
يبقى تكرار أحد الزوجين لتضحياته أو مساعدته، من أبرز التصرّفات التي تعزّز شعور الشريك بالدين، والضغط النفسي، بدلاً من الإحساس بالحب، والأمان، وسواء كان ذلك السلوك مقصوداً، أو غير مقصود، يمكن أن يقود التمنّن إلى فقدان الثقة والمودّة بين الزوجين، إذا لم يعالج بالشكل الصحيح.

تشير أميرة المرزوقي، رئيس قسم الاستشارات الأسرية والنفسية في مؤسسة التنمية الأسرية وفروعها «قيام أحد الزوجين بتكرار ذِكر ما قدّمه للطرف الآخر، سواء كان ذلك في شكل مساعدة أو تضحيات، من التصرفات التي تثير الكثير من الإحراج، وتعزّز من شعور الطرف الآخر بالدين، ويجعل العلاقة قائمة على الشعور بالضغط بدلاً من العاطفة والمودة، بالتالي، هذا التصرف يخلق فجوة بين الزوجين، ويؤدي إلى تدهور الثقة، والاحترام المتبادل. وعلى الرغم من أن تقديم المساعدة، أو التضحيات، أمر طبيعي في الحياة الزوجية، إلا أن تكرار الحديث عنها قد يؤدي إلى شعور الطرف الآخر بأن هذه المساعدة لم تكن عن طيب خاطر، بل كانت وسيلة للحصول على مقابل، لذلك من الهام أن تكون المبادرات والتضحيات في العلاقات الزوجية قائمة على الحب والتفاهم، من دون أن يكون هناك تذكير دائم بالأشياء التي قدمها أحد الطرفين للآخر».

أشكال التمنّن بين الزوجين
ولأجل فهم ظاهرة التمنّن بين الزوجين، تستعرض أميرة المرزوقي بعض أشكال التمنّن التي يمكن أن تحدث بين الأزواج:
- تكرار ذكر المساعدة: عندما يكرّر أحد الزوجين تذكير الآخر بالمساعدة، أو الفضل الذي قدمه إليه في مواقف معيّنة، مثل قول «لا تنسَ أني ساعدتك في هذا الموقف»، أو «تذكّر أنني قدمت لك هذا الشيء أكثر من مرة». هذا النوع من التذكير يشعر الطرف الآخر بأنه مدين، أو صاحب فضل عليه، فيؤثر في راحته النفسية.
- الحديث عن التضحيات: عندما يتحدث بعض الأزواج، وبشكل مستمر، عن تضحياتهم التي قدموها للطرف الآخر، سواء كانت مادية أو عاطفية، هذه التصرفات تجعل الطرف الآخر يشعر بأنه غير مقدّر لتلك التضحيات، أو أنه ملزم بالاعتراف بها بشكل دائم.
- التفاخر بالمنفعة: عندما يتفاخر أحد الأزواج في بعض الأحيان بالفائدة التي جنتها العلاقة من تقديم المساعدة، أو التضحيات، والتي قد تورد على شكل ذكر كيف أن ما قدمه أسهم في تحسين حياة الطرف الآخر، يجعل الأخير يشعر بضغط مستمر للرد، أو إظهار الامتنان.
- الإشارة إلى الأعمال الطيّبة: يتعمد بعض الأزواج الحديث، وبشكل مستمر، عن الأعمال الطيبة التي قاموا بها، بخاصة إذا كان لديهم دافع للحصول على مقابل، والتي تكون على شكل تلميحات أو تعليقات تترك انطباعاً غير مريح، وتخلق شعوراً بالدين لدى الطرف الآخر.
- إظهار النية الطيبة بشكل زائد: في بعض الحالات، قد يظهر أحد الزوجين نواياه الطيبة في كل تصرف يقوم به، سواء مع شريك حياته، أو مع الآخرين، هذا السلوك يجعل الآخرين يشعرون بأنهم مدينون له بكل ما يفعله.

