صدمات الحب... كيف نتجاوز «رحلة الألم» ونتحرّر من جراحها الخفية؟

ندرك تماماً تأثير الحب في حياة الفرد، حيث يمكن للعاشق أن يحلّق بعيداً في آفاق العاطفة. ولكن ماذا عن الفرد الذي يتعرّض لصدمة حب قد تقوده إلى متاهة من الألم، والحزن الموجع؟
صدمات الحب لا تكتفي بترك الجراح لدى العاشق، بل تنعكس على الفرد باتخاذ قرارات مصيرية، كالعدول عن الزواج، وعدم الانخراط في أيّ قصة حب مجدداً، خوفاً من التعرّض لخيبات مماثلة. فماذا عن صدمات الحب، ومفاعيلها، وكيف تتبدّى آثارها النفسية الاجتماعية، وما هي الآليات لعلاجها، والتشافي منها؟
ما هي صدمات الحب؟
يعرّف الدكتور وليد العمر، أخصائي الطب النفسي في مستشفى ميدكير الشارقة، صدمات الحب وأعراضها «صدمات الحب هي التجارب العاطفية المؤلمة الناتجة عن علاقة حب فاشلة، أو فقدان شخص عزيز، أو خيانة عاطفية، وتترك آثاراً نفسية عميقة تؤثر في كيفية تعامل الشخص مع علاقاته المستقبلية».
وتشمل أعراض صدمات الحب:
- الحزن العميق: يمرّ الشخص بمشاعر شديدة من الألم، فقدان الأمل، والاكتئاب.
- القلق: يشعر الشخص بتوتر دائم، وفقدان للثقة بالأشخاص المقرّبين، ما يخلق حالة من القلق المستمر.
- انخفاض تقدير الذات: يعاني الشخص شعوراً بعدم الجدارة بالحب، أو أن ما حدث كان خطأه.
- التقلبات المزاجية: قد يشعر الشخص بشدّة الفرح، وفي أحيان أخرى بحزن شديد، بسبب عدم استقرار مشاعره.
- العزلة الاجتماعية: يؤدي الألم الناتج عن الصدمة إلى رغبة الشخص في الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية، وتجنّب اللقاءات أو التواصل مع الآخرين.

ويؤكد د. العمر تأثير صدمات الحب في الصحة النفسية، ومن أبرزها:
- الاكتئاب: يعاني أعراضاً معيّنة، مثل فقدان الاهتمام بالأشياء التي كانت تسعده في السابق.
- القلق المزمن: التوتر المستمر، الخوف من تكرار التجربة المؤلمة، أو القلق حول العلاقات المستقبلية.
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): وتشمل الهواجس المتكرّرة، والكوابيس، والذعر، والشعور بأن الأحداث الماضية لا تزال حية.
- فقدان الثقة بالنفس والآخرين: خوف مستمر من الخيانة أو الهجر في علاقاته المستقبلية.
- الوسواس القهري: بعض الأشخاص قد يواجهون أفكاراً، متكرّرة ومزعجة، عن العلاقة السابقة، أو تصرفاتهم، أو مشاعرهم تجاه الطرف الآخر.
وتمتّد التأثيرات النفسية إلى الجانب العاطفي، بحيث تؤثر بشكل كبير في قرارات الشخص بشأن الزواج، أو الدخول في علاقات جديدة، وهناك حالتان:
- الحالة الأولى: خيانة، أو غدر عاطفي، حيث يصبح الشخص أكثر تشككاً في العلاقات، ويتجنّب فكرة الالتزام والزواج، خوفاً من أن يتعرّض لخيانة أخرى.
- الحالة الثانية: فقدان مفاجئ لشريك نتيجة وفاة، وهنا يشعر الشخص بحزن كبير، وقد يرفض الزواج خوفاً من تكرار الألم العاطفي الذي مرّ به.
كيف نتجاوز صدمات الحب ونعيد بناء أنفسنا؟
تؤكد الدكتورة منيرة عبدالله، مستشارة تربوية وأسرية، أن صدمات الحب تُعد من أكثر التحدّيات النفسية تعقيداً، مشدّدة على أهمية التعامل معها بوعي واحترافية لتجاوزها، قائلة «التعافي رحلة تتطلب الصبر، والاهتمام بالذات...
والحب يبدأ دائماً من بناء علاقة قوية ومتزنة مع النفس، والتعافي من صدمة الحب، يتطلب اتّباع خطوات أساسية، منها:
- تقبّل المشاعر: الخطوة الأولى هي تقبّل المشاعر والألم الناتج عن الصدمة، ومنحها مساحة للتعبير والتفريغ.
- إعطاء الوقت والمساحة للتعافي: للتأمل في التجربة ومعالجة آثارها بهدوء.
- بناء علاقة صحية مع الذات: من خلال ممارسة الرياضة، تطوير مهارات جديدة، تخصيص وقت لممارسة أنشطة مفضلة.
- عدم التركيز المفرط على الصدمة: نوجّه طاقتنا نحو خطوات مستقبلية إيجابية.
- اعتبار الصحة النفسية أولوية: استشارة متخصّصين نفسيّين، أو التحدث إلى أشخاص مقرّبين يمكنهم تقديم الدعم العاطفي اللازم.

