداية العلاقة إلى نهايتها، والاحترام المتبادل، مثل مناداة كل طرف باسم الآخر وتفخيمه، التواصل غير اللفظي مثل النظرات الطيبة، و«الطبطبة» الجسدية كالتلامس، والمسح على الرأس، والمزاح المحبب، والتقبيل المستمر على اليد، حل المشكلات، والسعي للحفاظ على استقرار العلاقة، إضافة إلى الشكر، والامتنان، المتبادل».

 توضح الأخصائية النفسية «ذكر الطرف الآخر بالاسم، وذكر الإحسان ما بينهما يزيد المودة والانسجام، إلى تبادل النظرات، والتعبير العاطفي ما بين الزوجين، كما أنّ السعي الدائم لأحد الطرفين  دليل على  الحب الحقيقي، وأهمية الحفاظ عليه، وما يرافقه من شكر وامتنان على وجود الطرف الآخر في حياته».

مجلة كل الأسرة

الفرق بين الحب الحقيقي والتعلّق العاطفي

يتميّز الحب الحقيقي  بكونه شعوراً نقياً وغير مشروط، يسعى فيه كل طرف لإسعاد الآخر من دون انتظار مقابل. وتوضح اليماحي الفرق بين الحب الحقيقي والتعلق «الحب الحقيقي والتعلق هما حالتان عاطفيتان مختلفتان تماماً، في الأساس والتأثير. الحب الحقيقي يُبنى على التوازن، سواء كان توازناً هرمونياً أو عاطفياً، وينعكس إيجاباً على اتخاذ القرارات بوعي ووضوح، ويعزز الاستقرار النفسي والجسدي لكونه يعيش علاقة صحية، وإن لم تكن مثالية بنسبة 100%، يقوم أساسها على الاحترام، الانسجام، والاهتمام، والاحتواء، والتواصل العاطفي الصادق. أما التعلق، فهو حالة عاطفية سلبية، وتولّد حالة من الاضطراب والتوتر، وتؤدي إلى اضطراب هرمونات الجسم، ما يسبب عدم توازن في الجسد، والعقل. في هذه الحالة، يفقد الشخص القدرة على التفكير بوضوح، ويصبح مشتت الذهن، ما يؤدي إلى قرارات غير واعية، ومشاكل عاطفية متكررة».

 وتوضح الأخصائية النفسية علياء اليماحي، أن التعلق الشديد يؤثر سلباً في الطرف الآخر، وفي العلاقة بشكل عام، حيث «يصبح الشخص المُتعلق في حالة عدم استقرار دائم، يفتقد الاسترخاء والهدوء، ويعيش في خوف مستمر من فقدان العلاقة. هذه الحالة تجعله عرضة للتوتر والقلق، ما يؤثر في صحته الجسدية، وإصابته بأعراض بشكل متكرر، مثل الكحّة، الزكام، ارتفاع حرارة الجسم، والصداع المستمر أو النصفي».

وتضيف «التعلق الشديد ينعكس أيضاً على القرارات الحياتية، حيث تكون معظمها خاطئة، بسبب التشتت الناتج عن هذا الارتباط العاطفي المبالَغ فيه. فالشخص المُتعلق قد يركز على تشجيع الطرف الآخر لتحقيق أهدافه فقط، ليشعر بالأمان، وضمان بقاء العلاقة، من دون أن يدرك أن هذه التصرفات تدفع الطرف الآخر للهروب، كما أنّه يسبب ضغطاً كبيراً في العلاقة، حيث يبحث الطرف الآخر عن شريك متوازن، عاطفياً ونفسياً، وليس على الاتصال المفرط، أو الاحتياج المبالَغ فيه».

مجلة كل الأسرة

الحب الحقيقي .. بالمعايير والعلامات

تشرح الأخصائية النفسية الفرق الواضح  بين معايير الحب وعلاماته «المعيار هو مبدأ داخلي يعكس القيم التي يؤمن بها الشخص، مثل الصدق، الأمانة، التواصل الإيجابي، أو الالتزام بحفظ العلاقة. بمعنى آخر، المعيار ينبع من داخل الفرد، ويحدّد كيف يُقيّم تصرفات الطرف الآخر، ومدى توافقها مع هذه القيم. أما العلامة فهي تصرّف ظاهر وملموس يعكس الحب الحقيقي، مثل الإمساك باليد في لحظات خاصة، وضع قبلة على الرأس، الاحتواء في أوقات الحزن، أو التعبير عن الدعم بتصرفات صغيرة تعني الكثير. العلامات تُظهر الحب بشكل عملي ومباشر، بينما المعايير تُحدد مدى قبولنا واستمرارية العلاقة بناء على توافقها مع قيمنا الشخصية».

