الاضطراب الصامت والغضب المكبوت في الزواج.. علامات لا يمكن تجاهلها و5 استراتيجيات للحل

لا تجد أم محمد، (اسم مستعار)، حلّاً سوى الطلاق بعد 15 عاماً من الزواج، ومن الغضب المكبوت الذي دفنته داخلها حفاظاً على أسرتها، ولكون الطلاق «وصمة عار» في أسرتها.
هي اليوم تتواجد في أروقة المحاكم، وتحاول أن تفنّد أسباب طلب الطلاق، وتشرح أسباب غضبها المكبوت، ما قادها، مع زوجها، إلى تباعد عاطفي، وشرخ كبير وصل إلى مرحلة الانفصال العاطفي، وتعدّاه إلى طلب طلاق رسمي.

فكيف يؤثر الغضب المكبوت في الزواج والأسرة؟ وكيف نتبيّن ملامحه في العلاقة الزوجية؟
هذا ما تشرحه الكوتش إيمان بخاش، مدرب حياة محترف ومدرب العلاقات الاجتماعية الإنسانية والأسرية، حول أبعاد هذا الغضب المكبوت، وآثاره في العلاقة الزوجية، واستراتيجيات التعامل مع ما تسميه بـ«الاضطراب الصامت».
تقول بخاش «يُوصَف الزواج، غالباً، بأنه رحلة مملوءة بالحب، والتفاهم، والرفقة. ولكن تحت هذا السطح الجميل تكمن توترات غير مرئية—الاضطراب الصامت، والغضب المكبوت. فعلى عكس الخلافات الصاخبة، يمكن أن يستمر هذا التوتر الهادئ في الخلفية، يختبئ وراء ابتسامات مجاملة، وحوارات متكلفة، لكنه في الحقيقة يشكل خطراً خفيّاً بين الزوجين. ومع مرور الوقت، يتسرب هذا الشعور المكبوت إلى نسيج الأسرة، مؤثراً في الأطفال، والبيئة المنزلية، والصحة النفسية للجميع».

علامات الاضطراب الصامت في الزواج
تلفت مدربة الحياة إلى أن «الاضطراب الصامت يظهر من خلال مشاعر الاستياء، أو الإحباط، أو خيبة الأمل التي يشعر بها الأزواج، من دون أن يعبروا عنها بوضوح، إذ لا يتعلق الأمر دائماً بالخلافات الكبيرة؛ بل قد يكون نتيجة تراكم احتياجات مهملة، أو توقعات غير مصرّح عنها، أو جروح قديمة لم يتم حلها، فعندما يكبت أحد الشريكين، أو كلاهما، مشاعره بدلاً من التعبير عنها، يتفاقم التوتر بمرور الوقت».
وتضيف «أما الغضب المكبوت، فهو الغضب الذي لا يُعبَّر عنه بوضوح. يمكن أن يكون السبب هو الخوف من المواجهة، أو التنشئة الاجتماعية التي تشجع على كبت المشاعر، أو الاعتقاد بأن التعبير عن المشاعر قد يُضعف العلاقة. لكن كتم الغضب لا يجعله يختفي؛ بل يتحول إلى سلوكات سلبية، مثل التصرفات العدوانية غير المباشرة، أو التباعد العاطفي، أو الشعور المتزايد بالانفصال».
كيف يؤثر ذلك في العلاقة الزوجية؟
يؤثر الاضطراب الصامت والغضب المكبوت في العلاقة الزوجية، وتظهر تلك الانعكاسات بعدة طرق، تستعرضها بخاش:
- التباعد العاطفي: يصبح الزوجان غير متاحين عاطفياً لبعضهما بعضاً، ما يحول العلاقة إلى مجرد علاقة شكلية تخلو من الدفء والمودّة.
- السلوك العدواني غير المباشر: بدلاً من التعبير الصريح عن المشاعر، قد يلجأ أحد الزوجين إلى السخرية، أو التجاهل، أو التصرفات غير المباشرة، للتعبير عن الاستياء.
- الانفعال الزائد: تتحول الأمور الصغيرة إلى مشكلات كبيرة، ما يؤدي إلى خلق جو من التوتر الدائم بين الزوجين.
- ضعف العلاقة الحميمة: يؤدي الانفصال العاطفي إلى برود في التواصل الجسدي والمودّة، ما يزيد من الفجوة بين الزوجين.