استراتيجيات لتجاوز صدمة الحب
توضح د. منيرة عبدالله أن «تجاوز صدمات الحب يتطلب وعياً عميقاً، والرضا بالقضاء والقدر، لكونه المفتاح الأول للتعافي»...
وتضع الاستشارية الأسرية استراتيجيات نفسية لتجاوز صدمات الحب، واستعادة الثقة بالنفس:
- التوقف عن جَلد الذات: إدراك أن الأخطاء جزء طبيعي من الحياة، ولا تعني نقصاً فينا، أو أن كل ما حدث كان بسببنا.
- الإيمان بالغفران والرحمة: الإيمان بأن الله غفور رحيم، وأن ما حدث بداية جديدة يمكن أن نتعلم منها، وننمو من خلالها.
- إعادة النظر في القيم والأهداف: التركيز على بناء الذات من جديد، عبر تحديد قيم وأهداف حياتية تمنحنا إحساساً بالاستقرار، والهدف.
- التسامح مع الذات: ضرورة تقبّل الذات بأخطائها وتجاربها، وعدم تحويل الألم إلى شعور دائم بالذنب.
- التركيز على التعافي النفسي والجسدي: من خلال ممارسة الرياضة، والتأمّل، والقيام بأنشطة تُعيد الإحساس بالإنجاز، والثقة بالنفس.
- ممارسة التمارين الذهنية والروحانية: منها التنفس العميق، التأمل والاسترخاء، العودة إلى الصلاة وذكر الله، قيام الليل، الدعاء المستمر، وقراءة القرآن الكريم».
وتوجز د. منيرة عبد الله رؤيتها باعتبار أن «كل تجربة هي جزء من رحلتنا نحو النضج، وصدمات الحب ليست النهاية، بل هي محطة مؤقتة تدفعنا إلى التأمل وإعادة البناء. من المهم أن نلجأ إلى الدعم المناسب لنحرر مشاعرنا، ونعيد توازن حياتنا».
صدمات الطفولة تترك أثرها في العلاقات العاطفية
تؤثر الطفولة، بشكل كبير، في العلاقات الزوجية في مراحل لاحقة من الحياة. وترصد لاما مارديني، مرشدة وعي وحب الذات، كيفية تشكّل النموذج الأولي للعلاقة من خلال تجربة الطفل مع والديه «فإذا كانت العلاقة بين الوالدين متوترة، قد يترك ذلك تأثيراً عميقاً يدفع الأبناء إمّا لتكرار تلك الأنماط السلبية، وإما محاولة العيش بطريقة مختلفة، كما أنّ صدمات الحب الأولى، مثل الفراق أو الخيانة، قد تشكل عقبة أمام بناء علاقات جديدة بسبب الألم المرتبط بها».
وتوضح «العلاقات السابقة، بخاصة تلك التي تتسم بالإساءة، تحمل أعباء ثقيلة على الأفراد. وكثير من النساء، رغم رغبتهن في بناء علاقات جديدة، يعانين آثار تجاربهنّ الماضية، ما يستدعي استشارات ودعماً لإعادة بناء ثقتهنّ بأنفسهن. وتتفاوت القدرة على تجاوز هذه الصدمات بناء على شخصية الفرد، أكثر من جنسه. فبينما تميل المرأة إلى التأنّي والتعمّق في معالجة مشاعرها، يفضل الرجل المضي قدماً بسرعة، من دون التوقف عند الألم,إلا أن بعض الرجال الذين مرّوا بتجارب حب فاشلة قد يقرّرون العدول عن الزواج لفترة طويلة، أو يبقون مرتبطين عاطفياً بالشريك السابق حتى بعد زواجهم، ما يجعلهم غير قادرين على التقدم بالكامل في العلاقة الجديدة».