وتبيّن أن «الحب الحقيقي يظهر من خلال العلامات الواضحة التي نراها في تصرفات الشريك. فمثلاً، مجرّد السؤال عن حال الأسرة، أو أهل الزوجة، هو علامة من علامات الحب، لأنه يعكس الاهتمام. ليس بالضرورة أن يذهب الشريك ليشتري حاجياتهم أو يقوم بمهام كبيرة؛ أحياناً التفاصيل البسيطة، كإحضار زجاجة ماء عند الطلب، أو تلبية حاجة صغيرة من دون تردّد، تُعد من أقوى الإشارات على الحب، والاهتمام .أما المعايير، فهي تنبع من أخلاق الشخص وقيمه التي اكتسبها من بيئته، وتربيته، مثل الالتزام، الأمانة، والاحترام. هذه المعايير تحدّد كيف يتصرف الشخص في العلاقة بشكل عام، لكنها تختلف عن العلامات التي تكون ملموسة ومباشرة، والجمع بين التصرفات الظاهرة والمعايير الأخلاقية يجسد صورة الحب الحقيقي، ويجعل العلاقة أكثر توازناً».

مجلة كل الأسرة

 كيف يعزّز الحب الحقيقي المناعة النفسية والجسدية للزوجين والأسرة؟

ترصد استشارية تحلي الشخصية، أن للحب الحقيقي تأثيراً كبيراً في الجانبين، النفسي والعاطفي، للأفراد، والذي ينعكس بدوره على الصحة الجسدية للأسرة. تقول «العلاقات الأسرية المبنية على الحب الحقيقي تكون أكثر استقراراً وسلاماً، ولا تواجه مشكلات صحية، والسبب يكمن في ارتفاع المناعة النفسية والإيجابية داخل الأسرة، ما يقلل من تعرضها للفيروسات والبكتيريا».

وتضيف «الحب الحقيقي يوفر بيئة صحية ومستقرة، نفسياً، ما يجعل أفراد الأسرة أقلّ عرضة للتوتر والضغوط التي تُضعف الجهاز المناعي. وبالتالي، الطفل الذي ينشأ في بيئة أسرية صحية، ووسط علاقة أبوين قائمة على الامتنان والتقدير ، يتسم بذكاء استثنائي في الجوانب الشعورية، والسلوكية، وحتى في اتخاذ القرارات، وعندما يكون الزوجان في حالة انسجام وحب حقيقي، يصبح الأطفال أكثر سعادة واستقراراً، بل إنهم يتجاوزون ذلك ليكونوا وسطاء للحب بين والدَيهم، فيطلبون منهما التعبير عن محبتهما لبعضهما بعضاً، وهذا النوع من العلاقات يُنتج جيلاً ناضجاً عاطفياً، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، بحيث يعكسون النضج والسعادة التي يعيشونها في سلوكهم اليومي».

الحب الحقيقي مرتكز الزواج الناجح

بيد أنّ أساس كل ذلك هو الاختيار الناجح، واتخاذ القرار بالارتباط الناجح. تشرح علياء اليماحي «بناء علاقة ناجحة يبدأ من إصلاح الذات، وتطوير السلوكات اليومية مع الآخرين. وقبل أن نسعى للدخول في علاقة، علينا مراجعة أنفسنا. إذا كنت عصبية، أحاول التقليل من عصبيتي. إذا كنت مزاجية، أعمل على تحقيق التوازن. الهدف هو أن أكون شخصاً جيداً يمكن للطرف الآخر أن يجد راحته في التعامل معي. هذا ينطبق على الذكور والإناث؛ فلا أحد منا كاملاً، ولكن السعي لتقديم نسخة أفضل من أنفسنا يُعد خطوة مهمة. كما أن الثقة أيضاً تُبنى منذ البداية، حتى من خلال المواقف البسيطة. على سبيل المثال، إذا كنت متوجهة إلى بيت والدتي وأخبرت شريك حياتي بذلك، يجب أن أكون صادقة في كلامي وتصرفاتي. هذه التفاصيل الصغيرة تُسهم في تأسيس الثقة التي تُعد حجر الأساس لأي علاقة ناجحة».

وتشدد الاستشارية النفسية على أن التعامل بثقة ووضوح بين الزوجين هو العامل الأهم لتعزيز العلاقة الزوجية، وتشير إلى أن «الوضوح في العلاقة وعدم وجود أسرار بين الشريكين يُعدّان من الركائز الأساسية لبناء الثقة. فعندما يتعامل الزوجان بشفافية، ويشتركان في القرارات والمواقف اليومية، يشعر كل طرف بالأمان والاحترام المتبادل»، مؤكدة أهمية التحدث بإحسان عن الشريك، بخاصة أمام الأبناء والعائلة، «حتى لو كان الشريك يحمل صفات قد لا تتوافق تماماً مع توقعاتنا، من المهم أن نتحدث عنه دائماً بطريقة إيجابية ولطيفة، بخاصة أمام الأسرة، وأهل الزوجة، أو الزوج. هذه الطريقة تُظهر الاحترام المتبادل وتعزز صورة الشريك أمام الآخرين».