تداعيات «الاضطراب الصامت» على الأسرة والأطفال
ولا تقتصر آثار التوتر الصامت على الزوجين، بل يؤثر في أفراد الأسرة كلها، بخاصة الأطفال. فالأطفال، مهما كانوا صغاراً، يستطيعون الشعور بعدم الاستقرار العاطفي في المنزل، ما قد يؤثر فيهم بطرق مختلفة، منها:
- انعدام الشعور بالأمان العاطفي: عندما يشعر الأطفال بوجود توتر بين والديهم من دون فهم السبب، قد يصابون بالقلق، وعدم الاستقرار النفسي.
- تبنّي أنماط تواصل غير صحية: يتعلم الأطفال من خلال الملاحظة. فإذا رأوا والديهم يكبتون مشاعرهم، أو يتجنبون المواجهة، فقد يكرّرون هذه الأنماط في علاقاتهم المستقبلية.
- زيادة التوتر في المنزل: يمكن أن يؤدي الجو المشحون إلى تقلبات مزاجية، وتوتر دائم بين أفراد الأسرة.
- ضعف العلاقة بين الوالدين والأطفال: عندما يكون الآباء منشغلين بصراعاتهم الصامتة، قد يصبحون أقل اهتماماً بالتواصل العاطفي مع أطفالهم.

كيف يمكن التعامل مع الاضطراب الصامت؟
تزوّدنا المدربة إيمان بخاش بـ5 استراتيجيات للتعامل مع الوضع، وهي:
- إدراك المشكلة: الخطوة الأولى هي إدراك أن هناك توتراً يجب التعامل معه بدلاً من تجاهله.
- خلق بيئة آمنة للحوار: تخصيص وقت لمناقشة المشاعر والاحتياجات بصراحة يمكن أن يساعد على كسر حاجز الصمت.
- تنمية الوعي العاطفي: التعرّف إلى المشاعر والتعبير عنها بطريقة صحية يمكن أن يُسهما في تحسين العلاقة الزوجية ومن الأفضل الابتعاد عن إلقاء اللوم على الشريك والتعبير، بدلاً من ذلك، عن المشاعر التي يعيشها الفرد بطريقة هادئة، وموضوعية.
- طلب الدعم عند الحاجة: سواء من خلال الاستشارة الزوجية، أو العناية الذاتية، أو التواصل مع أشخاص موثوقين، فإن الحصول على دعم خارجي يمكن أن يكون خطوة مفيدة.
- تعزيز الارتباط العاطفي: يمكن للتعبير عن التقدير، وقضاء وقت ممتع معاً، والمبادرات الصغيرة أن تعيد بناء العلاقة العاطفية، وتقلّل التوتر.
وتخلص بخاش إلى أنّ «الزواج لا يعني تجنّب الصراعات، بل تعلّم كيفية التعامل مع المشاعر بطريقة تقوّي العلاقة بدلاً من إضعافها. فالاضطراب الصامت، والغضب المكبوت، من أكبر العوامل التي تهدّد استقرار الأسرة، ولكن يجب ألا يكونا النهاية. فمن خلال تعزيز التواصل المفتوح، وزيادة الوعي العاطفي، والتواصل الهادف، يمكن للأزواج تحويل التحدّيات إلى فرص للنمو، ما ينعكس بشكل إيجابي على الأسرة بأكملها».
صفحة الكوتش إيمان بخاش، مدرب حياة محترف ومدرب العلاقات الاجتماعية الإنسانية والأسرية