تشرح مارديني «عندما تكون العلاقة السابقة استثماراً عاطفياً طويل الأمد، مثل الزواج، يصبح من الضروري معالجة الجروح التي خلّفتها تلك العلاقة بوعي، قبل الدخول في علاقة جديدة. لذلك، يحتاج أيّ شخص ينهي علاقة عاطفية فاشلة إلى فترة للتعافي، وفهم ذاته، ليتمكن من الدخول في علاقة جديدة خالية من أعباء الماضي».
كيف يكون التحرّر من الصدمات العاطفية؟
هذا التحرّر يبدأ بمواجهة الذات، ومعالجتها، حيث تورد مارديني جملة قواعد:
- لا يكفي تجاهل تلك المشاعر، بل يجب التعبير عنها، واستخلاص الدروس المستفادة.
- من المهم أن يسأل الشخص نفسه: ما الذي تعلّمته من هذه العلاقة؟ وكيف يمكن الاستعداد بشكل أفضل للمستقبل؟ فأحياناً تكشف العلاقات عن مشاكل أعمق متجذّرة في الطفولة، أو أنماط سلوكية غير معالجة، يجب التعامل معها بوعي.
في هذا الجانب، ترصد مارديني وعي الشباب الحالي للعلاقات الواعية «بات الكثير من الأفراد يدركون أن المشكلات في علاقاتهم غالباً ما تكون متجذّرة في شخصيّاتهم، أو في تجاربهم الطفولية، ومن خلال عملي ألاحظ أن الأزواج يأتون معاً لمحاولة فهم وحلّ مشاكلهم، وفي بعض الأحيان يأتي أحدهم فقط، وهو أمر طبيعي، حيث يمكن للطرف الآخر أن يبدأ العمل على نفسه، ما يؤثر إيجاباً في الشريك».
عايشت مارديني، التي تساعد الأفراد على التحرّر من الصدمات، الكثير من الحالات المعقدة والصعبة، مثل «العلاقات السّامة، والصدمات النفسية الناتجة عنها، ومنها التعرّض للعنف الجسدي، والتحكم، والتعنيف العاطفي، وحالات اقتربت من محاولات القتل. ففي العديد من الحالات التي قابلتها، كثير من الأشخاص عانوا انكساراً عميقاً، ما جعلهم غير قادرين على المضي قدماً، أو الدخول في علاقات جديدة، والأصعب من ذلك هو الحالات التي تكون جذور المشكلة فيها مرتبطة بصدمات الطفولة، مثل التحرش الجنسي، أو الاغتصاب».
تقنيات وأساليب للشفاء من الصدمات
الشفاء من الصدمات العاطفية ليس أمراً سهلاً. وتتوقف مارديني عند مرتكزات أساسية للتعافي:
- التسامح مع الذات: الخطوة الأولى نحو التحرّر.
- التسامح مع الآخرين: يعني تحرير النفس من تأثيراتها السلبية.
- التعلم من التجربة: معرفة كيفية وضع حدود صحية في العلاقات المستقبلية.
وتورد لنا بعض التمارين العملية للتحرّر العاطفي، مثل:
- الكتابة التعبيرية: كتابة المشاعر بحريّة، ثم تمزيق الورقة للتخلص من الأحاسيس السلبية.
- تمرين الامتنان: التركيز على الدروس الإيجابية التي تعلمناها من التجربة، حتى وإن كانت مؤلمة.
- العمل على الإدراك الواعي: مثل التأمل، أو التنفس العميق، لتخفيف القلق.
- طلب الدعم: اللجوء إلى معالج نفسي، أو مدرب حياة، لمساعدة الشخص على رحلته العلاجية.
- تقنية «ساي كي»: لتحرير الصدمات العاطفية، وتغيير المعتقدات السلبية، وإعادة برمجة العقل الباطن.
وتوجز مارديني «في عملي مع الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات عاطفية، ألاحظ أن تقنية «ساي كي» وسيلة فعّالة لتحرير مشاعر الخوف، وعدم الأمان، فكّ الارتباط النفسي بالمواقف أو الأشخاص الذين سبّبوا الألم، تعزيز الشعور بالقيمة الذاتية، ما يمكّن الأفراد من بدء علاقات صحية وجديدة».

خطوات عملية للتعافي من صدمة الحب
بدوره، يقدّم د. وليد العمر، أخصائي الطب النفسي، هذه الخطوات للتعافي من صدمة الحب:
- الاعتراف بالمشاعر: يجب أن يكون الشخص صريحاً مع نفسه في التعامل مع مشاعره السلبية.
- الابتعاد عن الشخص المسبّب للصدمة: البقاء في تواصل مستمر مع الشخص الذي تسبب بالصدمة قد يؤدي إلى تأخير الشفاء.
- الاهتمام بالنفس: ممارسة الرياضة، التغذية الصحية، والنوم الجيد.. تلعب دوراً كبيراً في تحسين الصحة النفسية.
- البحث عن دعم اجتماعي: يساعد على التغلب على مشاعر العزلة.
- زيارة معالج نفسي: العلاج النفسي يساعد الشخص على فهم مشاعره، وكيفية التعامل معها بشكل سليم. ويشمل العلاج: العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، العلاج بالتحدث، والعلاج الجماعي.