وتضيف «التعامل مع المشاكل بحكمة، وحلّها أولاً بأول، يسهمان بشكل كبير في تقوية العلاقة الزوجية. كما أن الثقة المتبادلة بين الزوجين تُعد مفتاحاً أساسياً لاستمرار الحياة الزوجية بنجاح. عندما يكون الزوجان واثقين ببعضهما بعضاً، يصبح من السهل تجاوز الأزمات وتحقيق التفاهم».

مجلة كل الأسرة

مفهوم الحب الحقيقي يتغير مع المراحل العمرية

تؤكد الأخصائية النفسية أن مفهوم الحب الحقيقي ليس ثابتاً، بل يتغير مع تقدم العمر، وتغيّر احتياجات الإنسان في كل مرحلة حياتية «كلما نضج الإنسان وكبر بالعمر، تختلف أولوياته، واحتياجاته العاطفية. على سبيل المثال، في العشرينيات والثلاثينيات، قد يكون الإنسان بحاجة إلى الكثير من الاهتمام والدعم بنسبة تصل إلى 70، أو 80%. ولكن مع بلوغ الخمسينيات، قد تنخفض هذه النسبة لتصل إلى 40 أو 50%. وفي مراحل الشباب، تكون مشاعر مثل الغيرة، مرتفعة بشكل ملحوظ، لكن مع التقدم في العمر والنضج، تتراجع هذه المشاعر، ويصبح الإنسان أكثر هدوءاً وتقبّلاً. حتى الشهوة الجنسية، أو المادية، تبدأ بالتناقص تدريجياً مع الزمن، حيث يصبح التركيز على الجوانب العاطفية الأعمق مثل الأمان، الراحة، والمشاركة الحقيقية».

نصائح للباحثين عن الحب الحقيقي

تقدم علياء اليماحي مجموعة من النصائح للأفراد الذين يبحثون عن الحب الحقيقي:

1. البدء بحب الذات وتقديمه للأقربين: قبل أن يبدأ الإنسان تجربة الحب مع طرف آخر، من المهم أن يركز على حب نفسه أولاً، ويفضل أن يوفر هذا الحب لنفسه، ولأسرته؛ مثل أمه، وأبيه، وإخوته، وكذلك أن يُظهر هذا الحب من خلال الاهتمام بهواياته، واهتماماته.
2. التعامل مع الزواج كحقّ فطري: الزواج جزء فطري وطبيعي في حياة الإنسان، وهو حق من حقوق أي شخص، والله سبحانه وتعالى وضع هذا الحق في الإنسان بشكل فطري، ومن حقه أن يمارسه عندما يكون مستعداً. وإذا كان الشخص قد أغلق هذا الباب، شعورياً وفكرياً، من الداخل، فهذا قرار يعود إليه شخصياً، ولا يمكن إجباره عليه.
3. أهمية التوازن العاطفي والاستعداد الداخلي قبل الدخول في علاقات الحب أو الزواج: فالاستعداد للزواج يتطلب مهارات مثل التفكير الإبداعي، والتكيف مع بيئة مختلفة تماماً عن بيئتك، وعندما تكتسب مهارات التعامل مع الآخرين في بيتك، ستتمكن من تطبيقها في علاقتك مع شريك حياتك».
4. الاستفادة من التجارب اليومية: فكل تجربة في حياتك قبل الزواج تُضيف إلى مخزون مهاراتك، ما يجعلك أكثر جاهزية للتعامل مع المسؤوليات في المستقبل ، ما يعزز من جاهزية الفرد لبناء علاقة صحية، ومستدامة.

مجلة كل الأسرة

ولاستدامة الحب وبقائه متوهجاً لا بد من خطوات وقواعد يتبعها الشريكان، وأبرزها :

  • أخذ استراحة لمراجعة الذات: عندما يصل الطرفان إلى مرحلة معيّنة من العلاقة، يُفضل أن يبتعدا عن بعضهما بعضاً لفترة قصيرة، وخلال هذه الفترة، يمكن لكل طرف مراجعة نفسه، تحليل أخطائه، تقييم سلوكاته، والتعرف إلى مشاعره بعمق.
  • تصحيح العلاقة تدريجياً: بعد فترة الابتعاد، يمكن للطرفين أن يتلاقيا مجدداً لتصحيح العلاقة وإصلاح المشكلات، حتى يعودا إلى مرحلة الحب الحقيقي، والانسجام الكامل.
  • فهم طبيعة الحب كحالة شعورية متغيّرة: فالحب ليس ثابتاً، بل هو حالة شعورية موقّتة، تقلّ أو تزيد، بناء على عدة عوامل.
  • النضج والوعي مفتاح الحب الحقيقي: فالنضج والوعي يلعبان دوراً أساسياً في تحويل الحب إلى حالة من التفاهم والانسجام المستدام.
  • التوازن في مشاعر الحب: من المهم أن نحافظ على توازن مشاعر الحب، لأن الحب قد يؤدي إلى اختلال في قراراتنا، إذا لم يكن متزناً.