تكمل أميرة المرزوقي «تكرار ذكر التضحيات يؤثر بشكل كبير في علاقة الزوجين، لأنه يضعف الشعور بالتقدير، ويجعل الطرف الآخر يشعر بأن تضحياته لم تقدّر بالشكل المناسب، ما يخلق شعوراً لدى الطرف الآخر بأن العلاقة تقوم على المقايضة، بدلاً من الحب غير المشروط. كما أن تكرار التذكير بالتضحيات يسبب الإحراج، والشعور بالذنب، وبالتالي، تصبح العلاقة مشحونة بالضغط النفسي والتوتر، ومع مرور الوقت يتراكم الغضب عند الطرف المتأثر، مسبباً تراجعاً في التواصل بين الزوجين» . وتوضح الفرق بين التعبير عن المشاعر والتمنّن السلبي «يعتمد التعبير عن المشاعر على الصدق، والاحترام المتبادل، حيث يحاول الشخص مشاركة مشاعره بشكل صريح من دون انتظار مقابل، أما التمنّن السلبي فيتسم غالباً بمشاعر الاستغلال العاطفي، والمقايضة، حيث يستخدم العطاء، أو التضحية كوسيلة للحصول على شيء في المقابل، ما ينتج توازناً غير صحي في العلاقة».
أسباب التمنّن بين الأزواج
تؤكد المستشارة النفسية والأسرية «على الرغم من أن الشعور بعدم التقدير يُعد سبباً رئيسياً للتمنّن بين الأزواج، إلا أنه ليس العامل الوحيد، هناك عدة أسباب أخرى يمكن أن تسهم في هذا التصرف، مثل:
- الشعور بالنقص العاطفي، حيث يستخدم بعض الأزواج التضحيات كوسيلة لجذب انتباه الطرف الآخر، أو شدّ اهتمامه.
- يمكن أن يكون الإحساس بعدم الاستحقاق أحد الأسباب التي تدفع الشخص للتمنّن، حيث يشعر أحد الزوجين بأنه لا يستحق ما يقدمه للطرف الآخر، وبالتالي يحاول الحصول على اعتراف، أو تقدير إضافي.
- يمكن أن يكون لدى البعض حاجة لإثبات الذات، فيحاول إثبات أنه الأفضل، والأكثر تفانياً في العلاقة من خلال التذكير الدائم بما قدمه.
هذه الأسباب تؤدي إلى خلق بيئة غير صحية في العلاقة، ما يعمّق التوتر، ويؤثر سلباً في التواصل والمودّة بين الزوجين».

من جانب نفسي، تكشف أميرة المرزوقي «لا ترتبط صفة التمنّن بالرجال أو النساء، بقدر كونها مرتبطة بطبيعة شخصية الفرد، وغالباً ما تعاني الشخصيات التي تميل إلى التمنّن نقصاً في تقدير الذات، حيث يشعر هؤلاء الأفراد بعدم الاستحقاق، ويسعون للحصول على التقدير من خلال تكرار ذكر تضحياتهم. هذا السلوك يمنحهم شعوراً بالأمان، والقبول من الآخرين، ويعكس حاجتهم المستمرة إلى الإحساس بالاعتراف والتقدير». تكمل «كما أنه لا توجد قاعدة عامة حول من هو أكثر تمنّناً من الآخر، فالأمر يعود إلى العديد من العوامل الاجتماعية والنفسية، مثل صفات الشخصية، ونمط التفكير، سواء كان الشخص امرأة، أو رجلاً. إضافة إلى ذلك، تلعب التربية والتنشئة الاجتماعية دوراً كبيراً في تشكيل شخصية الفرد، سواء كانت سوية، أو غير سوية، ما يؤثر في النهاية، في سلوكاته وطرق تعامله في العلاقات».
وتتوقف المرزوقي عند مضار التمنّن على العلاقة الزوجية وكيفية تجاوزها «يصبح التمنّن شكلاً من أشكال فرض السيطرة عندما تستخدم التضحيات كأداة للضغط على الطرف الآخر للحصول على مكاسب معيّنة، على سبيل المثال، عندما يقول أحد الزوجين «لقد ضحيت بكل شيء من أجل هذه العائلة، لذا يجب أن تقرر وتفعل كما أريد أنا»، في هذه الحالة، يتم استغلال التضحيات للتلاعب العاطفي بالشريك، وتحويلها إلى وسيلة للتأثير في قراراته. كما يمكن أن يصبح التمنّن وسيلة لإعادة توجيه اللوم، حيث يقوم أحد الزوجين بإلقاء اللوم على الآخر لعدم تقديره لتضحياته، هذا السلوك يؤدي إلى زيادة المشاعر السلبية مثل الغضب، والاستياء، ما يفسح المجال لحدوث صراعات، ويعزز سوء التواصل بين الزوجين، وقد يصل الأمر إلى الانفصال العاطفي. ومع تكرار هذا السلوك، يتلاشى الاحترام والثقة بين الزوجين، ويشعر كل طرف بعدم الأمان في العلاقة، ما يزيد من احتمالية الانفصال».